الشراكة الوطنية عنوان رئيسي لثورة الـ21من سبتمبر المباركة

اتفاق السلم والشراكة وضع الأسس لبناء يمن قوي ومستقل وهو ما أفقد الأعداء صوابهم وسارعوا إلى إجهاضه
استمرار الفعل الثوري بمبادئه السامية حتى تحقيق الاستقرار والتخلص من الوصاية الخارجية
المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ صورة معبرة عن الشراكة ورفض كل أشكال الإقصاء والتهميش

بعكس كل الثورات الشعبية في العالم والتي غالبا ماتطغى عليها عمليات الإقصاء والتهميش للآخر ،جاءت ثورة الشعب اليمني في الـ21من سبتمبر من العام 2014م لتقدم الكثير من الدروس والمبادئ الهامة في ترسيخ مفاهيم الشراكة الوطنية وحقيقة ان الوطن يتسع لجميع أبنائه.
ويجمع الخبراء والمنصفون من المتابعين لتطورات المشهد اليمني ومساراته السياسية على أن ثورة الـ21من سبتمبر دشنت بشائر عهدها بالشراكة في إدارة البلد مع مختلف المكونات السياسية والاجتماعية وكان هذا الاستحقاق عنوانا بارزا لمسيرتها الظافرة ومنذ اللحظات الأولى لانتصارها.

حمدي دوبلة

هذه الثورة المجيدة بحسب المحللين وخبراء السياسة لم تجعل في أجندتها الاستحواذ والاستئثار بكل شيء أو السيطرة على السلطة بشكل انفرادي وممارسة التهميش وإلغاء الآخر بل كانت منذ البداية حضنا لكل ألوان الطيف اليمني مسجلة مواقف مشرفة كان من شأنها إعادة الاعتبار والكرامة للشعب اليمني.

تصحيح المسار

لا يخفى على أحد أن الوطن اليمني شهد في مرحلة مابعد الإطاحة بنظام الأئمة وبالتحديد منذ العام 1962م الكثير من الأخطاء الجسيمة والانحرافات الواضحة عن مبادئ ثورة الـ26من سبتمبر ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد وإنما صارت هذه الثورة كما يقول المحللون مظلة ويافطة لممارسة عمليات الإقصاء والتهميش لشريحة كبيرة من أبناء الشعب وباسم هذه الثورة أيضا وتحت رايتها تم حرمان مناطق بعينها من كل مقومات الحياة الإنسانية ونفس هذا الأداء الذي انتهجته ثورة الـ26من سبتمبر في شمال اليمن اعتمدته ثورة الـ14من أكتوبر من العام 1963م في الجنوب ولم يكن إنجاز الوحدة اليمنية الذي تحقق في الـ22من مايو من عام 1990م ببعيد عن هذه الأخطاء الفادحة إذ أن النظام السياسي في مرحلة مابعد الوحدة اليمنية سار على نفس النهج من الإقصاء والتهميش واستعداء مختلف المكونات السياسية والحزبية بعد استئثاره بالسلطة والنفوذ لتتواصل الخيبات اليمنية وتصل إلى ذروتها بعد ثورة فبراير الشبابية في العام 2011التي تم سرقتها من قبل المتنفذين قبل أن يكتمل نموها وهنا كان لابد من ثورة شعبية ضد الأخطاء والفساد وضد الهيمنة في الداخل ومايمارسه أولئك المتنفذون من تبعية وارتهان أعمى للخارج المتربص بهذا الشعب شراً مستطيراً.
استفادت ثورة الـ21من سبتمبر إلى حد بعيد من أخطاء الثورات الماضية وعملت على استيعاب كل الوان الطيف في بوتقة واحدة عنوانها الوطن الكبير ومصالحه العليا والانعتاق والتحرر من كل أشكال التبعية والارتهان للخارج وهذا الأمر الذي لم يرق لذلك الخارج الذي دأب منذ عقود طويلة على تنفيذ أجندته ومطامعه بأياد يمنية للأسف الشديد .

