الجوائز الأدبية.. بين المصداقية والحياد

 

خليل المعلمي
ليس “الفريد نوبل” الوحيد الذي أنشأ جائزته للمبدعين في العالم في مجالات شتى، فهناك الكثير ممن أنشأوا جوائز عديدة وذات مسميات مختلفة لدعم المبدعين في مجالات العلم والثقافة والفن وحتى الناشطين الحقوقيين والسياسيين نالوا نصيباً من هذه الجوائز من جميع دول العالم.
ولا شك بأن المانحين لهذه الجوائز لهم أهدافهم من خلال تخصيص مبالغ مالية وهي قيمة هذه الجوائز، وبغض النظر عن نواياهم فالجائزة تعتبر تقديراً وشكراً لكل من أبدع وتميز، وقد تخطئ هذه الجوائز في بعض الأحيان بعدم وصولها إلى من يستحقها فعلاً، ولكن الخلل الكبير أن تخطئ دائماً ونخص بذلك عالمنا العربي ووضعه الراهن وما يشهده من تخبط في هذه الجوائز في الترشيح والقبول وفي الرفض حتى من قبل الفائزين.

المعايير والمصداقية
وهناك تساؤلات حول طبيعة حضور الجوائز العربية في منظومتنا الثقافية العربية وإلى أي حد ساهمت في الدفع إلى تشكيل حراك ثقافي وسوق لتناول المعرفة والكتاب، ففي ظل هذه الضبابية هناك من الأدباء من قاموا برفض هذه الجوائز بعد أن أعلنتهم فائزين، ومنهم الروائي المصري صنع الله ابراهيم حيث رفض جائزة القاهرة للإبداع الروائي وكذلك رفض شيخ القصة المغربية “أحمد بوزفور” لجائزة المغرب للكتاب، كما سبق للروائي والكاتب الأسباني المقيم في المغرب، “خوان غويتيسولو” رفضه لجائزة القذافي العالمية للأدب.. ولهم أسبابهم الخاصة وآراؤهم حول تلك الجوائز من ناحية المعيار والمصداقية.
ومع محدودية الفائزين بالجوائز العالمية من الأدباء والمبدعين العرب، كيف يستطيع أدبنا العربي الاستفادة من زخم وزحام الجوائز لإعادة هيكلة بنيات القراءة والنشر والتوزيع والكتاب بالشكل الذي يخلق حيوية وحراكاً ثقافياً نعيد من خلاله المصالحة مع الأدب العربي.
وبالنظر إلى الجوائز العربية فهي متعددة، البعض منها منسوبة إلى شخصيات ثقافية والبعض منسوبة للملوك والأمراء وأصحاب الفخامة، ومنها ما لم يستطع التعبير عن هويته الخاصة سواء المعايير التي تعتمدها لجان التحكيم، أو المصداقية التي تبحث عنها أي جائزة أدبية. ولعل الرهان كان وسيظل أن تكون للجوائز قدرة على خلق حراك إبداعي وخلق شروط مناسبة لترجمة هذه الأعمال إلى لغات أخرى.

الجوائز العربية
ودعماً للحراك الثقافي والإبداعي في الوطن العربي هناك العديد من الجوائز العربية المتعددة والتي قد أسهمت في خلق حراك ثقافي وزخم إبداعي تنافسي، إلا أن ثمة من يشير إلى أن هذه الجوائز لا يمكنها أن تصنع أدباً ولا يمكن أن تكون معياراً نقدياً وقياساً للإبداع..

اعتراضات
تتقاطع جملة من الاعتراضات والشكاوي مع أغراض وأهداف الجائزة التي تعتمد للمبدعين ومع طريقة سير وطقوس حفل التسليم وربما يصل الأمر إلى أن تكاليف الاحتفال بما يصاحبها من استدعاء لجان التحكيم والتكاليف الباهظة وحشد جموع الصحفيين والإعلاميين قد يكون أكثر من قيمة الجائزة نفسها، وتشوب بعض الجوائز القصور في الترتيب وفي الإعداد ولربما ينتهي التحكيم بصورة اعتيادية ويخضع لاعتبارات جغرافية وربما سياسية وشخصية، ولا يعتبر هذا خافياً عن المحكمين الذين قد وثقوا ذلك في مقالاتهم وتصريحاتهم، ويعترف رئيس لجنة نوبل للآداب البروفيسور “كيال إبسمارك” بأن الجائزة ليست حيادية بالكامل. وأضاف: لا يمكننا تجنب التأثيرات السياسية، مما يدل على أن معظم الجوائز بما فيها العالمية تتأثر بالسياسة أحياناً.

اقتصاد البريستيج
ويصف لنا البروفيسور “جيمس انكليش” في كتابه “اقتصاد البرستيج” الحائز على جائزة نيويورك تايمز كأفضل كتاب أكاديمي عام 2005م يرصد ويحلل تاريخ الجوائز الثقافية الاجتماعي ويوثق التصاعد الدرامي لصناعة الجوائز ودورها المعقد.
وفي الكتاب يقارب “الكاتب” بين ظهور جائزة نوبل للآداب عام 1901م وبين أول اولمبياد رياضي حديث عام 1896كنموذج مثير لقياس وطن مقابل وطن آخر فكما يتحول البلد المضيف للاولمبياد طوال فترة الألعاب إلى بلد عالمي فإن الجوائز في حلبة الثقافة تحمل الشهرة لبلد الكاتب الحائز على الجائزة.
في انتشار الجوائز الجامح يمسك “انكليش” بمفتاح التحولات في حقل الثقافة وفي آلية عمل الجوائز “ترشيح، انتخاب، تقديم، قبول، الدعاية، الإعلان، الفضيحة” يكشف الدليل القاطع على الترتيبات والاصطفافات والعلاقات الجديدة التي أعادت تموقعها في ذاك الحقل ويفسر تصاعد الجوائز الثقافية كجزء من “صراع من أجل السلطة لإنتاج القيمة” أي أن تمنح السلطة قوة لما لا تمتلكه جوهرياً.

