علل الضمير الوظيفي

 

احمد ماجد الجمال

العمل الوظيفي هو جهد إنساني مدفوع الثمن وعليه فالموظف ملتزم بالأداء المهني مقابل ما يتحصل عليه من راتب وغيره ..ويكون لزاماً عليه الاجتهاد والمثابرة دون تقاعس أو تكاسل بتوازن مدفوع نحو الأفضل بدافع ذاتي وضمير وظيفي يقظ .كل موظف هو مواطن لابد أن يكون مراجعاً وصاحب مصلحة في أي يوم في دوائر وجهات أخرى.
إن الضمير الوظيفي يتشابه إلى حد كبير في المعايير والقيم التي تركز عليها أخلاقيات الإدارة في القطاع الخاص فالنزاهة والأمانة والمثابرة والامتثال للنظم وغيرها هي مبادئ أخلاقية ضرورية في الوحدات الحكومية كما هي ضرورة في القطاع الخاص
ثمة علل وتشوهات لحقت بالوظيفة وهي متعددة في أنماطها أو دوافعها أو أهدافها مثلا: هناك موظفون يعتقدون أن الوظيفة دوام رسمي وبصمة في أوله وعلى الأكثر بصمة في آخره يفهمون الوظيفة على أنها حقوق أصيلة ومزايا فقط يحفظون كل تفاصيل حقوقهم المثبتة في الموارد البشرية ويصطادون كل فرصة لتحسين أوضاعهم وزيادة دخلهم ويتصدرون الرخص ويلاحقون الثغرات في الأنظمة واللوائح، مبدعون في اختراع الأعذار لتكاسلهم ومتميزون في ابتكار طرق تسربهم هم الحاضر الغائب ربما بتعاون ومحسوبية من داخل الوحدة الإدارية أو خارجها ويستنفدون كل يوم وساعة وربما دقيقة من رصيد الإجازات (العرضية ,مرضية ,طارئة ,ساعات استئذان )وربما تتفتح القرائح عن شقوق في باب اللوائح تأتي من بينها فرص أخرى كعدم تمكينهم من أية عمل أو مهام أو تكون بسيطة أو الأعمال محصورة في عدد قليل من الموظفين.
كثيرون من هؤلاء عبء على أماكن عملهم وسبب في نقل عدوى سلبية وقلة العطاء وبث روح الإحباط في نفوس زملائهم الأكثر التزاماً وانضباطاً منهم وقدوة سيئة للداخلين حديثا إلى قطاع العمل , ويصبح الناتج الإجمالي للعمل وساعات العمل الحقيقية متدنياً وتظهر الفجوة كنتيجة للساعات التي تضيع هدراً.
شيء جيد أن يتمسك الموظف بكل حقوقه ويحصل عليها ويمتلك ادوات المعرفة والثقة الإدارية والقانونية للحصول على كل مستحقاته لكن من المهم أيضاً أن تتكامل عناصر هذه المعرفة بالواجبات بقدر التمسك بالحقوق, للموظف حق وللوحدة حق وفوقهما المجتمع والمصلحة العامة حق. والمنطق يقضي من الموظف كما يطالب بحقوقه في التمكين والحوافز والترقيات والحركة والتدوير الوظيفي والحد من كثرة المهام وأخذ ما هو ممكن في مقابل ما هو متوقع في ظل كل الظروف والاحتمالات كذلك المنطق يقضي التعامل والتفاعل بضمير مهني بين طرفي العملية الاتصالية.
سير أعمال الإدارة في الدوائر الحكومية موضوع حيوي يحظى باهتمام كبير لأن أخلاقيات الوظيفة العامة من الأساسيات وهي تعكس ثقة الوحدة الإدارية بموظفيها وأجهزتها وكذلك ثقة المجتمع .
إن الالتزام بأخلاقيات الوظيفة سوف يقود إلى تطوير العاملين ويعكس الاهتمام الذي يوليه الموظف بالعناصر المهنية كالشفافية والنزاهة وتظهر بشكل واضح في الضمير المهني للموظف حيث الأخلال بها يؤثر بشكل مباشر على السير الطبيعي للعمل وعلى مصالح أفراد المجتمع .
فاعلية الإنسان وكفاءته ترتبط وتتأثر بأدائه لعمله بمهنية عالية وتدفعه إلى تنمية معارفه العلمية والسلوكية نحو تحسين أدائه لأن التحدي الكبير لا يكمن فقط في القدرة على استيعاب المعرفة والتكنولوجيا بقدر ما يمكن في القدرة على صياغة الضمير المهني ولا يتأتى ذلك إلا من خلال دراسة الواقع وما يرتبط به من ظواهر إيجابية وسلبية اتساقا بمدى التزام الموظف بواجباته الوظيفية وبضميره المهني كما تحددها النظم واللوائح والإرشادات ,ويعتبر الموظف مقيداً بقواعد العمل وتعليماته .
