في الذكرى الـ 57 لثورة الـ 14 من أكتوبر المجيدة : هل تتحقق أحلام الاستعمار القديم بالعودة إلى الجنوب

 

في السنوات الأخيرة للاحتلال البريطاني للجنوب اليمني ، ومع تزايد المقاومة اليمنية ، وإدراك المحتل أن فترة استمراره في الجنوب باتت محدودة ،عملت سلطات الاحتلال على تنفيذ مؤامرتها الأخيرة والخطيرة والتي كانت تتلخص في ترسيخ سياساتها السابقة الرامية إلى سلخ الجنوب عن هويته اليمنية من خلال تبنيها كيانات مناطقية انفصالية موالية لها في الجنوب .
الثورة / محمد شرف


ومنذ بداية عام 1934م وجدت السلطنات في المناطق الجنوبية والشرقية ومستعمرة عدن نفسها مكبلة باتفاقات مع بريطانيا حوَّلتها إلى مناطق مرتهنة لتكون تحت قبضة بريطانيا بصورة مطلقة.
وتعمدت بريطانيا سلخ هوية الأجزاء الجنوبية والشرقية من اليمن عن هويتها التاريخية والجغرافية.
وقد عملت على تحفيز وتشجيع الثقافات والهويات المحلية، وتغذية النزعات الانفصالية، وتعميق هوة الخلافات والصراعات المحلية، كما سعت إلى محاولة محو الثقافة الوطنية وطمس الهوية اليمنية.
وفي عام 1937م فصلت بريطانيا مستعمرة عدن والمحميات الشرقية عن التبعية لإدارة الحكومة البريطانية في بومباي بالهند، وألحقتها مباشرة بوزارة المستعمرات البريطانية.
وسعت سلطات الاحتلال إلى اختلاق هوية أخرى للجنوب بهدف فصل مناطق الجنوب والشرق عن اليمن، ومسخ هويتها التاريخية والجغرافية.

دولة الجنوب العربي
ولتحقيق هدفها بدأت بريطانيا عام 1952م طرح مخطط لإقامة كيانين اتحاديين فيدراليين في إطار دولة واحدة تحمل اسم دولة الجنوب العربي الاتحادية.
كانت الخطة التي قدمتها بريطانيا رسميا عام 1954م هي توحيد السلطنات في الجنوب والشرق في إطار اتحاد فيدرالي، وعلى أساس بقاء مستعمرة عدن خارج الاتحاد.
ووفقاً للخطة تكون رئاسة الاتحاد للمندوب السامي البريطاني، وله أيضاً العلاقات الخارجية، وهو صاحب القرار الأول في حالة الطوارئ.

المشروع البريطاني يتجدد
تمارس المملكة المتحدة دورا أساسيا في الأزمة اليمنية منذ العام 2010م فهي إحدى الدول الراعية للمبادرة الخليجية ، وهي أحد أركان ما يسمى ” الرباعية ” إلى جانب الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ، وفي كواليس ” الرباعية ” يجري هندسة المشروعات السياسية والخطط العسكرية لتحالف الحرب على اليمن .
عودة الأطماع البريطانية في اليمن تعود إلى تسعينيات القرن الماضي بعد حرب 94 واحتضانها قيادات انفصالية ، وكانت السفارة البريطانية في صنعاء تهوِّن من شأن احتضانها للانفصاليين، وتقول إنهم ليسوا أقوياء، لكن الانفصاليين اليوم باتوا قوة مسلحة كبيرة، وعلاقتهم وطيدة بالجانب البريطاني.
كما أن نظرة إلى مسيرة المجلس الانتقالي الجنوبي منذ نشأته الحديثة، ومكوناته وهياكله تنبئ عن تفاصيل كثيرة للسياسات البريطانية القديمة تتكرر بحذافيرها.
ويتبنى المجلس الانتقالي الجنوبي الساعي للانفصال رؤية تهدف لإقامة فيدرالية جنوبية من إقليمين، كما أن عدن لها وضعية خاصة في هذه الرؤية.
أما الهدف العام والمعلن للمجلس الانتقالي فهو السعي للاستقلال وإعلان قيام دولة الجنوب العربي الفيدرالية بعلم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي قامت على أنقاض الاستعمار البريطاني.
وكل هذه الملامح العامة لمشروع المجلس الانتقالي الجنوبي – بما فيه تسمية الدولة المنشودة – ليست بجديدة؛ إذ تبدو في الأساس أفكاراً بريطانية، ورؤية ذات منشأ بريطاني، ولقد سبق لبريطانيا إعلانها عام 1959م قبل 4 أعوام على قيام ثورة الـ14 من أكتوبر التي أطاحت بالاستعمار البريطاني ومخططاته، وأرغمت بريطانيا على الجلاء بعد ذلك في 30 نوفمبر 1967.

