عدن.. أكثر المدن اليمنية أمنا◌ٍ واستقرارا◌ٍ

تعود إجبارياٍ خطوتين إلى الوراء و تمضي خطوة للأمام يصاحبها خوف وقلق.. حين تتذكر ما تبثه بعض وسائل الإعلام عن توتر الأوضاع في عاصمة وطننا الاقتصادية والانفلات الأمني فيها وأنت بالقرب من بوابتها البرية.
واقع عدن الأمني ننقله لكم في هذا الاستطلاع من خلال ما التمسناه وعايشناه وشاهدناه الأسبوع قبل الماضي حين سمح لي القدر والظروف أن أقضي ثلاثة أيام من عمري فيها برفقة زميلي “أحمد الشرفي ـ مازن الصعفاني”..

كنا نبحث عن طريقة للتخلص من الثياب التي نرتديها قبل وصولنا مدخل عدن.. كان القلق والخوف يسكنان قلوبنا جميعاٍ.. لكننا لم نفصح لبعضنا ذلك الوقت.. ارتفعت نبضات قلوبنا حين رأينا لوحة كتب عليها “مرحباٍ بكم في عدن” وعلم اليمن الواحد يرفرف بفخر واعتزاز على رؤوس الجنود المرابطين هناك..
وصلنا ساحل أبين الساعة الـ9 مساءٍ.. اتجهنا إلى الفندق لتأمين السكن ولأخذ قسط من الراحة قبل أن يأخذنا شاطئ البحر وأصوات أمواجه.
هناك حيث استقبلنا رجلَ تجاوز عمره الأربعينات وربما الخمسينات يعمل في الفندق هدأت قلوبنا وبدأ الوجل والقلق بالتراجع إلى الخلف بعد أن تصدرا وربما سيطرا علينا قبل وصولنا.. الابتسامة التي غابت عن وجوهنا لساعات حاولت الظهور مجدداٍ حين رحب بنا ذلك الرجل الذي فرض علينا احترامه وحبه بأخلاقه وطيبته وتعامله معنا.. ذلك التعامل والترحيب كان يشبه إلى حدٍ ما استقبال حبيب بعد غياب استمر لفترة كبيرة من الزمن أو تعامل صاحب المنزل مع ضيف حل عليه.
أجبرني أسلوب وفن وتعامل ذلك العامل مع الآخرين ليرتفع حبنا وعشقنا لعدن وأهلها استفسرنا منه عن مكان آمن لوضع السيارة فيه.. فأشار إلى رصيف الشارع الممتد أمام بوابة الفندق.. سألته عن الأوضاع الأمنية فرد “الأمن بحالة جيدة ولم تعد مظاهر العنف والاعتصامات والشغب التي شهدتها عدن خلال العامين الماضيين موجودة”.
الأمن جيد
في شاطئ ساحل أبين كان لنا حديث مع أحد عمال استراحة قصدناها للاستمتاع بجمال وروعة البحر والذي كشف لنا بأن تلك الاستراحة التي لم تكن قمة إلا بتعامل وأخلاق وطيبة وأصالة وطنية ونبل الشاب العاملين فيها ورزانة عقولهم وحبهم لبلادهم..
اهتم بنا عبدالسلام -أحد العمال- جيداٍ.. حاول أن يهدينا السعادة بكل ما يملك من خدمات ومفردات الحب والتقدير.. لم نسمع هناك كلمة سيئة أو جملة تزعج رحلتنا أو تعكر ليلتنا وتفصل بيننا وبين رنين الأمواج.. ساحل أبين كان جميلاٍ بأهله وبضيوفه.
عبدالسلام أبدى غضبه حين سألته عن الوضع الأمني من الشباب الذين كانوا يحاولون خلال الفترة الماضية أثارت المشاكل وإفزاع السكينة العامة.. لكنه في الوقت نفسه طمأننا باستقرار الأمن وباهتمام رجال الأمن بإنهاء كل المظاهر غير الحضارية.. واستغرب أيضاٍ من عدم تواجد رجال الشرطة في الجولات إذ كان هناك شرطي لكل جولة قبل 2011م.. مناشداٍ وزير الداخلية ومدير عام محافظة عدن بإرجاع رجال الأمن إلى تلك الجولات كون ذلك سيساعد في رفع نسبة الأمن والاستقرار بالمدينة.