علاقة الضمير المهني بالأداء الوظيفي لا تأتي فقط من القرارات الخاطئة او المفاجئة وغير المدروسة إنّما يمكن تحديدها في محورين رئيسيين أولها علاقة الموظف بأصحاب المصالح والمراجعين ويتمثل في توازن الموظف وعدم تفعيل المصلحة الشخصية فقط ,الثانية علاقة الموظف بعمله المعبر عنه احترامه للقوانين والنظم النافذة واللوائح الجاري العمل بها من خلال التطبيق السليم وعدم استغلال الموقع الوظيفي واحترامه لوقت العمل وزملائه في المهنة .
مرونة السلوك الوظيفي وأخلاقياته ضرورة ليس فقط في جعل الوظيفة اكثر استقامة واستجابة للتطور المهني وأداء الواجبات بطريقة فعالة بل تقديم العمل على المصلحة الشخصية وهذا هو جوهر الصدام بين الفرد ومبررات تعاطيه مع المماحكات والمكايدات والرشوة والتدليس والغش حيث المواجهة الحقيقية للفساد لا تكون بين القواعد والنظم والإجراءات وإن ظهرت من وقت إلى آخر تداخلاً ذلك حتى بين الجهات للمسؤوليات والاختصاصات الا أن ما يكمن في الاتجاهات والضمير هي الاستقامة والرقابة وهي الأساس الأول في مواجهة الفساد .
الفساد لا يعطل التنمية فقط لكنه يعطل الإنسان الذي هو محور التنمية وهي صورة من صور النتائج السلبية للفساد المالي والإداري لأن بعض الضمائر الوظيفية المنوط بها خدمة المجتمع تستتر تارة وتغيب تارات أو تعطي نفسها إجازة مما هو متوجب عليها تجاه الوظيفة ذاتها ليعم التسيب والانفلات .
السؤال هل يحتاج الضمير الوظيفي إلى الحوكمة وهي مجموعة من القواعد والقوانين والمعايير والإجراءات التي تجري بموجبها الإدارة الرقابة ذات الفاعلية الأعلى ويقع عليها مسؤولية تنظيم العلاقة بين الأطراف الفاعلة وأصحاب المصالح ,من خلال قواعد لحل النزاعات والمساءلة والمحاسبة وتطبيق النظم واللوائح والقرارات وجعلها اقرب ما يكون من الامتياز في الأداء والمخرجات والنتائج .
ولأن النجاح الحقيقي هو ثمرة الأمانة والإخلاص في العمل فالواجب على الموظف أن يؤدي أمانة الوظيفة على الوجه المطلوب وأن لا يتأخر في أعماله أو يتشاغل بغيرها اذا حضر مكان العمل وأن لا يتدخل في أمر لا يعينه ولا يكون ذهابه للعمل بغرض الحضور لا لأجل إنجاز الأعمال المناطة به أو يترك بعض الأعمال الملقاة على مسؤوليته كتضييع الوقت، المماطلة والتلكؤ وسوء المعاملة تاركاً مهامه أو معاملة المراجعين معلقة أو يستغل بعض الممتلكات بدون استئذان .
لكن المهم أن يأتي الاستعداد لتقديم التزامات عن أفعال الضمير الوظيفي بدلا عن الأقوال بتعزيز الثقة بين الجهاز الحكومي وأفراد المجتمع والمساءلة تبني الثقة ولعل أهم نتيجة في الإدارة هي الثقة والتواصل الفعال لأنه لا يمكن أن تنجح الجهة الحكومية أو الخاصة بدون عمل جماعي وتنسيق متكامل حتى لا يعكس المقولة هل الموظف للوظيفة أم الوظيفة للموظف بعد أن عم التأهيل والتدريب للمهارات الإدارية.
والتنمية الإدارية لا تزدهر إلا بالمواهب والمهارات ذات الرؤية الإبداعية والابتكارية في كل ما ينتجه الضمير الوظيفي وتتماهى مع ارتفاع أدائه لكنها تحتاج إلى قواعد منها على سبيل المثال:
– وضع أسس ومعايير مهنية وأخلاقية للوظيفة
– التدريب بشكل دوري على المهام والمسؤوليات التي تقع على شاغل الوظيفة
– التوعية بأبعاد المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية وأثرهما على تحسن الأداء
– وضع برامج فعالة للحد من الفساد الإداري والمالي لأن ذلك من شأنه أن يحفز على الالتزام بأخلاقيات الوظيفة
كما يأتي العلاج في تطبيق الأنظمة واللوائح ومبدأ العقاب والثواب ولكن كل هذا لن يحقق كل مقاصده إذا لم يختلط بترياق الضمير ويعترف كل واحد بما عليه بقدر ما يعرف بما هو له وفي هذا السياق يمكن أن تلعب أخلاقيات الوظيفة دوراً فعالا في إدارة البعد الإنساني في مواجهة الفساد حيث الأخلاقيات لا تحارب فقط الفساد بل تنمى الإحساس العميق بالقيم العالية .
* باحث في وزارة المالية

قد يعجبك ايضا