نُدرِّس في الجامع جميع المذاهب الإسلامية ولا نجرِّح في أحد
العلامة عبدالله حسن الراعي- مفتي الجامع الكبير في صنعاء لـ”الثورة”: الجامع الكبير .. صرح علمي كبير تخرَّج منه الكثير من العلماء
مساجد اليمن مزدحمة ولم يتقيَّد اليمنيون بما تقيَّد به العالم لثقتهم بالله الذي صرف عنهم البلاء والوباء
رمضان ورشة لتنقية الشوائب وتصويب الأخطاء.
الجامع الكبير صرح علمي تخرَّج منه الكثير من العلماء ولا زال يتوافد إليه طلاب العلم ليتعلموا العلوم الشرعية والفُتيا، له روحانية عظيمة لا سيما في رمضان المبارك، حيث يعتمد الكثير من الناس في حل قضاياهم على الفتاوى التي تصدر منه، فالجامع الكبير رغم أنه ثالث المنابر الإسلامية ودروسه تفوق دروس الأزهر الشريف، ويتم اعتماد الفتوى التي تصدر منه، إلا أنه لم يجد اهتماماً في كثير من الجوانب ولم يُعتمد كهيئة أو كأي جامعة إسلامية والخريج منه لا يعامل حتى معاملة خريج من جامعة صنعاء.. تفاصيل أكثر تجدونها في سطور اللقاء الذي أجرته “الثورة” مع القاضي عبدالله حسن الراعي- مفتي الجامع الكبير في صنعاء.. فإلى الحصيلة:
حوار/ رجاء عاطف
في البداية نود معرفة علاقة الجامع الكبير بالإفتاء تاريخياً؟
الجامع الكبير صرح علمي ومنبر عظيم تخرَّج منه أولياء وقادة وأئمة الدين والهدى، فهو أول منبر في الإسلام وفي الدول العربية بل هو ثالث المنابر الإسلامية بعد المسجد النبوي ومسجد قُبا، وكان يتمتع من قبل باهتمام كبير، وللجامع مفتٍ مولَّى من قبل الدولة محترم الجانب، مُهاب، مُصدَّق فيما يعتمده من الفتوى، وللجامع أوقاف طائلة ليست محصورة خاصة بالعلماء والمتعلمين والمُفتين الذين لهم أثر عظيم.
إن ارتباط أهل اليمن بالدين وتقبلهم للإسلام هو ارتباط فطري، ولذا عندما أرسل لهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم رسوله الإمام «علي -كرم الله وجهه» أسلموا من دون سيف ولا خلاف ولبوا نداء الله، وبلا شك أن هذا الأمر مهم فعندما يسأل اليمني من أي منطقة يمنية كانت عن مسائل أو الفرائض والعروض وفي مناح كثيرة من جوانب الدين وأنه تقرر الحكم الشرعي يقبله ولا يعترض عليه خاصة إذا صدرت الفتوى من الجامع الكبير، فضلا عن أن المُفتي يعبِّر ويُفتي بشرع الله.
الآن الكثير من طلبة العلم يتم تدريسهم في الجامع الكبير جميع العلوم الشرعية ويعلَّمون الفُتيا، لأن الدراسة النظرية لا تكفي، فهناك بعض المداخل التي لا يتنبَّهون لها إلا من تمرَّس على الفتوى وتأتي له ملكه لكثرة ما ينوبه من أمور ومداخل ومن مناحي عديدة للمسائل الواردة عليه.
المُرجَّى من الجميع أن يهتموا بهذا الجانب فالجامع الكبير مغروس بالفطرة في قلوب اليمنيين فهم أهل الدين أصلا فالإيمان يمان والحكمة يمانية.
من يُعين المفتي في الجامع الكبير؟
كان في ما سبق يعيَّن تعييناً بقرار، ولكن منذ أكثر من 30 سنة أُهمل هذا الجانب واقتصر على المفتي العام، أما الآن من يتصدَّر ويمارس الفتوى ويتعارف بين الناس فيلقبونه كمفتٍ للجامع الكبير، المُفتي في السابق كان يُعيَّن من قبل وزارة العدل لأن فتوى المُفتي المعتمد كحكم حاكم، ثم تُرك ذلك وتولته لفترة وزارة الأوقاف، والآن هناك أكثر من مُفت لكن على سبيل التطوع والتبرع طمعاً في الأجر وطمعاً في رحمة الله وفي إصلاح ذات الشأن وتبيين الحق وإزهاق المنكر.