الإعلام بث الرعب
“محمد” شاب لا يتجاوز عمره الـ15 عاماٍ التقينا به بالقرب من قلعة صيرة يحمل بين يديه كتبا والتي يتطلب بيعها وإقناع الآخرين باقتنائها جهدا كبيرا كوننا شعباٍ لا يقرأ الكتب ونسبة الأمية تصل إلى أكثر من النصف لعدد السكان.
يقول محمد بائع الكتب: “ليس هناك شيء مما تزعم وجوده بعض وسائل الإعلام المختلفة فلم يعد يحدث ما كنا نشاهده قبل الأزمة التي مر به وطننا خلال العامين الفائتين من إضرابات واعتصامات وأعمال شغب وعنف من قبل البعض وإن وجدت فهي نادرة الحدوث وقصيرة المدى أي لا تستمر ملامحها كثيراٍ وتنتهي تحديداٍ بمجرد وصول أفراد الأمن إلى موقع الحادث.
ولا يخفى على أحد ما تنشره وتبثه بعض وسائل الإعلام من أحداث وأوضاع أقلقت جميع أبناء الوطن وإصابتهم بالحيرة وأسكنت قلوبهم الخوف على ثغر بلادهم الباسم الذي وجدنا فيه الأمن والاستقرار الذي كان -ولا يزال- مبتسما في وجه الجميع رغم الإشاعات التي تقول بسقوطه وسحب الابتسامة منه.
في عدن استطعت أن أفعل ما لم أجرؤ على التفكير بفعله أو تنفيذه في بعض شوارع عاصمة الوطن “صنعاء” مثلا كالمشي عند حلول الظلام بعد منتصف الليل مترجلاٍ على أرصفة الشوارع بمفردك دون أن يعترضك مسلح ينتشل وينهب ما بحوزتك من المال والأحلام.. عرفت آنذاك أنني في وطن عاصمته الاقتصادية السياحية الآمنة المستقرة عدن.
خالية من المطبات
عدن خالية من المطبات الأمنية والعبثية والقبلية التي تملأ شوارع العاصمة وعواصم محافظات الجمهورية.. الشوارع هناك جميلة نظيفة من مخلفات السكان خالية من الحفر والتشوهات الإسفلتية التي نشاهدها ونلتمس نتائجها وخسائرها ونبكي على ضحاياها.
لم أرِ رجال المرور سوى في جولتين خاليتين من الاختناق المروري وأبواق السيارات.. الجميع ملتزم بقواعد وقوانين السير وهذا لا يحافظ على سلامة السائقين والمارة فحسب وإنما أيضاٍ يجعل المدينة أكثر جمالاٍ وهدوءاٍ.
ثلاثة أيام قضيتها في ساحل أبين وشاطئ الغدير والساحل الذهبي وقلعة صيرة عبرت فيها شوارع عدن بأكملها دون أن أجد شارعاٍ مقطوعاٍ لأنه ينتهي عند بيت شيخ ما أو ألاحظ قوافل مسلحة تابعة لأحد المشايخ أو المتنفذين.. عشتها دون أن أشاهد ما تناقلته –ولازالت- بعض وسائل الإعلام التي ضربت بقيم ومبادئ وأخلاقيات المهنية عرض الحائط..
عدن تشهد أمناٍ واستقراراٍ أكثر مما يْتصور أو يْعاش عدن أكثر المدن أمناٍ واستقراراٍ في البلد.. إلا أنها ورغم ذلك بحاجة إلى المزيد من البناء والعطاء من قبل الحكومة خاصة والمجتمع عامة.. فثغر وطننا بحاجة إلى بعض الإصلاحات والتزيين.

قد يعجبك ايضا