ليلة الانتصار والاتفاق التاريخي

ليلة انتصار ثورة الـ21من سبتمبر كانت مميزة في التاريخ الوطني المعاصر إذ أنها لم تكن كما جرت عليه العادة من ممارسات السحل والقتل والتنكيل بالخصوم السياسيين بمجرد الانتصار وإنما انتهجت نهجا مميزا عنوانه الشراكة واحتضان الجميع وتجسد ذلك في أنصع الصور من خلال اتفاق السلم والشراكة الوطنية” الذي تم إبرامه بين كل أطراف العمل السياسي في البلد وتضمن بنوداً هامة أسست فعليا لبناء يمن حر وقوي وذي سيادة كاملة وعقب هذا الاتفاق التاريخي الذي باركته كل قوى الداخل وجميع بلدان العالم ومنظماته الكبرى القى السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي قائد الثورة الشعبية كلمة ضافية رسمت معالم المستقبل للبلد ومن ابرز ما جاء في ذلك الخطاب «أن اليمن سيكون حراً وأن علاقتنا مع الخارج لا بد أن تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشروعة وفي إطار الندية وليس التبعية كما في الفترات الماضية» هذه الكلمات الواضحة نزلت كالصاعقة على قوى التربص الإجرامي والأعداء التاريخيين للشعب اليمني ومن ذلك اليوم كرسوا كل جهودهم وإمكانياتهم لإفشال هذا الاتفاق وبعد ستة اشهر فقط من إبرام وثيقة السّلم والشراكة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد جاء العدوان الغاشم.
فقد أدرك النظام السعودي ومن وراءه ودول الهيمنة والاستكبار العالمي أن اليمن سيمضي بخطى ثابتة وواثقة في اتجاه البناء والتحرر واستقلال القرار الوطني لم تجد أمامها بدُاً إلا اللجوء للقوة وشرعت في التخطيط وتهيئة كل الأجواء لشن عدوانها الهمجي البربري على الشعب اليمني بعد أن نفذت حصار دبلوماسيا وسياسيا من خلال محاولة وضع اليمن في عزلة وفراغ سياسي ومغادرة جميع السفارات من البلد ثم رافق هذه الحرب العسكرية حصار شامل على الأجواء والبر والبحر وكل ذلك لتركيع الشعب اليمني والقوى الثورية وإعادتها إلى بيت الطاعة السعودي بقوة السلاح لتجد هذه الثورة الشعبية نفسها أمام التحدي الأكبر الذي بات يهدد بوأاد واغتيال حلم شعب بأكمله.
هذا الاتفاق الذي كما ورد في ديباجته جاء بناء على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي توافقت عليه جميع المكونات اليمنية والتي أرست أسس بناء دولة يمنية جديدة مبنية على مبادئ سيادة القانون والمواطنة المتساوية واحترام حقوق الإنسان والحكم الرشيد، والتزاما بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه، واستجابة لمطالب الشعب في التغيير السلمي وإجراء إصلاحات اقتصادية ومالية وإدارية وتحقيق الرفاه الاقتصادي، وخدمة للمصلحة الوطنية العليا، وتجسيدا للشراكة والتوافق في التشخيص والحلول والتنفيذ، والتزاما باستقرار البلاد وتحقيق مستقبل ديمقراطي واعد ومشرق، ومن أجل الوحدة الوطنية وبناء السلام وتعزيزه كما نص في أبرز بنوده على مشاركة كافة المكونات في هذه المشاورات بشكل فعال، ويتم تمثيلها في الهيئات التنفيذية على المستوى المركزي وفي المحافظات لضمان الفاعلية والشراكة الوطنية وهو الأمر الذي أرق الأعداء ودفعهم بقوة إلى إجهاضه والشروع في تنفيذ أكبر عدوان عسكري وأكثرها وحشية وحقدا في التاريخ المعاصر .

