طه أحمد العجري
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون * وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُون﴾[المائدة:55، 56] صدق الله العظيم.
إن معرفتنا واستيعابنا لمفهوم الولاية وإدراكنا لأبعادها السياسية والاجتماعية يجعل من يوم الولاية محطة هامة لاستشعار مسؤوليتنا الدينية والإيمانية تجاه قضايا أمتنا الإسلامية المصيريِّة والأساسيِّة.
فيوم الولاية يوم للعزة والكرامة والاستقلال والحرية وفيه نعلن للعالم أجمع مناصرتنا لقضايانا الإسلامية وعلى رأسها فلسطين ونرفع فيه براءتنا من أئمة الكفر أمريكا وإسرائيل ومن يدور في فلكهم من منافقي العرب.
الآية القرآنية المباركة وما سبقها من آيات في سورة المائدة توحي بأن هذه الأمة ستدخل في صراع ومواجهة شديدة مع أعداءٍ يكنون لها الحقد الشديد ويعملون على تحطيم مقدراتها وإضلالها ومن ثم الهيمنة عليها والتحكم في شؤونها وطمس هويتها، وأن الانتصار في هذه المواجهة والغلبة على العدو مرهون بثلاثة أمور، هي:
ولاية الله: أن تتولى الله فتعبده وتسلِّم أمرك له فيتولاك الله ويخرج من الظلمات إلى النور ويمدك من فيض عطائه الواسع الذي لا ينفد.
ولاية رسوله: أن تؤمن بمحمد خاتم الأنبياء والمرسلين وتعظمه وتوقره وتتأسى به وتقتدي به عندها ستجد رسول الله أعظم مدرسة بشرية تنهل منها كل ما تحتاج إليه في حياتك وترتقي بك في شتى شؤون الحياة إلى درجات الكمال.
ولاية الذين آمنوا: أن ترفع تلك اليد التي رفعها رسول الله بما تعنيه من معنى الطاعة والتسليم والمناصرة، وبالتالي ستجد تلك القيادة الربانية تسير بك في طريق النصر والعزة والتمكن وتقودك بتوجيهات الله الرحيمة لتنقذك من مكائد أعدائك.
عند تحقق الشروط الثلاث ستنتصر الأمة وتحافظ على استقلالها وكرامتها.
والتفريط فيها يترتب عليه تبعات تفقدها حقيقة انتمائها لدينها، خاصة والأمة الإسلامية في وضعية يحاول الأعداء أن يمتلكوا قرارها وأن يتحكموا في مصيرها وسياساتها وفق إملاءاتهم، ليس هذا فحسب بل يهدفون ويسعون إلى احتلال أفكار أبناء الأمة وثقافتها فيفرضون عليها من يشاؤون ويسمونه شرعية ومن اختاره الشعب بعيداً عن رضى الأعداء وإملاءاته يسمونه انقلاباً وبالتالي يقيمون واقع الأمة ومصيرها وفق نظرتهم الخاصة الاستكبارية الاستعلائية.
وقد حذر السيد الشهيد القائد من ذلك في خطابه في حديث الولاية حين قال: «والأمة الإسلامية والعرب بالذات مقبلون على فرض ولاية أمر من نوع آخر ولاية أمر يهودية ولاية أمر صهيونية».
والتواني والتهاون في التحرك الجاد والمسؤول والعمل بفاعلية مؤثرة له عواقب وخيمة جداً في المستقبل، فالعدوا يسعى إلى فرض ولايته المطلقة علينا والحرب والعدوان على اليمن شاهدٌ على ذلك، وقد نبّه السيد القائد حفظه الله الشعب اليمني مما يسعى إليه العدو والهدف من عدوانه ووضع الحل والمخرج، إذ يقول: «ونحن في هذا العصر وفي هذه المرحلة ولمواجهة الولاية الأمريكية التي تريد أن تفرضها أمريكا على العالم، أمريكا تسعى أن يكون لها على كل شعوب العالم ولاية مطلَقة، ولاية لها ولإسرائيل» ثم يؤكد حفظه الله بقوله: «ليس هناك أي ثقافة في مستوى المواجهة لهذه الثقافة ولهذه الهيمنة الأمريكية والغربية إلَّا أن تحتمي الأمة بمظلة الولاية الإلهية بمفاهيمها الصحيحة، هذا ما يمكن أن يحمي الأمة وإلَّا فالبديل هو الولاية الأمريكية، وأن تتحكم أمريكا وإسرائيل في شؤون الأمة وأن يكون ما هو سائد في واقع الناس، ما يفرض على الناس، ما يعمله الناس، ما يتوجه فيه الناس، ما يلزمون به، ما يلزمون بالتقبل له، هو ما تريده أمريكا لا ما يأمر به الله، هو ما تقرره الإدارة الأمريكية وتسعى له إسرائيل لا ما يأمر به الله في كتابه» انتهى كلام السيد.
ومن المعلوم والمعروف والمشاهد في كثير من بلدان العالم التي رزحت تحت الهيمنة الأمريكية كيف تحولت إلى سجون كبيرة لأبنائها، محارق جماعية لشبابها نتيجة الفتن والصراعات الداخلية التي تشعلها أمريكا.
