على غير العادة أقبل عيد الفطر المبارك، إذ لم يأت بالفرحة معه كما عهده أبناء اليمن المغتربون في السعودية ولم يتمكنوا من استقباله بذات الحفاوة والترحاب الذي تعودوا عليه في كل عام يقبل عليهم، ويعود السبب في ذلك إلى الإجراءات التي فرضتها الجارة العدوانية بسبب انتشار فيروس كورونا في العديد من مناطقها، فقد أدت هذه الإجراءات إلى تردي الحالة المعيشية لدى الكثير من المغتربين وتراجع حال بعضهم إلى الصفر “الفقر المدقع “، ومما زاد المعاناة أن من نتائج هذه القرارات إغلاق كافة المنافذ البرية والجوية وصعوبة السفر، وهو ما تسبب بأكبر ضرر على أولئك المغتربين اليمنيين في السعودية الذين كانوا من قبل يعملون في السعودية متجرعين شظف العيش من خلال عملهم بالأجر اليومي في هذه المدينة أو تلك من أجل تأمين قوت عوائلهم في الوطن الجريح.. في سطور هذا التحقيق نتابع تفاصيل هذه المآسي التي أنتجتها قرارات السلطات السعودية التي ضاعفت من معاناة اليمنيين داخل أراضيها:
تحقيق/حاشد مزقر
يتمثل عمق المأساة لدى المغتربين اليمنيين في السعودية في نفاد العائد المالي الذي كانوا يحصلون عليه نهاية كل شهر ولم تعد الرسوم المفروضة فقط هي التي تأخذ رواتبهم ولا تبقي منها إلا النزر القليل بل وصل الحال بهم إلى قطع الشركات الخاصة رواتبهم بالمرة بسبب ما تصفه بتوقف أنشطتها وبالتالي أصبحوا عاجزين عن تحويل المبالغ المالية التي تؤمن أقوات أسرهم داخل اليمن ووصل الأمر إلى عدم مقدرتهم على شراء المواد الغذائية الأساسية لهم داخل الحجر وعجزهم عن سداد إيجارات السكن علما أن هذا الحال يسود الأغلبية من المغتربين وقليل منهم استطاعوا العودة إلى ارض الوطن والبقية ليس أمامهم سوى تحمل قسوة المعاناة .
إجراءات خانقة
كان الفقر والبطالة قد أخذا منه مأخذا كبيرا وكاد اليأس أن يتمكن منه وبينما هو غارق في متاهات المعاناة القاسية خطرت عليه فكرة الهجرة تيمنا بقوله تعالى “ (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً)” ومن حينها بدأ يرتب لسفره إلى السعودية، وبفعل مساعدات بعض أقاربه وأصدقائه استطاع ان يتدبر تكاليف السفر والتي وصلت إلى قرابة المليون ريال يمني، وقطع وعدا لكل من ساهم بتوفير المبلغ أن يرده اليهم فور الحصول على عمل في السعودية …سافر الشاب عبدالكريم الجربة – المعني بالحديث السابق – في العام 2014م وحصل على عمل في أحد مصانع الطوب بالطائف، ومن حينها وحتى اللحظة لم يتمكن من قضاء دينه، حيث أن راتبه لم يتجاوز 2000 ريال سعودي أي ما يعادل مبلغ 112 الف ريال يمني بسعر الصرف آنذاك، ورغم راتبة الزهيد إلا انه لا يسلم من الاستقطاعات للكفيل ورسوم تجديد إقامة ورسوم إجراءات أخرى تفرض على العاملين اليمنيين هناك ولم تتوقف المأساة عند هذا الحد ففي الأسابيع الأخيرة قررت السلطات السعودية فرض الحجر الصحي على العمالة الأجنبية بما فيها العمالة اليمنية، ما يعني ان العامل لن يتمكن من الحصول على راتبه ولن يستطيع توفير ضروريات الحياة له ولأسرته في أراضي الوطن ..وبالتالي اضطر الشاب عبدالكريم الزهيد إلى المكوث في مسكنه واصبح حاله كالمستجير من الرمضاء بالنار، فالحرب وسياسة التجويع اللتين تمارسها ذات السلطات على اليمن أقل فتكا بهم من المعاناة داخل السعودية.