لماذا أجهضوا الاتفاق؟

الحوار الوطني ومخرجاته كان أهم استحقاق سياسي في تاريخ اليمن وخاصة بعد أن افضى إلى اتفاق السلم والشراكة
لكن تلك المخرجات كما يقول المحللون السياسيون تم الالتفاف والانقلاب عليها بعد ذلك بإملاءات من الخارج بهدف تمزيق وتقسيم اليمن ، بمباركة عدد من القوى السياسية المرتهنة للخارج والتي لا تحمل على عاتقها آمال ومطالب الشعب ..
وفي هذا الصدد يوضح السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي قائد الثورة أن “أهم عملية سياسية تمت في هذا البلد كانت هي عملية الحوار الوطني والتي خرجت بجُملة من المخرجات المتفق عليها، تلك المخرجات المتفق عليها كان هناك سعي دؤوب عقب ذلك لتلك القوى ذاتها في الخارج والداخل للانقلاب عليها وتضييع كل ما هو مهم داخل تلك المخرجات، كل ما يتناسب أو يلبي مطالب هذا الشعب أو يحقق شيئاً من أهدافه وأرادوا أن تقتصر مخرجات الحوار الوطني على ما يحقق لهم فقط آمالهم وأهدافهم حصريا أما كل ما له صلة أو علاقة بحقوق هذا الشعب أو مطالبه فكانوا يريدون تضييعه نهائيا وخططوا لذلك وعملوا أشياء كثيرة على المستوى الأمني وعلى المستوى العسكري وعلى المستوى السياسي”
وحول الأهمية التي شكلها اتفاق السلم والشراكة وكيف عمل الأعداء على إجهاضه نجد أن السيد القائد أوضح ذلك بالتفصيل في خطابه في الذكرى الثالثة لثورة الـ21من سبتمبر بالقول “رغم ان اتفاق السِّلم والشراكة قدَّم درساً مهماً عن ثورة شعبية مدت اليد لكل المكونات في هذا البلد حتى مع كُلّ أولئك الذين وقفوا ضدها واختلفوا معها وسعوا بكل ما يستطيعون للقضاء عليها، ومع كُلّ هذا المستوى العظيم من الإيْجَابية العالية جداً، من التفاهم والحرص الكبير على استقرار هذا البلد كان البعض غير إيْجَابي، تعاطوا آنذاك مع اتفاق السِّلم والشراكة ووقعت عليه كُلّ المكونات في الداخل واعترفت به القوى الخارجية بما في ذلك الدول العشر نفسها، النظام السعودي آنذاك اعترف بهذا الاتفاق ورحب به مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي، ودول كثيرة.. أوَصْبَح هذا الاتفاق معترفاً به لدى الجميع في الخارج وفي الداخل، ومع ذلك تنكر له الآخرون وعملوا بكل جهد على إفشال هذا الاتفاق والتآمر على هذا الشعب تآمراً كبيراً في مسعى منهم لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه في السابق، إعادة الوصاية والسيطرة الأجنبية.
ويضيف ” وبعد أن أَصْبَح هذا الاتفاق ملزماً في الأخير افتضحوا اليوم لأنهم باتوا صريحين في تنكرهم لهذا الاتفاق وفي موقفهم السلبي منه، ويتهمون القوى الثورية بأنها تحاول الالتفاف على الاتفاق، ولكن انكشفت الحقائق وباتوا صريحين في موقفهم السلبي من اتفاق السِّلم وَالشراكة ولذلك هم يتحملون المسؤولية أمام التاريخ وأمام هذا الشعب في أنهم هم الذين سعوا إلى إفشال ذلك الاتفاق وتعطيله والالتفاف عليه والتآمر من جديد وإعادة الأمور إلى نقطة الصفر، وعقَّدوا المشكلة من جديد ودخلوا في مؤامرات جديدة توجوها بالعدوان، وكل هذا في مسعى منهم أن لا يتحرر هذا البلد وألا نعيش كشعب يمني أحراراً دون وصاية أجنبية وسيطرة خارجية”.

الشراكة المتواصلة

وعلى الرغم من المحاولات الكثيرة التي سعى ولايزال يسعى اليها الأعداء في نسف أي جهد للشراكة وتوحيد الصف اليمني والاستماتة في بذر الخلافات والصراعات بين أبناء الوطن الواحد إلا أن ثورة الـ21من سبتمبر ظلت على مبدئها في الشراكة مع كافة المكونات السياسية والاجتماعية في البلد وتجلى ذلك بوضوح من خلال تشكيل المجلس السياسي الأعلى أواخر يوليو من العام 2016م والذي ضم ممثلين للقوى الوطنية الفاعلة بديلا للجنة الثورية العليا التي كانت هي الأخرى مشكلة من ممثلين لمختلف الوان الطيف السياسي وقد اسفر هذا المجلس الذي لايزال يؤدي مهامه الوطنية إلى اليوم عن تشكيل حكومة الإنقاذ الوطني الممثلة لكل القوى والأحزاب والتنظيمات السياسية الفاعلة في الساحة وماتزال هذه الحكومة الوطنية تعمل في أجواء من الشراكة رغم كل ما يحيط بها من تحديات راسمة بذلك لوحة رائعة من العطاء الوطني الذي يعبر بوضوح عن مبادئ وقيم ثورة الـ12من سبتمبر التي تستمر في عامها السادس لتحقيق أهدافها العظيمة ولاشك ستمضي هذه الثورة كما يقول السيد القائد حتى ينعم هذا البلد بالاستقلال والاستقرار وينعم هذا الشعب بثرواته وخيراته، وأن هذه هي الأهداف التي حينما تتحقق يمكننا حينها القول إن أهداف الثورة الشعبية قد تحققت “استقلال واستقرار على المستوى الأمني والاقتصادي والسياسي” .

قد يعجبك ايضا