مكافحة الفساد ..الواقع والطموح

 

عبدالفتاح علي البنوس

مكافحة الفساد علامة من علامات الإيمان ، وخطوة عملية مثمرة على طريق بناء الأوطان ، والارتقاء بها نحو آفاق من التطور والنماء في مختلف نواحي الحياة ، وفي ظل عشعشة خفافيش الفساد داخل مؤسسات الدولة وتسللها داخل مفاصلها الحيوية ومؤسساتها الإيرادية ، فلا نهضة ترتجى ، ولا تطور ينشد ، ولا تقدم يرتقب ، ولا بناء يتحقق ، ولا تنمية تحصل ، فالفساد ينخر في جسد الدولة ، وهوامير الفساد يعبثون بإيراداتها ويهدرون ثرواتها ويحولون خيراتها ( غنيمة وفيدا) لهم يستأثرون بها ويستغلونها لحساباتهم الشخصية..
والفساد في ظل العدوان جريمة مضاعفة ، وعدوان في حد ذاته ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تبريره ، أو التهاون في حق من يمارسه على الإطلاق ، وينبغي أن تكون مكافحة الفساد في صدارة أولويات واهتمامات المجلس السياسي الأعلى والبرلمان وحكومة الإنقاذ ، وبذات الروحية والجدية التي نواجه بها العدوان الغاشم ، لا أحد فوق القانون ، ولا حصانات للفاسدين والعابثين بالمال العام ، من السابقين كانوا أو اللاحقين ، لا وساطات ولا اعتبارات قبلية ولا سياسية ولا مناطقية ولا شللية ، لا للفساد والفاسدين ، ولا تهاون في حقهم ولا امتيازات أو استثناءات..
الفاسد هو عدو الله والوطن والشعب ، ولا يقل خطرا عن الغازي المحتل والمرتزق العميل الذي يتربص بالوطن والشعب الدوائر ، فمن ينهب المال العام في ظل هذه الظروف الصعبة والمعقدة يشارك قوى العدوان في عدوانهم وحصارهم على وطننا وشعبنا ، فهو يسهم في زيادة معاناة أبناء الشعب ، ويحول دون خلق حالة من الاستقرار والتي من شأنها أن تسهم في التخفيف من معاناتهم ، وهنا يجب أن يلمس المواطن اليمني أثر مكافحة الفساد على أرض الواقع ، نريد أن نشاهد محاكمات لهوامير الفساد الذين ثبت تورطهم في قضايا فساد بموجب أدلة وبراهين ووثائق دامغة ، ليكونوا عبرة لمن تسول له نفسه الأمَّارة بالسوء ، العبث بالمال العام والانغماس في مستنقع الفساد .
الرئيس مهدي المشاط ترأس يوم أمس الأول لقاء ضم هيئة مكافحة الفساد والأجهزة الرقابية المعنية بالحد من الفساد والعبث بالمال العام ، وفي اللقاء تحدث الرئيس المشاط بصراحة حول مكافحة الفساد والتي أكد بأنها مسؤولية جماعية ولا تخص جهة معينة ، ولوَّح بخيار دمج الأجهزة الرقابية المعنية بمكافحة الفساد للحد من تداخل الصلاحيات والاختصاصات والخروج من معمعة الاتكالية والمماطلة والتسويف وتبادل الاتهامات فيما بينها ، وهي خطوة إيجابية من شأنها حصر مهمة مكافحة الفساد في جهاز حكومي رقابي واحد بصلاحيات واسعة يرتبط بالرئيس مباشرة ولا سلطة عليه تحول دون قيامه بمهامه الوطنية في مكافحة الفساد ومحاربة المفسدين ، بحيث يكون هذا الجهاز أو هذه الجهة المسؤولة في المقام الأول عن مكافحة الفساد ، وهي وحدها من تتحمل أي تهاون أو تقصير في هذا الجانب..
بالمختصر المفيد: نزاهة القيادة ووطنيتها المشهودة تحتم على الجميع التفاعل معها في مكافحة الفساد ، والقيادة مطالبة بإزالة كافة العقبات والعراقيل المختلفة التي تحول دون ذلك ، وكما قال الرئيس المشاط ( لا مشكلة في اعتماد دمج المؤسسات وحتى تغيير بعض القوانين التي تقف عائقا في وجه مكافحة الفساد ) فالقوانين ليست مقدسة ، ولا حصانة للفاسدين مهما كانت مراكزهم القيادية والوظيفية ، فالفاسد في أوساطنا حكمه حكم المرتزق الخائن العميل ، ومن يقبل به أو يدافع عنه ويشرعن لفساده يعد شريكا له في فساده ، وهنا لا انتقاء أو استهداف في محاربة الفساد ، يجب أن تتحول محاربة الفساد إلى ثقافة وسلوك عام يلتزم به ويخضع له الجميع دون استثناء من القمة إلى القاعدة ، من أعلى الهرم إلى أدناه ، بحيث لا يكون ( الفويسد ) الموظف الصغير الذي لا ظهر له ولا سند هو من يخضع للمحاسبة بتهمة الفساد ، في حين يفلت منها ( هوامير الفساد ) أصحاب ( الوزن الثقيل ) من ذوي الحصانات التي تحول دون محاسبتهم ومعاقبتهم بتهمة التورط في قضايا فساد .
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله .

قد يعجبك ايضا