إن شاء الله عندما تستقر أحوال اليمن يهتمون بالجامع الكبير ويجعلونه صرحاً لأنه لا يقل شأناً عن الأزهر الشريف أو غيره بل هو يفوقها بمراحل، حقيقةً (لو قارن الفقه المُقارن بين هذه المنابر لكان منبر الجامع الكبير المُبرز على جميع أقرانه وأترابه من المنابر التي تنتشر في اصقاع الأمة الإسلامية) وهو المؤمل في ظل المسيرة القرآنية، والقرآن الكريم اهتم بهذا الأمر وأيضاً لكي تنتظم المسألة وينتظم الأمر وتكون له مهابة في قلوب الناس واحترام اعظم وتيسير لمسائل الناس وهذا مهم لكثير من القضايا لأن القضاء روتينه مُعقَّد قليلاً والمرافعات تطول فيستغني الكثير ممن يحضرون إلى الجامع بالفتوى، ويفصل بينهم المفتي.
ما هي معايير مُفتي الجامع الكبير ؟
المفتي يجب أن يطلع ويعلم أن بعض المسائل واسعة وفيها مسرح عظيم، ويكون مُلماً بها حتى لو عرضت عليه مسائل يجد لها مخرجا فإنه يفتي الناس ويعاملهم بالأيسر وبما لا حرج فيه، أما المسائل التي ليس فيها مجال للاجتهاد فهي عند كل المسلمين واحدة مثل الفرائض إلا قليل منها ومثل المسائل المتفق عليها.
هلا حدثتنا عن الهوية الإيمانية في شهر رمضان المبارك؟
الهوية الإيمانية مهمة عندما يرجع الإنسان إلى دينه وأخلاقه وقيمه وصدقه مع الله، فالهوية قد ذكرها السيد عبدالكريم في كتاب “نظرية وتطبيق”، معنا نصوص عندما نترجمها في أقوالنا وأفعالنا في شتى مناحي الحياة وفي مناحينا الاجتماعية فإننا نكون بذلك قد جسدنا الهوية الإيمانية لكي لا نكون كالذين “ وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ” فعندما يتأمل الإنسان في أخلاق اليمنيين ومعاملاتهم واتجاهاتهم الاجتماعية كلها وينظرها ويُعددها ويذكرها على المنوال الشرعي فإنه لن يجد شعباً متكاملا إلا في الأمة اليمنية أصل العرب ومعدن الإسلام.
أما في شهر رمضان فحدِّث ولا حرج والكل يشهد لليمنيين إقبالهم على عبادة الله والتراحم فيما بينهم وترك الظلم وقراءة القرآن والإقبال على الرحمن وتفقد أحوال المساكين والجبهات والجرحى والأسرى، وهذه من النعم مع أنهم في ضائقة اقتصادية حقيقية كأجدادهم الأنصار الذين كان الاقتصاد في عصرهم بأيدي اليهود وكانوا محتكرين له ولما هاجر النبي لم يتعلل اليمنيون أو يتعذروا كما تعذر من تعذر، وإنما قاسموه أموالهم من تلقاء أنفسهم حباً وكرامة لرسول الله والإسلام، وهذا المُشاهد بحق في ما بين اليمنيين الذين إذا رأوا حالة يرثى لها تألموا وتأسفوا لها وحاولوا أن يسدوا العجز أو أن يقضوا حاجة صاحبها سراً وعلنا.
والمؤمل هو أن يكون رمضان ورشة لتنقية الشوائب وتصويب الأخطاء لكن بشرط أن نلتزم بذلك وأن نجعله لنا دافعاً ومُرغباً لبقية أعمالنا وأيامنا حتى لا ننحرف.
ماذا عن الأخطار التي تهدد الهوية الإيمانية للشعب اليمني.؟
الأخطار ثقافية ترد إلينا كغزو ثقافي، عندما رأى الأعداء أن الثقافة اليمنية لم يشبها ما شاب ثقافة بقية المسلمين حينما استعمروا جنَّ جنونهم ودرسوا أخلاقنا وقيمُنا واتجاهاتنا وعواطفنا، وجاءوا لنا من جهة العواطف لأن اليمنيين أرق قلوباً، وأتوا بممثلين وممثلات ومسلسلات تركية أو غربية أو هندية دخيلة على مجتمعنا وثقافتنا وحضارتنا وحتى ملابسنا وأقوالنا، وقد رأينا تغييراً في بعض السلوك وهذا أعظم تهديد لأن هذا الغزو سيدخل المنزل والأسرة والذات من حيث ندري ومن حيث لا ندري، فعلى الناس ترك ذلك لأن فيه تغييراً للأخلاق وانحرافاً للسلوك وهدماً للهوية اليمنية والتشبه بهم، وهذا من أخطر ما يُداهم الأمة.
ونتمنى من الإعلام أن يُكثف التوعية حول هذه القضايا وحلولها وأن يذكِّر اليمنيين بمجد آبائهم وأجدادهم أهل الإيمان والنخوة، كما لا ننسى أيضا دور المعلمين والخطباء والمناهج وأن يتعاونوا في ذلك.
ما هي المحاولات التي شنها الفكر الوهابي من أجل محاربة هويتنا الإيمانية وطمسها من عقول الشباب؟
حاول دعاة الوهابية من خلال المذهب الوهابي هدم الإسلام بإثارة الشُبه التي بثوها في أوساط الناس وهي خطيرة جداً لأنها تبرِّر أعمال العصاة وتؤيِّد الظالمين تأييداً مطلقاً، وفي هذا تهديم لنصوص وروح القرآن، كما حاولوا أن يجعلوا الشعب كاملاً خادماً للوالي الظالم وأن لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر، بل أعظم من هذا، معتبرين أن الحاكم العاصي لا يأثم ولا يُلام كون أعماله وتصرفاته قضاءً وقدراً بل ينسِبُون القبائح والنقائص لله ربِّ العالمين، تنزه سبحانه عن ذلك، “فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ “ حينما جعلوا مقابل المادة طمع المال السعودي والخليجي وغيره وطمعاً في السلطة رأيناه كالنار في الهشيم فإذا بالمطر يطفئها في وقت قصير لأن الحق سيبقى والحق من أسماء الله، أما أولئك فهم دعاة وأعوان للباطل ولسلاطين الظلم وطواغيت البشر، ولكن ولله الحمد هدم بنيانهم وسقط على رؤوسهم، وكما قال الإمام علي عليه السلام: “ كلما ظهر منهم ناجِ قطع الله دابرهم حتى يكون آخرهم لصوص سلابون”، وهذا هو المشاهد حيث تجدهم ينهبون الثروات ويأخذون الأموال إلى بنوك الخارج يحرمون شعوبهم ولا يبالون، المهم التغنج بالكلام والشعارات الزائفة من ملبس وقول وصلاة، لكن في الحقيقة لا يوجد لديهم عمل يرضي الله تعالى، فنراهم في زماننا يستقوون بالكافر وامتدت أيديهم له وشنوا العدوان على أبناء وطنهم وضحوا بوطنهم وكاد أن يُقسَّم لولا عناية الله الذي أيَّد هذا الشعب ودافع عنه الشباب الذين تركوا ملذات الحياة وكل ما يطمح إليه الشباب ولبَّوا نداء الله فأيَّدهم الله ورعاهم بلطفه وأنزل عليهم السكينة وشملهم بالنصر والفتح المبين وهذا لا ينكره إلا أعمى البصيرة ومن لا يُقر للحق ولا يكون إلا مع الباطل.
حدِّثنا عن روحانية رمضان هذا العام في بلادنا خصوصا أن معظم مساجد العالم العربي والإسلامي، مغلقة بسبب كورونا ومساجد اليمن هي الاستثناء الوحيد؟
اليمن هو نَفَسُ الرحمن، فأهل اليمن بشهادة النبي هم أهل الإيمان والإيمان سيبقى، فهم أهل سبق في معاملاتهم وازدحامهم في المساجد وعكوفهم على الذكر والصلوات وتلاوة القرآن وتفقَّد أحوال الناس والتراحم فيما بينهم، وأعظم من هذا كله ثقتهم بالله وإقبالهم وتوكلهم على ربهم، واعتقدوا أن لا صارف للبلاء والمرض إلا الله، وأكدوا ذلك من خلال سلوكهم ولم يتقيَّدوا بما تقيَّدت به الأمم بل مضوا في أعمالهم وتوكلوا على الله وأكثروا من الدعاء فبقوا في خير.