الأفضلية.. والقياس
وتحتدم النقاشات حول أفضلية من يحصلون على الجوائز بالقياس إلى غيرهم ممن يتقدمون لنيل تلك الجوائز وحول المعايير التي تأخذ بها لجان التحكيم لتفضيل “عمل على عمل” و”كاتب على كاتب” و”فنان على فنان” ومع ذلك فإن لجان التحكيم نفسها تختلف وتتصارع حتى في وجود معايير نسبية تضعها لنفسها أو تسترشد بما وضعه غيرها من أعضاء لجان سابقة، أو مجالس أمناء، أو ما كان منصوصاً عليه في شروط الجائزة وهكذا تخضع النتائج في العادة لذائقة لجان التحكيم وتفضيلات أعضائها وقناعاتهم الشخصية بصورة من الصور، ليس هناك كما يرى العديد من النقاد والكتاب معايير صارمة يمكن أن تأخذ بها لجان التحكيم لتفويز شخص أو عمل دون آخر فالذائقة العامة للجان هي التي تتحكم بمعايير الفوز من عدمها والتوافقات والحسابات بين أعضاء اللجان هي التي تصنع النتائج في النهاية.
وهذا يعني أن من يحصلون على الجائزة ليسوا الأفضل على الدوام وهناك ظلم يقع في حق بعض المواهب الكبيرة التي تتخطاها الجوائز لأسباب تتصل ببعض الحسابات والرغبة في وصول الجائزة إلى قطاعات لم تصل إليها من قبل، وهذا الانحياز ليس عربياً خالصاً بل هو عالمي الانتشار والمدى، يصدق على الجوائز العربية الصغيرة والكبيرة، كما يصدق على الجوائز العالمية الشهيرة.

أخطاء
كغيرها من الجوائز لاقت جائزة “الغونكور” وهي الجائزة الفرنسية الأشهر العديد من الانتقادات حتى من قبل بعض المحكمين فيها، فقد فضّلت في العام 1932م روائيا عاديا جداً يدعى “غي مازولين” وروايته “الذئاب” على الروائي الكبير “لوي فردينان سيلين” وروايته الرائعة “رحلة إلى أقصى الليل” التي ما زالت تجذب النقاد والقراء وتثير المزيد من السجال والنقاش. وفي العام 1981م ارتكبت لجنة الجائزة خطأ فضائحياً آخر تمثل في تفضيلات اللجنة روائياً عادياً هو “لوسيان بودار” على الروائي الكبير “آلان روب غرييه” الذي كان أصدر في العام نفسه روايته الطريفة “دجين”.
وفي العام 2003م وتحديداً في الذكرى المائة لتأسيس جائزة “غونكور” أصدر الروائي والمؤرخ الفرنسي أوليفيه بورا كتاباً توثيقياً وريدياً عن هذه الجائزة سماه “عصر غونكور” وسعى فيه إلى رصد مسار هذه الجائزة تاريخياً وأدبياً متوقفاً عند الوقائع التي شهدتها الجائزة والسجالات التي أثارتها خلال الحقب والعقود المتوالية وقد جعل من مسار الجائزة مرآة استعاد عبرها أحداث القرن من وجهة فرنسية وكذلك ملامح الذائقة الروائية العامة التي عرفها الفرنسيون ولم يكتف بمهمة التأريخ والتوثيق بل عمل على قراءة الروايات المئة الفائزة ساعياً إلى إنقاذ الكثير منها من هاوية النسيان.

لا شبه ولا تشابه
لكن علينا أن نعترف أن حال الجوائز العربية لا يشبه في الكثير من جوانبه حال الجوائز الراسخة في الغرب وذلك لأسباب تتصل بعراقة الجوائز في الغرب وترسخ عالم الرأسمال وضعف العامل الفردي بالقياس إلى توجهات المؤسسة.
فنجد بأن الجوائز العربية هي واجهات قطرية في معظم الأحيان أو وسائط لترويج سياسات ثقافية أو غير ثقافية لكنها تأخذ في الحسبان العوامل القطرية والجهوية والجنسوية، وليس هناك جوائز بريئة من التحيز، فإذا منحت الجائزة لشخص من دولة عربية ما، فإنها تمنح في العام الذي يليه لشخص من دولة عربية أخرى، وإذا منحت لرجل في عام من الأعوام، فإنها لابد أن تمنح في العام الآخر لامرأة وهكذا..
فهذا هو حال الجوائز في العالم العربي لكن ذلك لا يعني رجمها بالحجارة أو تجاهلها فهي ضرورية رغم أنها غير عادلة منحازة لمعايير غير الإبداع والامتياز والخلق كما يراها كبار النقاد والكتّاب.

قد يعجبك ايضا