التضامن والإخاء ثنائية يمانية بامتياز وستظل هذه الثنائية هي أهم ما يمتلكه الإنسان اليمني في مواجهة العدوان الشامل الذي يستهدف زرع العداء والتنافر بين أوساط اليمنيين.
في هذه الحلقة نسلط الضوء حول الجذور التاريخية للتسامح والتعايش بين أبناء الشعب اليمني وأهمية تعزيز هذا السلوك الإيماني في واقعنا المعاصر في ظل التحديات والأخطار التي يفرضها تحالف العدوان الإرهابي وضرورة التصدي لكل مشاريعه التخريبية والتضليلية التي تستهدف المساس بالثوابت الإيمانية والوطنية وهنا المحصلة:الثورة / عادل محمد
معركة فكرية
العلامة عبدالسلام الوجيه أمين عام رابطة علماء اليمن تحدث عن أصالة أبناء اليمن ووعيهم الحضاري الذي أنتج تجربة لا نظير لها في التعايش المذهبي والتسامح الديني، وتطرق أمين عام رابطة علماء اليمن إلى دور الرابطة في التصدي لمحاولات تمزيق النسيج الإيماني لمجتمع الإيمان والحكمة وأشار إلى أن الرابطة وكوادرها العلمائية قاموا بأدوار مشهودة في مجال تأصيل الإسلام المحمدي ومحاربة الأفكار التضليلية والتخريبية والقادمة من صحراء نجد.
وأضاف: تجربة الشعب اليمني عبر تاريخه الطويل في التعايش والتسامح المذهبي لا نظير لها فقد تعايشت طوائفه ومذاهبه بسلام ولم تحصل أي حرب مذهبية (الزيدي والشافعي، والمالكي، وغيرهم) يصلون في مساجد موحدة لا يوجد بينهم فرقة ولا اختلاف خطير ولا تكفير، وفي الفترة المعاصرة، ومنذ بدأ الفكر النجدي الوهابي بالأموال السعودية يغزو بلادنا حاول معتنقوه أن يثيروا هذه النعرات وأن يفرقوا بين أبناء الشعب اليمني على أسس مذهبية وأنفقوا المليارات واستعانوا بالسلطة في ذلك، لكن الشعب اليمني صد محاولاتهم وكسر شوكة مخططاتهم وخاض معركة ثقافية فكرية بوعيه وبعمقه التاريخي فكانت الثورة وكان التعايش والتوحد والالتحام والتركيز على العدو الأكبر أمريكا والصهيونية، فأخرست أبواق الفتنة، والتأم الشعب مع ثورته وكان وما زال للقوى الثورية وللمخلصين من أبناء الشعب اليمني دورهم في التصدي لمثيري الفتن بكل الوسائل، ورابطة علماء اليمن كان لها الدور الريادي في سحب البساط من تحت علماء السلطة وعلماء حزب الإصلاح أصحاب التوجه الوهابي، إذ أنشئت وضمت علماء اليمن من زيدية وشافعية وصوفية وغيرهم، وأقامت المؤتمرات ولعل أهمها مؤتمر التصدي للفتن الطائفية وعشرات الفعاليات والندوات والإصدارات من المجالات والنشرات والمشاركة مع كافة علماء الشعب من خلال المساجد وحلقات العلم والمنابر في التصدي لكل دعوى تكفيرية، وحصرت مع غيرها من المؤسسات والمنتديات العلمائية والثقافية أنشطة التكفيريين في أضيق نطاق والعمل قائم على قدم وساق في هذا المجهود والتواصل قائم، وسنعمل كل جهد ممكن في هذا السبيل.
الباحث الإسلامي محمد حسن حسن الحسني أشار إلى أن التعايش بين المذاهب الإسلامية على مر العصور كان نموذجاً جيداً يحسن الإشادة به ويبعث في القلوب مسالك الأمان وطرق الأمل واليقين بأن الأمة في خير وتابع قائلا:
الكلام عن التعايش أو العلاقات المذهبية بين المسلمين ليس ضرباً من الافتراضات والخيال، أو تصور واقع غير موجود أو موهوم ولكن ما حصل بين المسلمين من تعايش على مر العصور وعلى تعدد المشارب والأفكار كان نموذجاً جيداً يحسن الإشادة به، ويبعث في القلوب مسالك الأمان وطرق الأمل واليقين بأن الأمة في خير، يمكننا أن نقسم العلاقة بين المذهبين، الزيدي والمذهب الشافعي إلى علاقة إيجابية وهي الغالب وعلاقة سلبية وهي قليلة ولا تخلو من ملاحظات تدفع هذه السلبية إلى حد كبير.
