المسابح .. تقليد رمضاني وتاريخ عريق

 

منذ القدم واليمنيون يعتبرون المسابح تقليداً مجتمعياً ودينياً عريقاً وباتت فرصة يسعى الكثير من الناس لاستغلالها من خلال الإكثار من الطاعات للتقرب للخالق عز وجل، وفي ذات السياق يعد هذا الشهر الفضيل بوابة موسمية لطلب الرزق عن طريق استثمار العادات الرمضانية ومن ابرز تلك العادات بيع المسابح في الأسواق والجولات وأمام المساجد، فالإقبال على شرائها كبير لغرض التسبيح والحمد على نعم الله تعالى .. بيع المسابح بأنواعها وتاريخ نشأتها وغيرها من التفاصيل تجدونها في السياق التالي:

إن غالبية المسابح الموجودة في الجولات هي من النوع الصيني والإيراني والهندي رخيصة الثمن، حيث يتراوح سعرها بين250-500 ريال، وتتمتع بألوان زاهية وجذابة ليتمكن الناس من شرائها خاصة في الوضع الاقتصادي الحالي .. حيث يرى الحاج عبدالسلام من سكان صنعاء القديمة أن استخدام المسبحة في شهر رمضان ينبع من روحانية هذا الشهر الذي فضَّله الله سبحانه وتعالى عن كثير من أشهر السنة.
وهو كما يقول حريص على شراء المسابح وتقديمها كهداية لأصدقائه وأهله وكل من يزوره في منزله تعبيرا منه عن حبه لهم .
أنواع المسابح:
تعد المسبحة المعروفة بالمسبحة اليسر أغلى أنواع المسابح، وتتكون من نوع الأحجار الثمينة التي تصنع منه المسابح وتطعَّم بالفضة وأنواع من الفصوص.
ويقول قاسم أحد بائعي المسابح في سوق السمسرة النحاس: إن هذه المسبحة «اليسر» تفوح منها رائحة طيبة إذا ما تم دعكها باليد، وتتنوع أحجامها وعدد حباتها بين الثلاث والثلاثين حبة إلى التسع والتسعين.
ويوضح قاسم أن الطلب على هذا النوع من المسابح لا يكون إلا من كبار السن والمشائخ لأن أغلبية الناس لا يهتمون بنوع المسبحة والمادة المصنوعة منها لذلك يفضلون الأنواع المتواجدة والرخيصة والتي تمتلئ بها الأسواق وفي أيدي البساطين والباعة المتجولين خاصة في شهر رمضان المبارك .
جذور تاريخية
المسبحة رغم ارتباط معناها اللفظي والاستخدامي بالعرب والمسلمين إلا أن البحث عن الجذور التاريخية لها يجرنا إلى تاريخ تعامل الإنسان مع الأحجار الكريمة وغيرها ضمن معتقداته منذ أقدم العصور.
وتحدثت المصادر التاريخية في تحديد نشأة المسبحة اليدوية وبدايتها، فقد ذكرت بعض هذه المصادر أن الهنود هم أول من استخدموا هذا النوع وأبدعوا به، والبعض الآخر أرجعها إلى أقدم من ذلك وقد ربطها بعلاقة وطيدة مع كل الديانات القديمة.. وقد استخدمها كَهَنة تلك العصور في أداء بعض طقوسهم وعباداتهم لأجل التقرب للآلهة التي كانوا يعبدونها.. وكانت تصنع في ذلك الوقت من مواد مختلفة منها الصخور وأحجار الجبال وعظام الموتى وأسنانهم وكذلك جذور الأشجار بالإضافة إلى المعادن والكائنات البحرية مثل القواقع والأصداف.
وأشار آخرون إلى أن العرب عرفوا هذا النوع من المسابح بعد الفتوحات الإسلامية التي قاموا بها إبان انتشار الدولة الإسلامية.. وقد خالف البعض هذه الأقوال ونسبها إلى أصل عربي وأرجع ولادتها إلى بداية ظهور الإسلام، وكانت تصنع في البداية من الطين المجفف لغرض التسبيح والاستغفار.
وبين اختلاف الآراء والطرق إلا أن المسبحة قد فرضت وجودها عبر حقب التاريخ المتلاحقة، فما زال هذا الكنز القديم الجديد متداولاً بين أيدي الملايين من البشر على اختلاف أجناسهم وألوانهم وتفاوت أعمارهم.
أنواع المسابح ومراحل صنعها :
هناك نوعان شائعان من المسابح من حيث عدد الحبات الأول تستخدم فيه (99) حبة وقسمت فيه المسبحة إلى 3 أقسام متساوية كل قسم أو جزء يحوي (33) حبة تفصل بينها (حبتان صغريان مختلفتان من حيث الحجم تعرفان بـ ( الشواهيد) والله (الدرك) وكذلك تحتوي هذه المسبحة على (الشاهد الكبير) الذي يكون في مقدمة المسبحة، وتستخدم هذه المسبحة بشكل خاص في الصلاة، حيث يقوم المصلي بضبط عدد التسبيحات من خلال هذه الحبات.
أما النوع الآخر، فيكون مجموع حبات المسبحة فيه ( 33) حبة فقط مقسم إلى ثلاثة أجزاء أيضاً كل جزء يحتوي على (11) حبة تفصل بينها كذلك حبتان تعرفان بـ(الشواهيد) وتكون حبات هذه المسبحة مختلفة الأحجام وحسب الرغبة.
صنع المسابح
بالنسبة لمراحل صنع السبحة، تبدأ باختيار نوعية الخام، ثم مرحلة الخرط والثقب، والصقل والتهذيب والتلميع، والتطعيم والجلي، وأخيراً النظم ثم التكتيف. وتتكون السبحة عادة من عدد الحبات ثم الشواهد-الفواصل- والمآذن والتي تسمى أيضاً بـ”الإمام”.
ومن المواد الخام التي تستخدم في صناعة السبح اللؤلؤ والعنبر واليسر والكهرمان وبذور النباتات وخشب الورد والخشب والعاج والعظام والقرون والأحجار الكريمة والخزف والبلاستيك والزجاج، خشب الصندل .
مسبحة الملكة أروى:
فيما تْعد مسبحة السيدة أروى بنت أحمد الصليحي من أكبر وأشهر المسابح, وتتكون من ألف حبة وحبة وهي مصنوعة من شجر الجوز واللوز الذي لا يقربه السوس.. وهي الآن موجودة في جامع السيدة أروى بجبلة – الذي يُعتبر من أشهر الجوامع في اليمن والذي أصبح مزارا يؤمه الزوار من داخل الوطن وخارجه, ويتم إخراج المسبحة أحيانا عندما يأتي زوار إلى الجامع ويرغبون بمشاهدتها والتقاط الصور لها ومعها.. ومع أن المسبحة قد لا تكون خاصة بالسيدة أروى الصليحي وقد تكون ارتبطت باسمها واكتسبت شهرتها لوجودها في جامعها, إلا أن أحد سدنة الجامع أكد أنه رغم عدم معرفته بتاريخها بالضبط، لكنه يعرفها منذ طفولته وكذلك والده, مؤكداً أنها تعد أكبر وأشهر مسبحة قادمة تتعرَّض لتاريخ السبحة على مر العصور ومدى مشروعيتها.

قد يعجبك ايضا