إنه ذلك الصبي الذي لم يتجاوز عمره الـ(15)عاما هاجر من موطنه إثيوبيا إلى اليمن قاطعا مسافة البحر عبر التهريب اتجه الطفل إلى السفر بعد أن فقد والديه وأصبح يتيما لم يعله أي أحد من أفراد أسرته.. قصته المأساوية لا تنتهي هنا بل تبدأ بعد وصوله الأراضي اليمنية حين عمل في الشحت في قرى باب المندب مقابل الحصول على قوت يومه من أجل بقائه يوماٍِ آخر .
ليس الصبي وحده من هرب إلى باب المندب بعد أن ضاقت به السبل فالصبي ليس أقل وطأة من تلك الأسرة الإثيوبية التي هاجرت بشكل غير شرعي عبر البحر على يد تلك العصابات المهربة تصل الأسرة المكونة من الزوج وزوجته وابنته البالغة من العمر عشرة أعوام وتستقبلهم أحد الأحواش الخاصة بالمهربين تلقى الزوج التعذيب وتتعرض زوجته للاغتصاب اشترطوا في حال أراد زوجته وابنته خرج الزوج طالبا للمال لكنه لم يعد لإنقاذ أسرته تترقب الزوجة العودة له لكن دون جدوى فتدرك أنه لا مجال إلا الهرب بابنتها من تلك العصابة وبالفعل تنجح في الهرب لاذت بالفرار من العذاب لكنها أيضا ذاهبة إلى المجهول .
حالة أخرى تزيد من الألم لا يكفي أن نسردها في هذه السطور فقد لا تتخيل أن ترى أخاك يموت بجانبك دون أن تقدر على مساعدته ترى أنفاسه الأخيرة وأنت عاجز أمامه في حال وجدت نفسك بهذا الموقف لا قدر الله تأكد أنك تقتل ألف مرة دون أن تموت. هذا ما جرى لأحد الأخوين الشابين اللذين قررا الهجرة للعمل فعند وصولهم إلى أحد الأحواش الخاصة بالمهربين تحملوا التعذيب والجوع إلى أن وصلت حالة أحدهما إلى الخطر فقرر المهربون الإفراج عنهما لأن وجودهما يعد عبئاٍ على العصابة لم تكتف هذه العصابة بالإفراج عنهما بل رموهما في منطقة لا تطأها أقدام السكان في تلك المنطقة فظل الأخ الأول ينازع الموت وأخاه الثاني يقف إلى جانبه بعجز تام إلى أن تلفظ أنفاسه الأخيرة بعيدا عن الناس قريبا من البحر والسماء .
* هذه نماذج من القصص الواقعية التي تحدث في منافذ اليمن من قبل المهربين والمتاجرين بالبشر فاليمن تشكل أرض العبور للدول المجاورة فأغلب المهاجرين يصلون إلى اليمن كمحطة (ترانزيت) حتى يهاجرون لدول الجوار. هذه وقائع وانتهاكات إنسانية لا يمكن لليمن وحدها أن تعمل على الحد منها إذا لم تتحمل الدول الإقليمية والدولية مسؤوليتها في مساندة اليمن للتخفيف من وطأة تلك الانتهاكات وهذا ما استشعره المجتمع الدولي ونتيجة لذلك أقيم مؤخرا المؤتمر الإقليمي بصنعاء خلال الأيام الماضية بحثا عن حلول جذرية ومعالجات تمثلت بإعلان صنعاء.
فعن تلك الحلول يشير السيد أمين عوض- المدير الإقليمي للمفوضية السامية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- إلى أن هذه المعالجات التي خرج بها المؤتمر هي البداية لوضع حل للكارثة الإنسانية التي تحدث من قبل المهربين والمتاجرين. وأضاف قائلا: المرحلة الأولى من هذه المعالجات تكون بمتابعة التوصيات النابعة من المؤتمر وستكون هناك لجنة للمتابعة ووضع الآليات لمتابعة الدول والحكومات ووضع برنامج التنفيذ فيه هذه التوصيات.
لا توجد عقوبات
وعن العقوبات الدولية للمهربين والمتاجرين بالبشر ينوه السيد أمين بأنه حتى اللحظة لا توجد عقوبات دولية إنما هناك عدد من القوانين المحلية التي تتبع بعض الدول التي قامت بإصدارها تجرم وتمنع وتعاقب المهربين وتنظم اللجوء والمجتمع الدولي إزاء هذه الظاهرة اكتفاء بالتنديد والإدانة الدولية إزاء هؤلاء المجرمين .
وقال: نحن نعول على التوصيات التي خرج بها المؤتمر والتي شددت على ضرورة إصدار قوانين دولية تجرم عملية التهريب والاتجار وترجمتها محليا ووضع العقوبات الدولية إزاءهم ووضع قوانين تجرم الاتجار وتهريب النساء والفتيات.
قطع الأعضاء
وعن الجرائم المرتكبة من قبل المهربين والمتاجرين وأنواعها يشير العقيد عبدالله علي الزرقة- مديرعام المتابعة والترحيل بمصلحة الهجرة والجوازات- إلى أن هناك العديد من الجرائم المرتكبة ضد المهاجرين ولقد وصلت حالات عدة تمثلت في قطع الألسن وبتر الأعضاء التناسلية والاغتصاب للنساء وبتر أجزاء من الأصابع.
ينوه الزرقة بأن هذه الجرائم اليوم أصبحت منظمة فالمهربون يملكون أحواشاٍ يضعون فيها المهاجرين ويطلبون منهم دفع مبالغ مالية لإخراجهم وفي حالات عدم القدرة على الدفع تتم مثل تلك الانتهاكات على حد وصفه.. مضيفا أن اليمن وحدها لا تستطيع مواجهة هذا الأمر ما لم تتكاتف فيها المجتمع الدولي فالبلد يعاني الكثير وينقصه الإمكانيات اللازمة
ويقول الزرقة إنه خلال العامين الماضيين تم ترحيل ما يقارب (25) ألف مهاجر بشكل طوعي أما هذا العام فإن الرقم أكبر من هذا بكثير.
فيما أشارت المصادر الحكومية اليمنية إلى أنه تم التنسيق مع دول المصدر بحيث يتم عمل حملات إعلامية في دول المصدر توضح فيه الجرائم المرتكبة على المهاجرين غير الشرعيين وما يلقاه المهاجر من قبل عصابات التهريب والمتاجرين بالسلاح.
بعض دول المصدر بدأت بعمل عقوبات على من يقوم بعملية التهجير منها إلى منافذ اليمن وتشمل العقوبات على المهاجرين أنفسهم كآلية للحد من تدفق المهاجرين منها إلى المنافذ اليمنية.
250 ألف مسجل بالمفوضية
كما تشير الإحصائيات أن عدد اللاجئين المسجلين في المفوضين هو (250) ألف لاجئ وأن أكثر من (500) ألف مهاجر لم يسجلوا حتى اللحظة أي أن هناك ما يقارب المليون مهاجر ولاجئ يتواجدون في الأراضي اليمنية لم يتم تسجيلهم لدى المفوضية وهو رقم كبير جدا خاصة ما تعانيه اليمن من مشاكل إنسانية متعددة وأوضاع سياسية واقتصادية غير مستقرة وتوضح الأرقام أنه في عام 2012م وصل إلى الأراضي اليمنية حوالي (107.532) شخصا عبر خليج عدن والبحر الأحمر وهي أعلى نسبة سجلتها المفوضية سجل خلال العام الجاري 2013م عن وصل الشواطئ اليمنية حوالي (62.194) معظمهم من الجنسية الأثيوبية إضافة إلى مشكلة النزوح الداخلي التي تعاني منها اليمن فهناك ما يقارب (300) ألف نازح داخلي شمال البلاد جراء الصراعات المتقطعة وعودة (100) ألف نازح جنوب اليمن .