الهيمنة والنفوذ الأمريكي وسياستها وتدخلها في بلدان العالم أسفر عن ضحايا بالملايين ففي فيتنام أكثر من أربعة ملايين قتيل وفي أفغانستان مئات الآلاف من القتلى وفي العراق تجاوز ضحايا التدخل والهيمنة الأمريكية المليون قتيل مع ما حدث من إذلال رهيب للكرامة البشرية في سجونها ثم من عملائها داعش والقاعدة بحق أبناء الشعب العراقي المسلم وتدمير كنوزه الفنية وسرقت تاريخة واغتيال علمائه وشاهدناه أيضاً ما يريده الأمريكيون بالأمة عبر تدميرهم سوريا وليبيا ومحاولة تفكيك المنطقة الإسلامية وتمزيقها.
أن تهيمن أمريكاعلى بلد فذلك يعني سلسلة من الكوارث والمصائب ويرادف سياستها قتل الطفل الصغير مع أمه وكبار السن والموت جوعاً وانتشار الأمراض الفتاكة وتفريغ الإنسان من هويته ومسخه من إنسانيته وتحويله إلى سلعة رخيصة يتحرك وفق إرادتها فإذا هي استغنت عنه لفظته.
أمريكا تلك الكلمة التي تعني الذل في الدنيا والخزي والعذاب الأبدي في الآخرة وهي المفلسة أخلاقياً وقيمياً تدعو أحزابها وعبيدها ليكونوا من أصحاب السعير.
وما تمثله أمريكا من خطر كبير وشرٍ قائم يهدد وجود الأمة وهويتها وكرامتها يستوجب من كل مسلم أن يتحمل مسؤوليته، فيجعل من يوم الولاية يوماً لتحمل المسؤولية في مواجهتها وأن يحرص بشكل كبير على تعميم حالة الوعي لمفهوم الولاية وفق الرؤية القرآنية وإدراك مدى أهميتها وما يترتب عليها باعتبارها صمام أمان يقي بلدنا من السقوط في وحل المؤامرات الأمريكية الغربية.
ونتزود من هذا اليوم الثبات على الحق والمسارعة في ميادين العمل وتحمل المسؤولية الدينية والأخلاقية وما يمليه الضمير في مواجهة أعتى وأظلم وأفجر عدوان على بلدنا اليمن الحبيب.
وأن نستوحي من أمير المؤمنين عليه السلام المواقف العظيمة في سبيل نصرة الإسلام في بدر وأحد والخندق وخيبر وصفين وأن نستلهم من تعاليمه الخالدة التي انسابت من فمه الطاهر كالدر وهو يقول: «إِنِّي وَاللَّـهِ لَوْ لَقِيتُهُمْ وَاحِداً وَهُمْ طِلَاعُ الْأَرْضِ كُلِّهَا مَا بَالَيْتُ وَلَا اسْتَوْحَشْتُ وَإِنِّي مِنْ ضَلَالِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ وَالْهُدَى الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ لَعَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ نَفْسِي وَيَقِينٍ مِنْ رَبِّي وَإِنِّي إِلَى لِقَاءِ اللَّـهِ لَمُشْتَاقٌ وَحُسْنِ ثَوَابِهِ لَمُنْتَظِرٌ رَاجٍ».
ووصيته لولده محمد بعد أن أعطاه الراية «تَزُولُ الْجِبَالُ وَلَا تَزُلْ عَضَّ عَلَى نَاجِذِكَ أَعِرِ اللَّـهَ جُمْجُمَتَكَ تِدْ فِي الْأَرْضِ قَدَمَكَ ارْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصَى الْقَوْمِ وَغُضَّ بَصَرَكَ وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللَّـهِ سُبْحَانَهُ».
إن صدى كلمات الإمام علي عليه السلام وهو يحذر من التفريط والتخاذل وعواقبه على الإنسان يجب أن تهز مشاعرنا وتحيي فينا روح الصمود والاستبسال «وَاللَّـهِ إِنَّ امْرَأً يُمَكِّنُ عَدُوَّهُ مِنْ نَفْسِهِ يَعْرُقُ لَحْمَهُ وَيَهْشِمُ عَظْمَهُ وَيَفْرِي جِلْدَهُ لَعَظِيمٌ عَجْزُهُ ضَعِيفٌ مَا ضُمَّتْ عَلَيْهِ جَوَانِحُ صَدْرِهِ أَنْتَ فَكُنْ ذَاكَ إِنْ شِئْتَ فَأَمَّا أَنَا فَوَاللَّـهِ دُونَ أَنْ أُعْطِيَ ذَلِكَ ضَرْبٌ بِالْمَشْرَفِيَّةِ تَطِيرُ مِنْهُ فَرَاشُ الْهَامِ وَتَطِيحُ السَّوَاعِدُ وَالْأَقْدَامُ وَيَفْعَلُ اللَّـهُ بَعْدَ ذَلِكَ ما يَشاءُ».
فالشعب اليمني الذي يتعرض لمؤامرة كونية وتكالب لقوى الشر والفساد سيبقى صامداً عزيزاً شامخاً يحصد الانتصارات على أعدائه ما دام محصناً بالولاية الإلهية.
وصدق الله العظيم القائل: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾.