(سلام المهزومين)
أ. معاذ أبو شمّالة*
في عام 1948م كانت الهزيمة الأولى للجيوش العربية أمام الصهاينة، ونتج عنها ضياع ثلثي فلسطين تقريباً وقيام دولة للصهاينة عليها، ثم جاء عام 1967م وكانت الهزيمة الثانية النكراء للجيوش العربية فيما عرف بـ “النكسة”؛ حيث ضاعت كل فلسطين وبعض أجزاء من الوطن العربي وأعلن عن انتصار المشروع الصهيوني على الأنظمة العربية، ثم توالت الهزائم وكانت أشدها الهزيمة النفسية؛ فبدأت تنطلق صيحات من هؤلاء المهزومين تقول إن فلسطين ضاعت ولا يمكن استرجاعها وأن علينا إنقاذ ما يمكن إنقاذه وأن هذا الكيان قوة لا تغلب وأن علينا القبول به والتعايش معه كي تستقر حياتنا ونتحصل على منافع ذاتية.
ثم تطورت هذه الدعوات إلى حقائق على الأرض عندما ساد منطق اليهود “السلام مقابل السلام” فتوالت اتفاقيات السلام مع المحتل الغاصب كما يفضل الصهاينة كل قُطر بمعزل عن الآخر، فابتدأت بذلك مصر ثم تتابع انفراط عقد العرب فلحقتها وللأسف منظمة التحرير أو قل “السلطة الفلسطينية” ثم الأردن، وها هي تخرج علينا دولة الإمارات بصورة جديدة لهذا المسلسل البائس المهزوم لينتشي الصهاينة بانتصارهم وهذا ما شوهد به نتنياهو وهو يعلن عن هذا الاتفاق الأخير وقد علاه الفرح والسرور.
أما المقاومة المتجذرة في روح الأمة وفي روح الشعب الفلسطيني وقواه الحية التي انطلقت بإمكانياتها المحدودة مع بداية القرن الماضي لمقارعة المحتل البريطاني وربيبته الصهيونية فارتفعت راياتها من عز الدين القسام إلى عبدالقادر الحسيني جيلاً بعد جيل، وبالرغم من خذلان الدول العربية لها أو التضييق عليها.
لكن هذا الزرع المبارك استوى على سوقه وبالرغم من كل العواصف، استطاع أن يحقق أول انتصار على العدو الصهيوني بل ويجبره على الانسحاب من قطاع غزة قبل خمسة عشر عاماً في (9/2005م) وإنزال علمه بيده من فوق مقر حكمه العسكري حتى أصبحت غزة اليوم حاضنة للمقاومة، حيث انطلقت من غزة الصواريخ لتدك بها تل أبيب وكل حصون الصهاينة في فلسطين وهي قادرة على لجم المحتل بما تملكه من أدوات، وهي تعلن أن العدو الصهيوني واهم بظنه أنه سيكون جزءاً من المنطقة عبر التطبيع، أو أنه سيجني استقراراً له فإنه لن يستقر ما دام يحتل أرضنا.
إن هذا التطور في حال المقاومة من عمليات مسلحة محدودة إلى قوة على الأرض تتحدى هذا الكيان؛ ليؤكد صوابية هذا التوجه وهو أن هذا العدو لا يفهم إلا لغة القوة وهي التي ستنتزع منه كل الحقوق وبالرغم من هذا الدعم الدولي الهائل له.
إن منحنى المقاومة في ازدياد تصاعدي بالرغم من كثير من العقبات والآلام ولكنها تتحرك متوكلة على الله ثم على شعبها وإبداعاتها ثم على الخيرين من هذه الأمة وسيندم كل من لم يقف معها في يوم انتصارها العظيم حيث لا مكان له في هذا الجمع المبارك.
إن المنبطحين والمطبعين وإن تغنوا بأنهم سيساهمون في جلب المنافع للشعب الفلسطيني والعيش الرغيد لهم ولشعوبهم؛ فإن ذلك وهم زائف يحاول المطبعون أن يقنعوا من حولهم بصوابية أفعالهم القبيحة، وانظروا إلى من طبع قبلهم من الأنظمة العربية وحالهم الاقتصادي المتدهور الذي لا يخفى على كل متابع.
إن هذا الكيان الصهيوني الغاصب ذو طبيعة عدوانية توسعية لا يهمه إلا مصالحه ولا يتوانى أن يدوس على كل من يقدم له خدمة كائناً من كان فالخيانة طبعه، وهو والسلام قطبان متنافران.
إن أمتنا وإن كانت مثقلة بهمومها من حروب ونزاعات داخلية أراد الغرب أن يذكيها ليحرف الأمة عن بوصلتها الحقيقية وهي المطالبة بالقدس والمقدسات والعزة والحرية والعيش الكريم، إن هذه الأمة ستظل هي الخزان الكبير والرافد العظيم للمقاومة ومشروعها.
فيا أمتنا العربية والإسلامية لا يغرنك سقوط الساقطين في وحل الهزيمة وهذا الهوان الذي وصل إليه البعض، فإن الحرية والعزة والتحرير في تمسك الأمة بحقوقها وبثوابتها ثم بدعم ورفع راية المقاومة التي ستنزع هذا المحتل من أرضنا بإذن الله سترتفع راية الخير من الأقصى للدنيا كلها تصديقاً لقول الله سبحانه وتعالى (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) ألا وهي فلسطين ففيها البركة للعالمين أي للبشر أجمعين.
** القائم بأعمال ممثل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في اليمن