بغداد/
ترافق انتهاء الجولة الأولى من المحادثات بين أمريكا والعراق، والمعروفة باسم “المفاوضات الاستراتيجية”، مع مستوى كبير من ردود الفعل بين القوات والشخصيات السياسية العراقية.
وقد أدّت هذه المحادثات، التي تزامنت بالصدفة مع الذكرى السادسة لإصدار فتوى الجهاد الكفائي وتأسيس الحشد الشعبي، إلى تعاطف التيارات السياسية العراقية مع قوات الحشد الشعبي بشكل كبير.
إن عملية دعم وتقدير وإشادة التيارات السياسية بالحشد الشعبي في الأيام الأخيرة، وخاصةً بعد انتهاء الجولة الأولى من المحادثات بين واشنطن وبغداد، هي بحيث يمكن الحديث عنها كرسالة واضحة من العراقيين إلى أمريكا.
لقد أصدر “آية الله السيد علي السيستاني” المرجع الديني الأعلى في العراق، فتوى في 13 يونيو 2014م، لتأسيس هيئة الحشد الشعبي العراقية، وبعد ذلك تمّ تشكيل اللجان الشعبية للحشد لتنظيم ملايين المتطوّعين العراقيين لمحاربة داعش، ولعبت أيضاً دوراً لا غنى عنه في القتال ضد داعش، کذلك، في 26 نوفمبر 2016م، وافق البرلمان العراقي على “قانون الحشد الشعبي” لاستمرار تنظيم الحشد الشعبي.
ومع ذلك، يمكن قراءة الدعم الخاص للتيارات والشخصيات السياسية العراقية للحشد الشعبي في الظروف الحالية، على ثلاثة مستويات:
إبطال مؤامرة واشنطن ضدّ الحشد الشعبي
يمكن اعتبار السبب الأول والأهم للموجة الواسعة من الدعم للحشد الشعبي، بأنه يتعلّق بإحباط مؤامرة واشنطن وتحييدها، في الواقع، لطالما دعا الأمريكيون إلى حل قوات الحشد على مدى السنوات القليلة الماضية، ومن خلال وضع هذه القوات علی قوائمهم الإرهابية الواهمة والمزيفة، سعوا لإقناع الحكومة العراقية بأن قوات الحشد يمكن أن تشكّل تهديداً لبغداد.
والآن أيضاً، فإن تشكيل موجة من الدعم للحشد الشعبي بين السياسيين العراقيين، يظهر أن المفاوضين الأمريكيين كرروا مثل هذه المطالب، والتي قوبلت برد واضح من الشعب العراقي، بحيث حذّرت هذه القوات المنضوية في الحشد الشعبي خلال اليومين الماضيين بشأن طرد الأمريكيين، ومن ناحية أخرى تؤكد التيارات السياسية العراقية على تنفيذ قرار البرلمان العراقي القاضي بانسحاب القوات الأجنبية من البلاد.
في الحقيقة، تشكك التيارات السياسية والشعبية العراقية في نتائج وإنجازات الاتفاقية الاستراتيجية، داعيةً إلى طرد الأمريكيين من البلاد، لأنهم خلصوا إلى أن بقاء العسكريين الأمريكيين ليس فقط لن يؤدّي إلى الاستقرار والأمن في العراق، بل سيبقي دائماً ظلال التهديد والتآمر ضدّ حكومة بغداد.
لكن في المقابل، نجد قوات الحشد الشعبي التي وقفت كأبطال وطنيين ضدّ المؤامرات لتفكيك العراق وانهياره. وهذه الإرادة العامة ليس فقط لن تضعف في المستقبل، بل بناءً على العملية الحالية يمكننا الحديث عن تعزيزها أيضاً.
إشادة الكاظمي بالحشد الشعبي، تقضي على كل أحلام وخطط واشنطن
أما السبب الثاني للحجم الهائل لرسائل دعم الحشد الشعبي، فيمكن اعتباره بأنه رد على الجهود الأمريكية المحتملة لتحديد قوات الحشد على أنها سبب انعدام الأمن في العراق.
يبدو أن رئيس الوزراء العراقي “مصطفى الكاظمي” تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة على يد قوات مجهولة خلال زيارته لمحافظة “نينوى” في 11 يونيو 2020م، وحتى هو نفسه أكد ذلك. ولكن في أعقاب هذا الحادث، نرى أنه ينقل بجدية رسائل دعم للحشد الشعبي، ما قد يشير إلى أن قوات الحشد لعبت دوراً إيجابياً في حماية حياة رئيس الوزراء ضد التآمر لاغتياله.