متغيرات قاهرة
حسين مواطن يبلغ من العمر أربعة وأربعين عاما ويعول أسرته المكونة من تسعة أفراد أغلبهم قصّر، كان أفراد أسرة هذا الرجل قبل الإجراءات الصحية السعودية يعيشون من مدخوله الشهري، فهو يعمل كسائق معدات ثقيلة مع احد المقاولين السعوديينً في العاصمة السعودية الرياض ومنذ أن بدأ فيروس كورونا بالانتشار في السعودية انقطع عنه هذا المصدر بسبب توقف عمل الإنشاءات التي يديرها المقاول ، وبعد تفكير طويل أسهده الليالي، لمعت أمام عقله فكرة الخلاص لأسرته من أنياب الموت المحقق، إذ قرر أن يلجأ إلى مبدأ الرحيل من أرض الغربة القاسية، غير انه اقتنع برأي أحد رفاقه بعدم المغادرة، كونه قد يجلب معه المرض والموت لأسرته وأبناء جلدته لو أنه أصيب بالمرض لا قدر الله خلال سفره ولذلك قرر أن يحل محل الآلاف ممن أجبرتهم المتغيرات الجديدة على اتخاذ ذات القرار، وها هو يمضي الشهرين الأول والثاني وعيد الفطر وهو لا يعلم من أين يحصل على مصروفه ومصروف عائلته التي اغترب لأجلها وبذات الطريقة سيقضي الأيام المقبلة وجيبه فارغا.. وتحسر حسين على ست سنوات غربة قضاها في السعودية ولم تؤمن مستقبله ومستقبل أسرته فيما يشاهد مغتربين يمنيين في دول غربية يعودون إلى وطنهم وهم يمتلكون الكثير من المال، ويتساءل: من الأجدر باحترام المواطن العربي أبناء عروبتهم مملكة الخليج أم أولئك الذين يختلفون معهم في العرق واللغة والديانة؟
وضع مأساوي
محمد الجعشني وأخوه عبدالله اعتقدا في الأيام الأولى بأن عودة احدهما من السعودية أكثر فطنة من آلاف اليمنيين الذين لم يحالفهم الحظ بالعودة لأرض الوطن وبدا لهما أن لديهما قدرة كبيرة في التعامل مع المشكلة والتكيف مع الوضع المأساوي الجديد، واعتقد محمد جازما بأن أخاه سيؤمن احتياجات العائلة إلا أنه أصبح مضطرا لتوفير احتياجات أخيه الذي فضل البقاء هناك والبحث عن أي عمل يستطيع من خلاله إرسال مبلغ من المال لأخية وإعالة أسرته في الداخل، ومع مرور الوقت ادرك الاثنان بأن الحالة المادية لهما لا تقل صعوبة عما كان عليه الحال قبل اغترابهما ، فكل منهما بلغ من العمر أكثر من خمسة وثلاثين عاما ويعول كل واحد منهما أسرته المكونة من الزوجة وثلاثة من الأبناء بالنسبة لمحمد فيما عبدالله يعول زوجته وأربعة أبناء وبنتاً واحدة بالإضافة لشقيقتهما ووالدتهما ..محمد أصبح غارقا في الهموم ولم يعد لديه أي أمل بإصلاح وضع المغتربين اليمنيين في السعودية كما يقول فهذه الدولة التي تسمي نفسها بالعربية شنت الحرب على الإنسان اليمني سواء بوجود حجر واحترازات صحية أو بعدم حدوث أي شيء.
تقاعس سفارة هادي
تمثل السعودية سوقاً رئيسية للعمالة اليمنية لكن كثيرين منهم يدفعون كل رواتبهم وأجورهم كرسوم للسلطات السعودية، حيث صدرت سابقا إجراءات بشأن توطين (سعودة) بعض المهن والرسوم المفروضة على المقيمين وكل فرد يرافقهم فمثلت ضربة موجعة لمستقبل الآلاف من هؤلاء العمال، واعتباراً من 1 يوليو 2018م توجب على المقيمين من جميع الجنسيات دفع 100 ريال سعودي شهرياً عن كل مرافق وتضاعف المبلغ إلى(200 ريال سعودي) ابتداء من شهر يوليو 2018م، وتشير بعض التقديرات إلى أن عدد أبناء الجالية اليمنية في السعودية تقترب من ثلاثة ملايين شخص، وهو رقم كبير مقارنة بعدد الأجانب في السعودية الذين أوضح تعداد السكان السعودي في العام 2017م أنهم وصلوا إلى 12 مليونا و185 ألفا و284،و فيما اعتبر الكثير من أبناء الجالية اليمنية في السعودية تقاعس السفارة اليمنية بالمخزي حيث لم تقم بمحاولة تجنيب اليمنيين آثار القرارات الكارثية السابقة، وها هي تكرر فشلها المتلاحق ولا تعير أي انتباه لأوضاعهم الصعبة التي فرضتها السلطات السعودية ذاتها نتيجة انتشار جائحة كورونا، مما تسبب بإيقاف كافة أعمالهم وانقطاع رواتبهم وأجورهم، وكل هذا ضاعف الصعوبات التي تواجه المغترب اليمني في ظل غياب دور السفارة اليمنية في السعودية والتي اقتصر دورها على خدمة مشاريع العدوان ومخططاته الرامية لتمزيق النسيج الاجتماعي في الداخل والخارج.
حلول غير مجدية
بينما ارتضى الكثير من أبناء الشعب اليمني من الفقراء الاغتراب في دنيا المآسي، بالنسبة لهم لم يكونوا يطمحون أكثر من ان تستقر بهم أيامهم في السعودية من أجل تأمين لقمة العيش لأسرهم في الداخل، لكن الأيام الأخيرة قد لا تضمن لهم استمرار تنفسهم في أي وقت بسبب انتشار جائحة كورونا ، وبعد ان فقدوا ما كانوا يطمحون إليه، فقد تحولت الحياة أمامهم إلى بحر من المصائب التي يحاولون جاهدين النجاة من أمواجها التي تنوي إغراقهم، فهم الآن يقاومون إجراءات الحجر الصحي السعودية عن طريق التقشف في المصاريف وتقليل عدد الوجبات والاستغناء عن كثير من المواد الغذائية غير ان كل هذه الإجراءات لم تخفف من الأمر شيئاً، فالسلطات السعودية كانت قد خنقت العاملين سابقا بفرض رسوم جائرة وكل ما تم ادخاره تم دفعه لتسديد هذه الرسوم الظالمة.