كانت بداية هذه العلاقة بين المذهبين السني والزيدي قديمة، خصوصاً العلاقة بين الشافعية والزيدية على وجه الخصوص، فكانت النقطة الأولى المضيئة لهذه العلاقة هو تلقي الإمام الشافعي العلم على أكابر علماء آل البيت النبوي الزيدية في اليمن وصلته الوثيقة والقوية بهؤلاء الأعلام فتلقى على يد الإمام يحيى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب عليهم السلام وتزوج بيمنية واستمر الحال على ما هو عليه من تناغم وتقارب وانسجام بين المذهبين لا يقل بأي حال عن التعايش بين المذاهب في بقاع العالم الإسلامي، وأن شابه شيء من الخلاف فهو خلاف لا يمكن النأي عنه كما سبق الكلام عنه، وغالباً ما كان هذا الخلاف ناشئاً عن ميلان السياسة شرقاً وغرباً، فالخلاف والشجار لا تخلو منه بقعة من بقاع الأرض، إذ لا دولة من الدول إلا وفيها هذه العلامات والوقفات، فلا يتصور وجود دولة لأكثر من ألف عام لا يتطرق لها كيد كائد أو تخلو من وجود خائن ولا تدخل فيها الأهواء أو الأمزجة فلا تكن كالذبابة، وكن كالنحل تقف على الزهور وأعرف أين تضع قدميك فأمامك أئمة من أهل العلم والفهم والمعرفة والنسب، تعايش المذهبان بعد أن غلب على منطقة تهامة غرباً إلى حضرموت شرقاً على امتداد ساحل البحرين – العربي والأحمر – المذهب الشافعي مع بعض من سكن الجبال خصوصاً بعد الدولة الرسولية التي كانت لها علاقة مع الدولة الأيوبية في مصر بقيادة صلاح الدين الإيوبي والتي نقصها ضعف التصور الصحيح والنظر بعقلانية واستيعاب للمذهب الزيدي فحصل ما حصل من حروب في تاريخ يطول شرحه وبيانه.
شهادات ناصعة
ومع أن الحكم والسلطة كانا للزيدية المخالفة للشافعية في بعض المسائل إلا أن الشافعية ومن معهم في اليمن عاشوا في رحاب الدولة الزيدية فترات معرفية وعلمية قوية فسطر لهم التاريخ شهادات ناصعة في هذا المجال من علم وتاريخ وفكر وثقافة فكانت زبيد محط ترحال العلماء ومقصد أنظار الحكماء من جميع الأقطار، واحتضنت المراوعة الأولياء والصالحين وآل البيت، وكذلك جبلة وتعز وعدن ورداع وذمار وغيرها من الدور العلمية باليمن، وكانت معظم هذه الدور والمراكز العلمية نشأت وترعرعت وتربت وازدهرت في عهد دول متعاقبة إلا أن حظ الدولة الزيدية كان الأكثر زمناً من بين هذه الدول، إلا أنها لم تحجر عليهم أو تمنعهم من ممارسة مايرونه من فكر وأدب وثقافة وعلم.
شعب النصر والفتح
الدكتور أحمد الغيلي أوضح أن شعب اليمن، شعب النصر والفتح تميز منذ البواكير الأولى للحضارة الإسلامية بمناصرة الحق وأن السمة الرئيسية للمجتمع اليمني هي التعاون المثمر والتكافل الإيماني وأضاف:
التضامن والترابط الأخوي من اهم السمات التي تميز الشعب اليمني الصامد، شعب الإيمان والحكمة، شعب النصر والفتح وعلى امتداد تاريخ الوطن الحافل بالمحبة والتكافل كان التعاون المثمر والتكافل الإيماني هو السمة الرئيسية لمجتمع الإيمان الصادق، وتميز شعبنا كذلك منذ البواكير الأولى للحضارة الإسلامية بمناصرة الحق، الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبّه على قضية في غاية الخطورة والأهمية وهي ملموسة مشاهدة أن هناك من سيسعى لأن يطغى ويقدح في أهل اليمن ويقلل من شأنهم، فقال صلى الله عليه وآله وسلم في حق أهل اليمن « يريد أقوام أن يضعونهم ويأبى الله إلا أن يرفعهم» ويقول صلى الله عليه وآله وسلم « عليكم باليمن إذا هاجت الفتن، فإن قومه رحماء، وإن أرضه مباركة وللعبادة فيه أجر عظيم.
وورد في البخاري في كتاب الفتن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال مرتين « اللهم بارك لنا في يمننا، اللهم بارك لنا في شامنا» وقالوا « وفي نجدنا؟ قال:» هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان».
وفي البخاري ومسلم أيضاً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال « رأس الكفر نحو الشرق» وفي رواية « الإيمان يمان والفتنة من ها هنا حيث يطلع قرن الشيطان».
إذاً يتضح لنا أن اليمن حظي باهتمام كبير من قبل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأشاد بمواقف اليمنيين وشهد له بالإيمان بل وشهد له بخصوصية فيما يتعلق بالجانب الإيماني لأنه صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال « الإيمان يمان والحكمة يمانية» الإيمان يمان يعطي خصوصية لأهل اليمن في إيمانهم على نحو راق على مستوى عظيم، أن ارتباطهم الإيماني متميز وأنهم في طليعة الأمة في إيمانها بكل ما يمثله إيمانها من مبادئ وقيم وأخلاق وروحية وأنهم على نحو متميز في واقع الأمة وبين أوساط الأمة في انتمائهم الإيماني.
وهذا البلد المسلم، هذا الشعب الذي ينتمي للإيمان هذا الشعب الذي في واقعه السلوكي وواقعه في محيطه وبين أوساط الأمة شعب يتسم بمكارم الأخلاق ومحامد الصفات والخلال، هذا الشعب اليمني هو يمن الإيمان والحكمة، يمن الأنصار، الأوس والخزرج الذين آووا ونصروا وحملوا راية الإسلام عالية وكانوا سباقين إلى الإيمان والنصرة الذين تبوؤوا الدار والإيمان، يمن الفاتحين الذين حملوا راية الإسلام ولواء الفتوح في صدر الإسلام وقوضوا الإمبراطوريات الظالمة.