مستشار المجلس السياسي الأعلى العلامة محمد مفتاح لـ »الثورة «: تجاوزنا مرحلة الثبات والتماسك وانتقلنا إلى مرحلة إلحاق الهزائم الكبرى بالعدوان
مبادرة السيد القائد عبدالملك الحوثي للإفراج عن معتقلي حماس في السعودية تأتي في سياق العون ولحماية المقاومة الفلسطينية من الابتزاز
وقوع المشاعر المقدسة ضمن الجغرافيا السياسية للنظام السعودي لا يعطيه الحق في التحكم بمقدسات الأمة
سبق وأن طالبت مصر والعراق وإيران وليبيا وقطر بإشراف مشترك على الحرمين الشريفين
الثورة / جمال الظاهري
مؤخراً تصاعدت وتيرة الصراع الدولي والإقليمي على النفوذ والهيمنة على منطقتنا العربية، ومؤشرات ذلك كثيرة وخطيرة تشهدها المنطقة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وليبيا.
العدوان على اليمن مستمر وقارب عامه السادس على الانتصاف فيما لا يزال الملف اليمني بعيدا عن أي اهتمام جدي من قبل المجتمع الدولي ومؤشرات الأحداث الأخيرة تقلِّص من فرص التسوية وإنهاء معاناة الشعب.
في الشأن العقائدي بدت مكةُ والمشاعر المقدسة حزينة حالها المتكدر يحاكي حال الملايين من المسلمين الذين حرموا من أداء فريضة الحج بسب قرار السلطات السعودية بوقف الحج لهذا العام.
“الثورة” ومن خلال هذا اللقاء المميز طرحت على مستشار المجلس السياسي الأعلى العلامة محمد مفتاح عددا من الأسئلة المتعلقة بالقضايا والمستجدات في الشأن العام للأمة الإسلامية ومواقف اليمن منها وكذلك بعض القضايا والتطورات في الشأن اليمني، وإليكم الحصيلة التي خرجنا بها:
بداية ومن أهم وأبرز الأحداث.. الانفجار الضخم في مرفأ بيروت.. في أي سياق تضعونه ولماذا؟
– الانفجار الضخم والمروع الذي زلزل بيروت وخلَّف آلاف الضحايا من شهداء وجرحى ودمار هائل وإتلاف كامل لعشرات المنشآت في مقدمتها مرفأ بيروت ومخازن الحبوب المركزية، أتى بعد تهديد علني صهيوني بتدمير المنشآت الحيوية في لبنان والكيان الصهيوني هو المتهم الأول بالوقوف وراء التفجير للضغط على لبنان المقاوم كي يخضع للهيمنة الصهيونية والعبث الأمريكي بشعوب المنطقة ومقدراتها وقد تأتي التحقيقات بما يدين الكيان الصهيوني وأدواته.
ماذا عن توقعاتكم لتداعياته؟
– بالتأكيد عمل وسيعمل أدوات الهيمنة الصهيونية الأمريكية على اتهام المقاومة بالحادث وتحميلها مسؤوليته وسيسعون لإعاقة التحقيقات وافتعال ضجيج وعوائق لمنع التحقيق المهني الشفاف ولكن الحقيقة ستنتصر بإذن الله.
قارب العام السادس على الانتصاف والبلاد تحت العدوان والحصار.. ما الذي قد يبشِّر به العلامة والمستشار محمد مفتاح أبناء اليمن من خلال هذا اللقاء؟
– الواقع هو الذي يبشِّر أبناء اليمنِّ، فالبلد تعدت مرحلة الثبات والتماسك في وجه أشرس حرب عدوانية غاشمة وانتقلنا إلى مرحلة إلحاق هزائم كبرى بالمعتدي وتوجيه ضربات قاصمة لغطرسته، وما إخماد فتنة المرتزقة في حجور ثم تحرير دمت والعود والحشا وعدة مناطق بالضالع ثم عملية الوعد الصادق وتحرير مناطق شاسعة من كتاف ثم تحرير نهم ومحافظة الجوف وأجزاء مهمة من مارب ثم تحرير ردمان وقانية ومناطق من العبدية وماهلية إلا مؤشر على أن الانتصار الكبير وتحرير بقية اليمن صار قريبا بإذن الله.