بريطانيا والمبعوث البريطاني
يؤكد مراقبون أن البريطانيين يعتمدون على المبعوث الأممي مارتن غريفيث في انتهاج سياسة ومبادرات تمهِّد لدور بريطاني جديد في المنطقة، وفي الوقت الراهن تحتفظ بريطانيا بعلاقات وطيدة مع التشكيلات المدعومة خارجياً والنشطة بشكل مناوئ حتى لمشروع اليمن الاتحادي كما جاء في مخرجات الحوار الوطني.
ويبدو توجه المبعوث الأممي ذي الجنسية البريطانية نحو تثبيت مكونات يسهل التحكم بها على شاكلة المجلس الانتقالي، وقيادة الميليشيات المدعومة من الإمارات في الساحل الغربي .

ذرائع قديمة جديدة
عام 1838م كانت السفينة ” داريا دولت ” هي الذريعة التي استخدمتها بريطانيا لاحتلال جنوب اليمن الذي استمر أكثر من قرن وربع القرن . الآن تعاود بريطانيا استخدام نفس الذرائع للعودة إلى اليمن، ففي 17 أغسطس 2017م أصدرت بريطانيا تحذيراً للسفن التجارية من احتمال شن هجمات من اليمن عند باب المندب ، ولم تلقَ تلك التحذيرات أي اهتمام أو تغطية إعلامية ، وفي الحقيقة لم يكن هناك أي تهديدات تستهدف باب المندب ولا السفن التجارية ولا خطوط الملاحة البحرية، فلماذا أصدرت بريطانيا هذا التحذير؟ وما الذي كانت تنوي فعله بعد ذلك؟.
لقد كانت التحذيرات البريطانية متزامنة مع مشروع بريطاني يتم إعداده لطرحه على مجلس الأمن يتعلق بتدويل المياه الإقليمية اليمنية، وهو ما كشفته مصادر تابعة للجيش واللجان الشعبية ، إذ نفت ما ورد في التحذيرات البريطانية ، وحذرت من النوايا المبيتة للتحالف وبريطانيا .

تواجد عسكري بريطاني
بعد أقل من شهرين من التحذيرات البريطانية اعترف مصدر في خفر السواحل بعدن بوجود بريطانيين في معسكرات خفر السواحل، وقالت المصادر إن خبراء بريطانيين متواجدون في جنوب اليمن، وإن تواجدهم يتعلق بقوات خفر السواحل اليمنية وإن قوات من البحرية السعودية بانتظار دور لها في السواحل اليمنية بإشراف بريطاني مباشر وبتوجيهات من الخبراء البريطانيين المتواجدين في عدن ويتخذون من مقر خفر السواحل في مدينة عدن مقراً لهم، بالإضافة إلى وجود قوات أخرى في جزيرة ميون، وأضافت المصادر أن معلومات شديدة السرية لا يمكن التصريح بها نظراً لخطورتها وأهميتها في آن واحد، وكلها تتعلق بالدور البريطاني في المياه الإقليمية وباب المندب والدور الذي تسعى لتحقيقه في السواحل اليمنية.
وفي تقرير استقصائي نشره ” موقع العربي ” بعنوان ” القوات البحرية البريطانية ” جاء ما يلي ” وعلى الرغم من التكتم الشديد على ما يحدث حالياً في الجنوب، فإننا حاولنا التقصي أكثر حتى استطعنا الحصول على معلومات في غاية الخطورة، المعلومات التي تحصل عليها «العربي» من مصدر عسكري مسؤول تؤكد أن ” القوة السعودية عبارة عن لواء يدعى (لواء المغاوير)، ومدعومة بآلاف المقاتلين الجنوبيين الذين تم اختيارهم وفقاً لمعايير خاصة وتم تدريبهم بشكل مكثف ، حيث ستوكل إلى هذه القوة المشتركة مهام عسكرية بحرية في السواحل والمياه الإقليمية اليمنية، ولن تكون خاضعة للسلطات اليمنية ” .
وأضاف التقرير ” كما تؤكد المعلومات أن هذه القوات المشتركة ستعمل تحت إشراف قيادة القوات البحرية البريطانية التي ستتخذ من مقر قيادة القوات البحرية اليمنية في التواهي بمحافظة عدن مقراً لها في الأيام القادمة ” .. المصادر العسكرية التي نقل عنها الموقع أشارت إلى أن القوات الإماراتية في عدن تعمل على إبقاء الجنوب اليمني مفككاً وخاضعاً لتشكيلات مسلحة غير نظامية لها انتماءات مناطقية وقبلية ، لضمان استمرار حالة عدم الاستقرار المجتمعي، بحيث يبقى باب المندب والسواحل اليمنية والجزر تحت إشراف البحرية البريطانية وبعيدة عن اهتمامات القبائل الجنوبية التي ستكون مشغولة بالصراعات الداخلية الصغيرة فيما بينها .

تواطؤ حكومة المرتزقة
لا تقتصر العلاقات البريطانية على المكونات الانفصالية كالانتقالي مثلا، إذ تشير الكثير من المعطيات على الواقع إلى تواطؤ سلطة المرتزقة مع الأنشطة والتحركات البريطانية ، واعترافها بالتواجد البريطاني في عدن – كما جاء على لسان قائد القوات البحرية والدفاع الساحلي المعين من سلطة المرتزقة الجنرال عبدالله سالم النخعي، حيث قال ” إن وفداً عسكرياً من المملكة المتحدة زار القوى البحرية مطلع أغسطس 2017م وعرض تقديم مساعدات لإعادة بناء وتأهيل القوات البحرية اليمنية ، وتلقينا وعوداً بدعم بريطاني ” .

البداية من تمثال الملكة فيكتوريا
يبدو أن إعادة تمثال الملكة فيكتوريا إلى حديقة التواهي في الذكرى الـ 46 للاستقلال ، عام 2012م لم يكن صدفة ، وقد كان إحدى الخطوات لتحقيق الحلم البريطاني بالعودة إلى عدن ، إعادة تمثال الملكة فيكتوريا تم في عهد سلطة سيئ الذكر هادي ، وذكرت الأخبار حينها أن شركة وطنية تسمى “هيومن كير” تقوم بالتحضير لفعالية إزاحة الستار عن النصب التذكاري والمعلم التاريخي للملكة فيكتوريا الأم بعد ترميمه وتأهيله في حديقة التواهي وذلك صباح السبت 30 نوفمبر 2012م، وأضاف الخبر ” من المتوقع أن تحضر هذه الفعالية السفيرة البريطانية في صنعاء وعدد من مرافقيها ومحافظ عدن ومسؤولين في السلطة المحلية. ”
نعود إلى العنوان الرئيسي لهذه المادة: هل تتحقق أحلام الاستعمار القديم بالعودة إلى الجنوب؟!!
يبدو الجواب واضحاً من آثار الرصاص المحفورة على تمثال الملكة فيكتوريا، فلا مكان آمن للاحتلال في اليمن، حتى وإن كان على هيئة تمثال من البرونز.

قد يعجبك ايضا