رمضان في تهامة نكهة مميزة لا يعكر صفوها غير العدوان

صفاء.. أهازيج روحانية.. وجمال الليالي القمراء

 

لشهر رمضان المبارك أجواءه الخاصة في تهامة فهناك على طول الساحل الغربي وفي القرى والأرياف الممتدة من مضيق باب المندب جنوبا وحتى ميدي شمالا تصبح أيام وليالي رمضان مختلفة تماما عن أي منطقة أخرى في اليمن وربما المنطقة باسرها وتتلون لحظات الشهر الفضيل بروحانية وصفاء رمضان وتكسو تلك المناطق الفسيحة أضواء جمالية من هبات الليالي القمراء
يعرف أبناء تهامة وكل من عاش أياما من الشهر الكريم هناك كم يكون رمضان مميزا واستثنائيا في تلك الربوع الفسيحة

هلال رمضان وأهازيج الترحيب
أرتبط هلال رمضان بمدينة الحديدة وبالتحديد بأسرة آل مكرم حيث عُهدت لهذه الأسرة الطيبة عملية رؤية الهلال منذ عقود ومن هناك يتم الإعلان عن دخول الشهر المبارك وفور ذلك الإعلان عقب مشاهدة الهلال الذي يتم كما جرت العادة في جبانة الحديدة أو على شاطئ البحر الأحمر تضج مساجد المدينة وكل قرى المحافظة بأصوات القران حيث ينطلق الناس بشوق وحنين إلى الجوامع لأداء صلاة التراويح وترديد الأهازيج والأذكار الدينية الجماعية ويبدا أبناء تهامة الترحيب بقدوم الشهر الكريم منذ وقت مبكر وبالتحديد في ليلة الـ15من شعبان وتسمى هناك بـ”الشعبانية” ويصوم معظم الناس هذا اليوم وتذبح الذبائح وتقام الولائم ويحييون هذه الليلة في المبارز والدواوين بتلاوة القران الكريم وترديد الأذكار والابتهالات الدينية بشكل جماعي ومن تلك الموالد وقبلها من المساجد عقب صلاة عشاء تلك الليلة يبدا الترحيب الفعلي بقدوم شهر رمضان المبارك وذلك بالصلاة والسلام على سيدنا محمد عليه وآله افضل الصلاة وازكى السليم ومن تلك الاهايج التي يتم ترديدها بشكل جماعي وبأصوات شجية:
الصلاة والسلام عليك يا سيد المرسلين
مرحبا بك مرحبا يا شهر رمضان
مرحبا بك مرحبا يا شهر القران
مرحبا بك مرحبا يا شهر التوبة والغفران
مرحبا بك مرحبا يا شهر المصابيح
مرحبا بك مرحبا يا شهر الرحمات
مرحبا بك مرحبا يا شهر البركات
مرحبا بك مرحبا يا شهر الخيرات
وهكذا دواليك ، وسط فرحة عارمة لدى الناس ، وتبدأ المراسيم للاستقبال وسط زخم شعبي غير مسبوق ، فالنساء في المنازل تنطلق إلى تنظيف المنازل بدقة عالية وتغيير ملابس الأسِرَةِ والمقاعد وغرف الاستقبال وتنظيفها وغسلها ، وتجديد ما بلي واستبداله وغالبا ما يتم طلاء المنازل بـ”النورة” وهي الجير المحروق ناصع البياض وغير ذلك من المراسيم المبكرة التي تجعل الإنسان يشعر بأجواء رمضان حتى قبل حلوله كما يتم تجديد طلاء المساجد باللون الأبيض والقباب والمنارات بالأخضر وتستبدل المصاحف التالفة بمصاحف جديدة ، وتطلى المقابر والقبور والأضرحة بالنورة البيضاء أيضا.