لو كانت لدى الكفار والمنافقين عقول لعلموا أن هذه آية من آيات الله ومعجزة تدل على أن الله على كل شيء قدير وأنه الموجود الذي أحاط اليمن وشمل أهلها بعنايته ولطفه الخفي وصرف عنهم كيد الكائدين وصرف عنهم هذا البلاء والوباء.. حاصرنا الأعداء فحاصرهم الله وأغلقوا مطاراتنا فأغلق الله مطاراتهم، وقاتلونا فجاءهم الموت من حيث لا يشعرون، وسيعاقبهم بانهيار اقتصادي وحروب ستتفشى بينهم لأنهم راهنوا على الظالم الذي اعتدى علينا، فمنهم من أخذ أموالاً مقابل ذلك وغيره وهذا ليس خافياً، فالعدالة الإلهية هي التي صرفت البلاء وسلَّطته على من قاتلنا أو أعان على قتالنا أو برَّر العدوان .
هذه الروحانية هي مستمدة من إيمان اليمنيين وتراحمهم ومن توارثهم للقيم الأخلاقية الإسلامية الصادقة الناصعة من مُعين رسول الله ومن كتاب الله وأخلاق العقول الكاملة.
ماذا عن المائدة الرمضانية في الجامع الكبير؟
كانت دائما في رمضان قبل سنوات تُقام حلقات كثيرة في الجامع لتناول الإفطار، وكان الوالد عبدالله الشمحزي عافاه الله قائماً على مائدة إفطار للمساكين حيث كان أكثر من 300 شخص تصلهم وجبة كاملة، لكن ذلك توقف الآن بسبب العدوان أو بسبب قلة المادة، لقد كان حسنة طيبة لكثير من المحتاجين، حيث كان يحضر أكثر من 100 شخص إلى الجامع وتفرش لهم مائدة بعد صلاة المغرب من جهتين بطول الصوح الغربي للجامع ويأكلون من ما لذَّ وطاب، وكذلك الموائد في حوش منزل الوالد الشمحزي والتي كانوا يضعونها من الساعة 10 إلى بعد العصر ويأتي أكثر من 300 شخص محتاج لأخذ وجبة كاملة.
وإن شاء الله سييسِّر الله من يتولى هذا الأمر، فهمي نعمة كبيرة للمقتدر والسعي في هذا هو دواء وشفاء لأن النبي صلى الله عليه وآله يقول» داووا مرضاكم بالصدقات»، خاصة عندما تصل الصدقة إلى المحتاجين دون أن يعملوا من تكفَّل بها وهم يدعون له بظهر الغيب وهذه أخلاق المتصدقين الطامعين في رضا رب العالمين ونيل الأجر العظيم سيما في الشهر الكريم.
لم نكن نعلم من هم المتبرعون في المائدة الرمضانية وكل شيء متوفر لكنها انقطعت، ولو يعلم التجار لتزاحموا وتنافسوا لأن الناس معتقدون في الجامع الكبير ويتمنون أن تكون لهم يد بيضاء فيه أو في مد يد الخير للمحتاجين عن طريقه، وهم فقط يتمنون أن تكون اليد التي تزاول ذلك أمينة كما كانت سابقاً.
سلوكيات خاطئة
ما السلوكيات التي قد تُفقد الصائمين الأجر والثواب في شهر رمضان؟
تكثر في رمضان بعض من شتات الأخلاق وكثرة الحِلف وكثرة النزق والتلفظ بألفاظ غير لائقة أو رفع الصوت بما لا يحتاج إليه أو المضاربة أو المخاصمة بين الأسر أو بين الزوجين أو بين الناس، وهذا ما نراه، وهي أخطاء يمكن أن تعالج إذا تمت توعية المجتمع وإن شاء الله تصلح الأعمال والسلوكيات السيئة، فالنبي جاء إلى قوم جلفاء غلاظ الطبع يعبدون الأصنام ويئدون البنات لكن عندما علم الله صدقه وصبره أخرج أمة حضارية لا مثيل لها إلى يوم القيامة.