المسوِّقون لصالح

 

محمود شرف الدين

يسوِّق البعض لفترة حكم علي صالح متسائلاً: كيف يمكن لأحد أن يلم شتات يمن تحت قبضته 33 سنة؟
أقول لهؤلاء: إن صالح لم يكن يستند إلى عدالة حققها أو إلى إنجازات نفذها، أو حكمة انتهجها ومكنته من الاستمرار في سدة الحكم، بل إن هناك عوامل عدة ساعدته بداية حكمه وحتى تمكن من أشياء كثيرة، وهنا بدأ يخطط ويرتب المسرح السياسي بشكل يمكنه من الاستمرار في السلطة فترة أطول، فانتهج كل ما يحقق ذلك، دون مبالاة بمآلاتها على الوطن والشعب، وأيضاً عليه شخصياً، وسأحاول هنا الإشارة إلى بعض منها:
– استفاد صالح المغمور والقبيلي والعسكري الذي لا يجيد السياسة أو الإدارة، وليس لديه أدنى خبرة بهما، من اختياره من قبل الجناة الإقليميين والمحليين في اغتيال الرئيس الشهيد الحمدي، بقيادة المملكة، لتولي الحكم في اليمن.
– قدمت له المملكة كل الدعم والمساندة، وأقنعت حلفاءها به، ضماناً لعدم ظهور حمدي آخر في السلطة، مقابل التزامه بالبقاء ذيلاً لهم لا يتخطى المحددات المرسومة من قبلهم، وبالذات في القرارات المتعلقة بالوضع الاقتصادي وغيره.
– استفاد من الأسس التي وضعها الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي لبناء الدولة اليمنية، والاحتياطي النقدي.
– استفاد أيضاً من قدرات وكفاءات المسؤولين الوطنيين الذين وضعهم الحمدي في مفاصل مهمة من الدولة للإدارة والتنمية، كعبدالعزيز عبدالغني وعبدالكريم الإرياني والشهيد يحيى المتوكل، وغيرهم من رجال حركة 13 يونيو التصحيحية.
– شكل دعم الإخوان المسلمين المستمر له منذ مقتل الرئيس الحمدي وحتى 2011، سياجاً يحميه ويروج له شعبياً، بل يقاتل معه إذا اقتضت الحاجة، كما حدث في حربي المناطق الوسطى وصيف 94، حيث دفعهم حليفهم علي محسن للوقوف إلى جانب شريكه، على أمل أن السلطة ستؤول إليه بعده، خصوصاً وأن محسن ظل الرجل الثاني في نظام صالح حتى 2000.
كل ذلك ساعده على الاستمرار لعقد كامل من الزمن، إلى جانب تعزيز سلطته بالاعتماد على مشائخ القبائل والمتنفذين، ركائز أساسية لسلطته في مواجهة مد المعارضة، فأغدق عليهم وعلى أولادهم الأموال والأسلحة والامتيازات، ومكنهم من المناصب والمكاسب التجارية، وحصّنهم من المساءلة، واضعاً القانون تحت أقدامهم، مقابل تفانيهم في شراء الذمم والولاءات وحشد المواطنين حوله كلما دعت الحاجة لذلك انتخابياً أو جماهيرياً.
– في الوقت نفسه، قرّب إليه الفاسدين والمنتفعين والمنافقين، ومنحهم السلطة والمال، فلم يمانعوا من التحرك معه في التوجه نحو إزاحة القيود والموانع التي تحول دون البقاء في السلطة إلى ما لا نهاية، واشتهر في ما بعد مصطلح “قلع العداد”.
– واصل صالح تنفيذ خطته، فوضع بنيه وأقاربه في مواقع مهمة عسكرية ومدنية، وسط تأييد من حوله، محققاً خطوة متقدمة في استمرار حكمه، والاتجاه نحو نظام جمهوري قائم على توريث السلطة.
– لم يتوقف الأمر عند ذلك، بل شكَّل خلايا سرية، طوال فترة حكمه، لتصفية السياسيين المؤثرين والمعارضين الرافضين لطريقته في إدارة الدولة والعبث بثروات الوطن، فقتل وأخفى قسراً الآلاف من خيرة أبناء هذا الوطن.
– كما أنه ظل خلال عقود حكمه يستهدف الوطنيين المخلصين والسياسيين الشرفاء والشخصيات الاجتماعية المؤثرة، بشتى الوسائل، فأقصى الكفاءات، وأهان المفكرين والمثقفين، وحط من قدرهم، فلا دعم ولا اهتمام إلا لمن اضطر إلى مسايرة التوجه العائلي.
– بعد إعادة تحقيق الوحدة، استمال صالح جماعات إسلامية إرهابية متطرفة، واحتواها للعمل في صفه، مستفيداً منها في تنفيذ أجندته بابتزاز الخارج وإرباك الداخل.
– غدر بالشركاء والحلفاء، وتبنى خلق الأزمات، وفجّر الحروب لإشغال الداخل والخارج عن التفكير في إرساء تداول السلطة وتهيئة شخصية أخرى لتخلفه في تولي مقاليد الحكم في اليمن الموحد، كالحروب الـ6 على صعدة، والتي كان قد نجح في جر حلفائه آل سعود إليها.
– حارب الأحزاب السياسية اليسارية الحداثية تارة بالتفريخ، وأخرى بالتحريض والتخوين والتزوير والتضييق والملاحقة في قضايا ملفقة، واستنسخ لها أحزاباً وهمية لا وجود حقيقياً لها على الواقع.
– على الصعيد التنموي لم ينجز أي مشروع حيوي استراتيجي في أي مجال خدمي أو تنموي من شأنه رفع مستوى الوطن اقتصادياً، واستيعاب البطالة، وضيق على فرص الاستثمار، وابتكر أتباعه الشراكة مقابل الحماية، بل لقد عجز عن صيانة وتوسعة طريق صنعاء تعز عدن، واتجه إلى تنفيذ مشاريع بسيطة بالأمر المباشر بمواصفات غير سليمة، ليكون مصيرها التلف قبل دخولها نطاق الخدمة، وتنضم إلى قافلة المشاريع المتعثرة أو الفاشلة.
– أخيراً، اعتمد على مخاطبة عاطفة اليمنيين لتبرير أخطائه، وكسب تأييد الكثير منهم لإخلاء موقفه من تنامي الفساد وغياب الدولة وممارسات العبث والإقصاء من الوظيفة العامة، وما إلى ذلك من الممارسات التي يتحمل هو شخصياً مسؤوليتها، ولا يتسع المجال لسردها، فما أكثرها.

 

قد يعجبك ايضا