استعداد الأربطة العلمية
تستعد الأربطة والمنازل العلمية والتي تسمى بـ(المنزلة وهي المكان المخصص للمنصب أو للعالم أو لأسرة علمية مشهورة) ومبارز تخزين القات كذلك من خلال تنظيفها وطلائها بالأبيض ، وزيادة مصاحفها للراتب الرمضاني القرآني.
ويبدأ رمضان بالاقتراب وتتوقف المكبرات الصوتية عن الترحيب قبل حلول الشهر الكريم بليلتين ، وهنا يهرع الناس للأسواق لشراء ما يحتاجه رمضان من احتياجات ومستلزمات.
ومع إعلان رؤية الهلال ينطلق الناس إلى المساجد لأداء صلاة التراويح التي تقام هناك جماعة في المساجد باعتبارها رمز أساسي واحد اهم المظاهر الرمضانية لأبناء تهامة منذ مئات السنين والذين يؤكدون بان اللذة الإيمانية والتذوق الروحي لا يتحقق إلا بتلك العبادات والتهاليل والأذكار الجماعية التي تبدو وكأنها سيمفونية أبدية يشترك في صياغتها الجميع ويضفي التناغم الصوتي ما بين رفع الصوت وخفضه عمقا روحانيا ارتبط بشهر رمضان المبارك في تهامة تحديدا
وعلى الرغم من تعرض الذكر الجماعي للمحاربة من قبل الفرق المتطرفة من اتباع الوهابية خلال العقود الأخيرة إلا أنها ظلت شامخة بل وازدادت قوة وأصالة مع مرور الوقت.

الراتب القرآني
بعد صلاة التراويح في تهامة يبدأ معظم الناس بتناول وجبة العشاء حيث تتميز المائدة الرمضانية التهامية بمأكولات شعبية متنوعة ومن ثم التوجه إلى المبارز والمنازل العلمية والأربطة لتناول القات وقراءة القرآن، وتسمى في تهامة هذه العادة الدينية بالراتب القرآني وهي لا تقتصر على المنازل العلمية والمبارز والأربطة بل تعم المنازل العادية والمحلات وغالباً ما تكون القراءة ليس بجزء واحد فقط بل بعض الرواتب خمسة أجزاء في الليلة وبعضها أكثر وبعضها أقل، وتنتهي العادة في العشر الليالي الأخيرة من شهر رمضان، ويتم أيضاً في العشر الأواخر ختم المساجد فهناك مساجد تنتهي في ليلة العشرين من رمضان وبعضهم واحد وعشرين وهكذا حتى ليلة التاسع والعشرين حيث ينتهي تماماً الراتب القرآني، ويقول الدكتور والمؤرخ التهامي عبدالودود قاسم مقشر بأن عادة الراتب القرآني في تهامة تمتد إلى الدولة الزيادية، ويمكن أن تكون قبل ذلك، ولكن وجدت من الدول الزيادية ثم النجاحية والأيوبية والرسولية الدعم والاهتمام والرعاية وهناك أسانيد حديثة تثبت عمقها التاريخي وهي مستمرة إلى اليوم في معظم مناطق تهامة.

ألعاب رمضانية
ارتبط شهر رمضان في تهامة بممارسة عدد من الألعاب الشعبية التهامية من قبل الأطفال والشباب ومن ابرز تلك الألعاب التي تجري تحت ضوء القمر مثل لعبة (الطبا) أو (الجادية) وهي أشهر لعبة شعبية في تهامة برمضان وكذلك لعبة (الحل)وعادة ما كون هذه اللعبتين للرجال والراشدين أما الأطفال فتشتهر في رمضان لعبة (الذئب والذيًاب” و” خمد الجدي” وحالي خشيطة” و”الكشيدة الخضراء” وغيرها من الألعاب التي عادة تبدا مع تاريخ العاشر من رمضان حيث تبدا الليالي المضيئة وتستمر حتى العشرينيات من الشهر الفضيل وتضفي على أجواء رمضان الكثير من المرح والابتهاج بهذه الليالي والأيام المباركات.

العدوان وأجواء رمضان
كل هذه الأجواء الرائعة التي تصاحب شهر رمضان المبارك في سهل تهامة الغربي لا ينغصها ولا يكدر صفوها إلا العدوان وممارسات مرتزقته وأدواته الذين عاثوا في الأرض فسادا منذ وطات أقدامهم تراب مناطق عديدة في الساحل الغربي ما أدى إلى اختفاء الكثير من هذه العادات والمظاهر التهامية البديعة مؤخرا كما القى العدوان والحصار بتداعياته السلبية على كل مناحي الحياة في تهامة واليمن عموما وكان لعادات وطقوس رمضان نصيبا من هذا البلاء الجاثم على صدور أبناء تهامة الطيبين.

قد يعجبك ايضا