وقد أكرم الله اليمن بأن حماها من جائحة كورونا كما أسقط شعبنا بحمد الله مؤامرة التركيع بالحصار والتجويع كما أغاثنا الله سبحانه بأمطار مباركة وغزيرة وكل ذلك خير عظيم من الله، فاليمن مبشَّر بإذن الله بانتصار تاريخي أكبر من كل التوقعات كما أن مؤشرات التغير المناخي تبشَّر بسنوات طويلة من الخصب والرخاء والازدهار بإذن الله.
كيف قرأتم القرار السعودي المتعلق بالحج وفي أي خانة تضعونه؟
– قرار النظام السعودي منع المسلمين من الحج وتحويل الحج إلى ما يشبه كرنفالاً فنياً تقدمه فرقة فنية متخصصة يعد سابقة خطيرة في تاريخ الإسلام ولا يمكن قراءة هذا القرار إلا أنه أسوأ حالة انبطاح وارتهان وتبعية من النظام السعودي المتماهي في مشروع الهيمنة الصهيوني لأن قرار منع الحجيج لبيت الله لا يخدم إلا مشروع الهيمنة الصهيونية الذي يسعى لتمييع الأمة وفك ارتباطها بدينها وتفكيك الروابط العقائدية بين أبنائها.
هل ما ساقته السعودية من مبررات كافية وتعطيها الحق في اتخاذ هذا القرار من منظور شرعي وسياسي؟
– المبررات الواهية التي ساقها النظام السعودي يدحضها الواقع، فالنظام السعودي الذي يتذرع بوباء كورونا سمح باستئناف ما أسماها مهرجانات وحفلات الترفيه التي يحشر إليها حشود هائلة من الناس وفي معظم مناطق المملكة ثم إنه كان باستطاعة النظام السعودي بالتنسيق مع مختلف الدول الإسلامية والجاليات اتخاذ تدابير وقائية واحترازية لتجنب كورونا مع السماح للراغبين بالحج بالوصول لمبتغاهم.
هل يعطي وجود البقاع المقدسة ضمن الجغرافيا السياسية للمملكة السعودية الحق في الاستفراد بالقرارات المتعلقة بشعائر الحج تنظيما وإشرافا ومؤخرا إيقافا ومنعا للحجاج من أداء الفريضة؟
– وقوع المشاعر المقدسة ضمن الجغرافيا السياسية للنظام السعودي لا يعطيه أي حق في التحكم والهيمنة على مقدسات الأمة وقد تعاقبت سلطات عديدة في تاريخ الإسلام حرص فيها المسلمون على تجنيب الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة أي هيمنة عصبوية حتى جاء ملوك بني سعود كعملاء للاستعمار البريطاني ففرضوا قبضتهم على الحرمين الشريفين بدعم وتشجيع استعماري بريطاني وأمريكي.
برأيكم لماذا صمتت الحكومات والشعوب الإسلامية؟
– الحكومات صمتت لأنها في غالبيتها حكومات خاضعة للهيمنة الأمريكية أما الشعوب فمغلوبة على أمرها للأسف مع أن هنالك أصواتاً حرة وبارزة ولكن مغيبة إعلاميا لأن الهيمنة الدعائية والإعلامية بيد الأمريكان وأذنابهم.
على وقع القرار هل تتوقعون أن يكون هناك موقف مطالب بفرض أي ترتيبات أو إجراءات معينة لإشراك جميع الدول الإسلامية في إدارة الأماكن المقدسة؟
– سبق وأن طالبت مصر أيام عبدالناصر بإشراف مشترك بين بلدان العالم الإسلامي على الحرمين الشريفين ثم تكررت المطالبة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومن نظام معمر القذافي ومن نظام صدام حسين وأخيرا من قطر ولكنها كلها كانت مجرد مواقف إعلامية لم يتبعها سعي للتنسيق وطرح تصورات تفصيلية وتقديم دراسات ومشاريع عمل تنفيذية وعقد ورش عمل ولقاءات وندوات لتحويل المطالبة إلى واقع.
قد يكون اليمن البلد الوحيد الذي أعلن موقفاً رافضاً للقرار السعودي وهذا قد يقرأه الآخرون على أنه كيد سياسي متأثرين بواقع العدوان الذي تشنه المملكة على اليمن وعليه قد يقول قائل لماذا تتعبون أنفسكم وأنتم تدركون أن لا أثر لكل ما تقومون به؟
* موقفنا في اليمن ليس منفردا ولكنه كان الأبرز والصوت الأكثر ارتفاعا ووضوحا ،مع أن هناك مواقف كثيرة عبَّرت عنها الاتجاهات الإسلامية المتعددة في مختلف بلدان العالم عبر بيانات وتصريحات وتناولات في وسائل الإعلام المختلفة بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي، لكن كثافة التعتيم الإعلامي حجبت كل هذا الجهد ولم يبق بارزا منه سوى الموقف اليمني لأنه ارتبط بفعاليات شعبية متواصلة خاصة وقد توافق قرار منع المسلمين من الحج مع الذكرى المئوية الأولى لمذبحة حجاج اليمن على يد جنود الملك عبدالعزيز بن سعود بمنطقة تنومة وبالتأكد كان لموقفنا أثر كبير في توعية مجتمعنا وتوعية شعوب أمتنا بضرورة تحرير مقدسات الأمة من هيمنة الأمريكان والصهاينة عبر أداتهم القذرة النظام السعودي.
لماذا لم نسمع أو نشاهد أي موقف أو إجراء للهيئات والمنظمات الإسلامية تجاه هذا الأمر؟
– بسبب الاختراق لكافة الهيئات والمؤسسات والفعاليات الإسلامية وبسبب التعتيم على أي موقف خرج من هذا الصمت.
بعد كل هذا الخذلان والصمت: هل ما يزال لديكم أمل بموقف وتحرك جدي من قبل الحكومات الإسلامية لرفع يد السعودية عن المقدسات؟
– الشعوب تحتاج إلى توعية بضرورة السعي للتحرر من الهيمنة الأمريكية الصهيونية وهذا ما نقوم به في اليمن ويقوم به محور المقاومة في المنطقة ولدينا أمل كبير بقدرة الشعوب على تغيير الواقع المزري وانتزاع حقها في التحرر من الهيمنة الأمريكية الصهيونية وبناء مستقبلها الآمن.. ولا خيار لها غير ذلك وإلا ستظل غارقة في دوامة من الفوضى والاضطرابات والتخلف.
في ظل العدوان والحصار أطلق قائد الثورة السيد القائد عبد الملك الحوثي مبادرة جريئة عرض فيها مبادلة أسرى سعوديين بفلسطينيين في السجون السعودية.. لماذا وفي أي سياق تضعونها؟
– جاءت مبادرة السيد القائد عبدالملك الحوثي لمبادلة الطيارين السعوديين الأسيرين لدينا ومعهما عدد من الضباط الأسرى مقابل المحتجزين من قيادات وناشطين من المقاومة الفلسطينية لدى النظام السعودي في سياق تقديم العون للشعب الفلسطيني المظلوم ولحماية المقاومة الفلسطينية من ابتزاز النظام السعودي الذي يسعى بكل جهده لينتزع منهم تنازلات قاسية ومهينة لصالح الكيان الصهيوني، وما دام لدينا أوراق مقايضة يمكن أن تجنبهم هذا الابتزاز الرخيص وتفك أسر عشرات القيادات الفلسطينية وتفرج كربتهم وتحميهم من أسوأ أنواع التعذيب والتنكيل والضغوط النفسية في أقبية سجون النظام السعودي فهذه المبادرة الكريمة جاءت في سياق تحمل المسؤولية أمام قضايا أمتنا المصيرية وفي مقدمتها القضية الأولى والمركزية قضية الشعب الفلسطيني المظلوم.
نعود إلى الشأن المحلي وبصفتكم مستشارا للمجلس السياسي الأعلى.. هل تتابعون ما يجري في المحافظات الجنوبية والشرقية من أحداث وكيف تقرؤونها؟
– بالتأكيد ما يجري في كل ربوع بلدنا محل متابعة واهتمام من كل المستويات القيادية والشعبية وفي مقدمتها السيد القائد والمجلس السياسي الأعلى، وما يقوم به أحرار شعبنا في مختلف المحافظات المحتلة من مقاومة شجاعة لغطرسة المحتل ومرتزقته ومواجهة جرائمه وخاصة في المهرة وسقطرى يدل على أصالة هؤلاء الأحرار وصدق انتمائهم لإرثهم التاريخي المجيد، وهم يستحقون الدعم والمساندة والتشجيع ونزف إليهم كل تحايا التقدير والاحترام.