الكاظمي وصف في بيان له، إصدار فتوى الجهاد الكفائي وولادة الحشد الشعبي، بأنه انعطافة حقيقية في المواجهة ضد تنظيم داعش الإرهابي والحرب ضد الإرهاب، وقال إن قوات الحشد أثبتت للعالم أن إرادة الشعب لا تقهر.
کذلك في 14 يونيو 2020م، أثنى العميد “يحيى رسول” وهو المتحدث باسم مصطفى الكاظمي القائد العام للقوات المسلحة العراقية ورئيس الوزراء العراقي، على هيئة الحشد الشعبي. وشدد رسول في حديث لقناة “العراقية” على أن “الحشد الشعبي عادةً ما كان يختار أصعب المحاور في معارك التحرير(الأراضي العراقية) ضد داعش الإرهابي. وكان الحشد الشعبي يمسك الصحراء في معركة تحرير الموصل والتي تتسم بالصعوبة الجغرافية”.
مجموع هذه التصريحات يبدو أنه نوع من التقدير والامتنان الخاص من قبل رئيس الوزراء لدور الحشد الشعبي في مكافحة الإرهاب، وربما إنقاذ حياته ضد شائعات مؤامرة اغتياله عند بوابة مدينة الموصل.
حساسية البرلمان العراقي الخاصة للتدخل في عملية المفاوضات
على مستوى آخر، يمكن اعتبار الدعم المتزايد للحشد الشعبي بأنه يتعلق بمخاوف التيارات السياسية العراقية لمنع المفاوضين من الانزلاق خلال أي اتفاق مع الأمريكيين.
في الواقع، إن المطلب العام للشعب العراقي والتيارات السياسية هو عدم التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة على طريق معارضة الحشد الشعبي، وفي هذا الصدد، أشار “محمد كريم” النائب عن تحالف “الفتح” في البرلمان العراقي إلى الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن، ودعا إلى مشاركة أعضاء البرلمان والأحزاب السياسية في بلاده في هذه المحادثات، من أجل إنجاحها.
من وجهة نظر هذا العضو في البرلمان، إن قرار انسحاب القوات الأجنبية من البلاد قد حسم قضية الوجود الأمريكي في العراق، والبرلمان العراقي سيتابع جميع بنود هذه المحادثات، ولن يتم تنفيذ هذه البنود دون موافقة البرلمان.
وهذا الموقف يصبح مهماً عندما نلاحظ أن قادة جميع التيارات والكتل السياسية في البرلمان، قد حذروا من أي انزلاق أمام أمريكا، معتبرين تأسيس الحشد الشعبي نقطة تحول في تاريخ التطورات السياسية الجديدة في العراق.
وفي هذا الصدد، أكد “هادي العامري” رئيس ائتلاف “فتح” السياسي والأمين العام لمنظمة “بدر” العراقية، في بيان: “لولا فتوى المرجعية في محاربة الإرهاب الداعشي، لكان العراق في خبر كان، لأن القوى الظلامية كانت تستهدف تاريخه وحاضره ومستقبله”.
كذلك، قال “عمار الحكيم” زعيم تيار “الحكمة” الوطني العراقي في تغريدة له على تويتر، “ست سنوات وما زال عبق فتوى الجهاد الكفائي التي أصدرتها المرجعية الدينية العليا من رحاب الطهر الحسيني يفوح في أرجاء وربوع الوطن، تلك الفتوى التي حمت الدولة من الانهيار وأنقذت الوطن من الافتراس على يد أسوأ وأقبح فكر دموي منحرف عرفه التاريخ، بالإضافة إلى بعدها الإنساني الكبير في إيواء النازحين وتقديم الخدمات”.
مجموع هذه العمليات يظهر أن البرلمان جاد في وضع عملية دعم قوات الحشد الشعبي على جدول الأعمال، خلال المحادثات بين الوفدين الأمريكي والعراقي، والعمل علی إحباط الإجراءات الأمريكية المحتملة لمواجهة هذه القوى الثورية والشعبية.
وفي الوضع الحالي، سيعتبر البرلمان بالتأكيد أن مهمته هي دعم شجاعة ونضال قوات الحشد الشعبي، في الدفاع عن العراق ضدّ الإرهاب والتقسيم لعدة سنوات.