تَطْبيع المنافسات الرياضية

 

د. جابر يحيى البواب

بتحايل فكري واستدراج سياسي خبيث بدأ التطبيع “تطبيع العلاقات مصطلح سياسي يشير إلى جعل العلاقات طبيعية، بعد فترة من التوتر أو القطيعة لأي سبب كان، حيث تعود العلاقة طبيعية وكأن لم يكن هناك خلاف أو قطيعة سابقة” مع الاحتلال الصهيوني قبل 62 عاماً “1978م” عبر اتفاقية السلام المزعومة المسماة كمب ديفيد، وعلى نفس المسار وبنفس الخبث بدأ زعماء الخليج بالتحايل على الرفض الشعبي للاحتلال الصهيوني للأراضي المقدسة عبر تمرير مشروع التطبيع الرياضي، والترويج بأن اللاعب الإسرائيلي راعي سلام وأنه مجرد منافس يتحلى بروح رياضية، وعلى الجميع التعامل معه كمنافس ولاعب رياضي من منطلق “الروح الرياضية”، متناسين مجازرهم وجرائمهم بحق الفلسطينيين، ومتجاهلين خبثهم وجراءتهم في تدنيس المقدسات الإسلامية وتدمير المساجد والمعالم الحضارية والمباني السكنية على رؤوس ساكنيها.
الإمارات كانت الأكثر لهثاً في سباق التطبيع الرياضي مع الكيان الصهيوني، والأحرص بين دول الخليج والدول العربية على إنجاح مشروع التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، حيث شهدت الأعوام 2018 و2019 و2020م أعلى مؤشر لشغف التطبيع الرياضي، منها على سبيل المثال مشاركة لاعبين إماراتيين وبحرينيين في سباق طواف إيطاليا الذي أقيم في القدس المحتلة في شهر مايو 2018م، وفي نفس العام أقدمت بعض دول الخليج على استقبال الوفود الإسرائيلية المشاركة في البطولات الرياضية المقامة على أراضيها، كبطولة الجودو المقامة في أبوظبي أكتوبر 2018م وبطولة العالم للجمباز الفني المقامة في الدوحة أكتوبر 2018م “للعلم الدوحة “قطر” في العام 1996م افتتحت أول مكتب تجاري إسرائيلي في الخليج”، ليس ذلك وحسب بل إنهم سمحوا برفع علم الكيان الصهيوني المحتل على سماء الدول العربية وعزف النشيد الإسرائيلي ورددت كلماته التي تجاهر بالعداء للإسلام والعرب وتنادي بقتل كل عربي مسلم..
السعودية التي ظلت فترة طويلة بعيدة عن دائرة التطبع، رغم بنائها علاقات سعودية إسرائيلية ولكن من تحت الطاولة “في الخفاء”، في أكتوبر 2019م جاهرت بشغفها ولهثها وراء التطبيع، الشاهد على ذلك أن المنتخب السعودي وصل إلى رام الله للمشاركة في التّصفيات المؤهلة لكأس العالم 2022م وكأس آسيا 2023م، كما أن المنتخب والوفد المرافق قام بزيارة الأقصى بالتزامن مع اقتحامات المستوطنين المسجد في أول أيام “عيد العرش”، دون أن يكون لهم بيان تنديد واستنكار لما يحدث..
تستعمل بعض الدول العربية طاقية إخفاء التطبيع، بينما الأخرى تسرق كرامة الأمة وتنتهك مقدساتها وشرعيته الدينية عبر التطبيع المجاهر به، كما عملت المغرب منذ أن اعتلى عرشها الملك الراحل الحسن الثاني في العام 1961م، حيث لم تنقطع العلاقات بين الرباط وتل أبيب حتى في أوج الصراع العربي الإسرائيلي وغليان الشارع المغربي بهذا الخصوص، وقامت بالأمر ذاته كل من تونس وموريتانيا..
ليست الغيمة السوداء معتمة مظلمة، وليسوا قادة العرب كلهم سواء، ولم يمت الشعور بالغير والعزة والكرامة والحفاظ على الدين الإسلامي لدى شعوب العالم العربي والإسلامي، فبرغم لهث بعض القادة والأمراء والملوك وراء التطبيع إلا أنه كان هناك مبادرات عديدة أطلقتها شعوب الدول الخليجية والعربية رفضاً للتطبيع، منها مبادرة “سعوديون ضد التطبيع” في السعودية و”شباب قطر ضد التطبيع” في قطر، والنشاط الذي يبذله نشطاء بحرينيون لمقاطعة الاحتلال بعد أن تم إغلاق مكتب مقاطعة “إسرائيل” في البحرين عام 2006م، ورفعت البحرين بعده الحظر على البضائع الإسرائيلية.. لن أتطرق لليمن لان فكرة التطبيع بالنسبة للشعب وللدولة كابوس لا يمكن القبول به، لكن للتأكيد والتذكير لم يقبل أي فريق رياضي يمني اللعب أو الالتقاء بالفرق الإسرائيلية ولم يقبل أي لاعب يمني من لاعبي الألعاب الفردية الخضوع لمنافسة يكون أحد أطرافها لاعب إسرائيلي، من ذلك انسحاب المنتخب اليمني لالتقاط الأوتاد “فروسية” من منافسات العالم لالتقاط الأوتاد في رومانيا العام 2010م لوجود فريق للكيان الصهيوني ضمن المشاركين.

قد يعجبك ايضا