ماذا عن موقف حكومة الإنقاذ من اتفاق الرياض الأخير بين ما يسميان نفسيهما بـ”الشرعية والانتقالي”؟
– هذا شأن يخص المرتزقة وأسيادهم.
ما جديد المفاوضات والمبادرات المطروحة حاليا، وما هي نقاط الاختلاف بينها؟
– ليس لدي أي معلومات مؤكدة عن هذا الشأن.
هل نفهم من التصريح الأخير لرئيس الوفد اليمني المفاوض أن فريق صنعاء قد وصل إلى نهاية الطريق مع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة؟
– مبعوث الأمم المتحدة كشف عن حقيقة دوره المشبوه وصار جزءاً من أبواق العدوان ومندوبا له لأنه باختصار جزء من منظومة تم شراؤها بالمال المدنس، وتصريح الأخ محمد عبدالسلام جاء في سياق توضيح هذه الحقيقة.
من الواضح أن العمل السياسي لم يحقق أي اختراق “محلك سر” في ما يخص العلاقات الدولية الثنائية والموقف الدولي برمته باستثناء علاقتنا مع إيران.. ألا يعتبر هذا فشلا في أحد أهم الملفات الرئيسية والهامة التي يعول عليها في ترجمة التضحيات والصبر إلى واقع عملي وملموس؟
– أولا: لدى اليمن سفيران في سوريا وإيران وعلاقات مميزة مع سلطنة عمان وتواصل ممتاز مع عدة دول بما فيها الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي ونحن نعرف أن المنظومة السياسية الدولية تحكمها المصالح والصفقات والضغوط والمال السياسي، كما نعلم أن تحالف العدوان قد أنفق مئات المليارات من الدولارات وعقد عشرات الصفقات المشبوهة واشترى معظم الهيئات الدولية لمحاصرة الموقف السياسي اليمني ومكَّن أذنابه من كل سفارات الجمهورية اليمنية وبعثاتها الدبلوماسية وصارت مرتباتهم وعطاياهم تصرف رأسا عبر أدواته الاستخبارية، ومع كل ذلك فإن العدوان قد فقد مصداقيته على المستويين الإقليمي والدولي وتفكك حلفه الهش وصار مكشوفا وعاريا عن أي غطاء سياسي وقانوني، وهنالك عشرات الفعاليات أقيمت ولا زالت تقام في مختلف بلدان العالم تندد بهذا العدوان وتطالب بملاحقة ومحاكمة قياداته، وقد وصلت عدة حكومات في العالم إلى قناعة بفشل العدوان وأدواته في فرض إملاءاتهم على الشعب اليمني وبدأت التواصل مع السلطات في صنعاء وأعتقد أن العام القادم سيشهد تحولا كبيرا في المشهد السياسي نحو اليمن وقضيته.
طال الحصار على سكان الدريهمي.. ويوميا نسمع ونقرأ عن خروقات جديدة، ما هو موقع المحاصرين في اتفاق ستوكهولم، وإلى متى سيستمر هذا الحصار؟
– أجدد مطالبتي برفع الحصار عن أهلنا في الدريهمي وتنفيذ البند الخاص بهم في اتفاقية استوكهلم القاضي برفع حصار المرتزقة عنهم ومنحهم الأمان وحرية الحركة، ويبدو أن أبناء تهامة الشرفاء ومعهم كل أبناء اليمن قد نفد صبرهم إزاء وحشية المرتزقة وأسيادهم.
وقد يبادرون لدحر المرتزقة وفك حصار الدريهمي.
* في الختام.. هل لديكم ما تودون قوله للشعب اليمني ولم نتطرق له في أسئلتنا السابقة؟
– أتقدم بجزيل الشكر والتقدير لإعلامنا الحر والمجاهد ولكم في صحيفة “الثورة” خاصة، وأدعو أبناء شعبنا إلى رفع وتيرة الوعي لمواجهة دسائس ومكائد الأعداء وأذنابهم الظاهرين والخفيين ورفد الجبهات بالمال والرجال وتجنب العادات والظواهر السلبية كإطلاق النار في الهواء أثناء المناسبات، كما أدعوهم إلى تخفيف تكاليف الزواج وإلى التكافل والتراحم وتفقد أحوال الفقراء والمعوزين والمتضررين من جرائم العدوان والمتضررين من السيول.