شهدت الساحة الليبية تطورات خاصة في الأسابيع الأخيرة ، أبرزها انتصار المجموعات المناصرة لحكومة الوفاق الوطنية في ليبيا والمدعومة من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، وبحسب المعلومات المتوفرة ، جاءت هذه الانتصارات نتيجة للدعم البري والجوي والبحري التركي المباشر ، الذي استقدم آلاف العناصر المسلحة من الجماعات الإرهابية من إدلب وحتى من إسطنبول إلى ليبيا ، وهذا ما اعترف به أردوغان علانية.
وبالإضافة إلى ذلك، أثارت اتصالات الرئيس التركي أردوغان مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 23 مايو العديد من الشكوك حول النزاع الدولي الجديد لتركيا ، حيث يقال إنه يسعى للحصول على مساعدة من ترامب المناهض لروسيا ، والذي يسعى حالياً لمد يد العون لأنقرة في سوريا ، وتأتي هذه التصريحات في الوقت الذي تزعم فيه الولايات المتحدة الامريكية أن روسيا أرسلت طائراتها من سوريا إلى ليبيا للدفاع عن قوات خليفة حفتر.
وكان إصرار أردوغان على موقف تركيا من التطورات الليبية في خطابه في 27 مايو ، والذي كان له نبرة قوية وواضحة تجاه موسكو ، وصرح قائلاً ان أولئك الذين يقولون لنا ماذا نفعل في سوريا وإدلب وليبيا ، سوف نريهم في المستقبل ما نفعله وما سنفعله”.
إن تصرفات تركيا في ليبيا ليست فقط استفزازية لروسيا، ولكنها أيضًا ضد جميع الحكومات التي تدعم خليفة حفتر ، حيث ان المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والسودان والأردن هي جزء من هذه البلدان.
وفيما يتعلق بطلب تركيا للمساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية في الصراع ، فعلى ما يبدو أن الغرض من هذه الخطوة هو الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتخلي عن ضغوطه المعادية لتركيا في سوريا وإدلب ، وفي هذه الأثناء ، لا يزال أردوغان يحاول إبقاء قواته في سوريا على مستوى عال من الاستعداد.
ويبدو أن أردوغان لا يسعى فقط للحصول على دعم ترامب في هذا المجال ، ولكنه أرسل أيضًا إشارات صريحة وسرية إلى فرنسا وألمانيا وإيطاليا لكسب دعمهم ، فهو يبحث من خلال هذا النزاع عن موطئ قدم له في ليبيا ، وتشير المعلومات المتاحة إلى أن تركيا تسعى إلى إنشاء قاعدة عسكرية في مطار الوطية غرب ليبيا ، ومن المرجح أن تفعل ذلك إلى جانب الأمريكيين ، بدعم مباشر وغير مباشر من تونس.
كما يظهر تحرك أنقرة لإعلان ساحل البحر الأسود لتركيا والمناطق القريبة من حدود تركيا مع بلغاريا كمنطقة عسكرية مغلقة أن أحداثًا مهمة ستجري قريبًا في البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط.
بالإضافة إلى ذلك ، هناك مؤشرات أخرى تدل على أنه ثمة هناك محادثات تجري حالياً بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية لإنشاء قاعدة مشتركة في المنطقة ، والتي كانت مصدر إحباط لروسيا من شريكها في سوريا ، وفي غضون ذلك ، دعمت الولايات المتحدة الأمريكية المشاكل في روسيا ، وقد أظهرت ذلك بالفعل من خلال جهودها لبناء قاعدة بحرية بالقرب من الموانئ الرومانية على البحر الأسود ، مما أدى إلى توتر العلاقات بين موسكو وواشنطن وان تقوم الطائرات الروسية بتعقب طائرة تجسس أمريكية في المنطقة.
وتشير كل هذه الأمور إلى أن أردوغان يسعى للتمييز بين تكتيكاته واستراتيجياته الخاصة في حساباته الخارجية والدولية ، وقد حسب نقاط ضعف الآخرين في تعاملاته معهم ، فعلى سبيل المثال ، فهو يريد الاستفادة من التحديات التي تطغى على علاقات موسكو مع الغرب ، ولهذا السبب ، دخل أردوغان في بعض الأحيان في تحالف مع أوكرانيا لمواجهة الضغط الروسي في إدلب وكل الأراضي السورية ، وسعى في بعض الأحيان الأخرى للحصول على دعم دونالد ترامب ، وأحيانًا يهمس بإلغاء صفقة شراء منظومة S-400 المضادة للصواريخ من روسيا.
ومع ذلك ، يمكن للتطورات في الأيام القادمة أن تجيب على السؤال المهم حول ما إذا كانت أنقرة قادرة على مطابقة مطالب تحالفها المتعدد الأطراف مع الولايات المتحدة في ليبيا والاختلافات مع تلك الدولة في شرق الفرات.
وتتابع الميادين في الإجابة على هذا السؤال المهم والتي تضع العديد من القضايا الاستراتيجية في المنطقة في حالة من الغموض ، وعلى وجه الخصوص ، الجهود التي تبذلها أنقرة للتركيز على سوريا ودور إيران في هذه البلاد ، وكذلك التسويات والصفقات الفاشلة بين روسيا وتركيا وإسرائيل والولايات المتحدة ، وأثر عواقب هذا الفشل على ميزان القوى الداخلية في سوريا.
وفي الوقت الحاضر ، يحاول أردوغان تحقيق أهدافه بكل أوراقه ، التي يعتبرها ضمانًا لتنفيذ سياساته في المنطقة العربية وشمال إفريقيا ، من أجل التأثير بشكل أكبر على عمق القارة الأفريقية فيما بعد ، وفي السنوات الأخيرة ، خاصة بعد بداية الانتفاضات الشعبية في الدول العربية ، سافر إلى جميع البلدان الأفريقية واستقبل قادة هذه البلدان في تركيا وأقام علاقات جيدة معهم ، وفي هذا الصدد، أنشأت تركيا سفارات في معظم العواصم الأفريقية واستخدمت كل إمكاناتها الاستراتيجية والسياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والتجارية والمالية لتحسين العلاقات مع هذه البلدان.
كما قارن بعض المحللين سياسة تركيا المفتوحة تجاه القارة الأفريقية بسياسة الكيان الصهيوني تجاه القارة السمراء ، حيث بدأ الكيان الصهيوني تدخله السياسي والاقتصادي والعسكري وحتى المخابراتي والديني في إفريقيا ثم حول المنطقة إلى نقطة ساخنة لتهريب الماس عبر المافيا اليهودية المقيمة في هذه القارة وأماكن أخرى من العالم.