وباء التهويل وسلبية الإعلام !

 

جمال الظاهري

ليس الكورونا أول الأوبئة التي تصيب الجنس البشري ولن يكون آخرها, وسيكون هناك فيروسات ونكبات وحروب ومتاعب أخرى للبشرية ما دامت الحياة مستمرة والتدافع والصراعات والنشاط الإنساني قائماً ومتجدداً, هذا هو أساس مرتكز الوجود والبقاء للجنس البشري ولكل ما هو حي ويخضع للثنائية القطبية- سالب وموجب – خير وشر، حياة وموت، داء ودواء, جهل ومعرفة وووو الخ.
بالتأكيد الإنسان سيد المخلوقات والأقوى تأثيراً في حاضر ومستقبل هذا الكوكب وكل ما يعيش على أرضه, ومن هذا الإدراك لسنة الخالق واستخلافه لبني أدم الذي قبل تحمل الأمانة لما ميزه الله به من عقل عن بقية مخلوقاته, أتت أهميه الوعي وقدرات الإنسان المتطورة التي يعول عليها في مجابهة تعقيدات الحياة ومصاعب السلامة والبقاء على هذا الكوكب.
في هذا المقال سنمر سريعا على موضوع الساعة وما صاحبه من تهويل إعلامي نستعرض الحدث ونخضعه للموضوعية والعقلانية في التعاطي مبتعدين عن تجاهل الثابت فلا نهون ولا ننكر وفي نفس الوقت مستفيدين من المعارف ومتعاطين معها بما تستحق بعيداً عن التهويل الإعلامي الذي قد ينتج عنه اثر سلبي, خاصة مع قضايا كبيرة تتعلق بنشاط وحياة الناس.
تطور وسائل الاتصال والتقنيات الإعلامية الرقمية وتيسرها وسهولة استخدامها أمر إيجابي ولكن سوء استخدامها وعبثية من ليس لهم علاقة بهذا النشاط جعل الأمر فوضويا وبعيدا عن الموضوعية إلى حد ما.
كورونا هذا الوباء العالمي – حسب وصف منظمة الصحة العالمية – وما يضخ من أخبار عنه وعن سبل مواجهته وعن الإجراءات والتدابير التي اتخذتها الدول والحكومات, والمبالغ المالية الضخمة التي رصدتها لمواجهة فيروس لم يبلغ عدد ضحاياه الـ 5% من ضحايا المجاعات أو فيروس الأنفلونزا العادي وغيرها من الأوبئة أمر يستدعي الوقوف والتأمل ويحتاج إلى مختصين للشرح وتوضيح ما التبس وأيضا لتبرير كل هذا الهلع والهوس والضجة الكبيرة التي أثيرت حول هذا الفيروس.
المتلقي بحاجة إلى فهم أسباب ومبررات إغلاق مطارات وموانئ وإيقاف عجلة الإنتاج في العديد من المصانع والشركات العملاقة, ومنع العديد من الأنشطة اليومية المتعلقة بحياة ومعيشة الملايين من البشر والخسائر الكبيرة التي أصابت الاقتصاد العالمي.
لقد غلب المشهد الاستعراضي على الطرح الموضوعي والواقعي مشاهد كهذه رأيناها أيام حرب الخليج الأولى والثانية وفي أفغانستان وكذلك عندما أراد الساسة استغلال وتوجيه الحدث لخدمة أهداف غير إنسانية وغير أخلاقية, لقد عايشنا ذلك في أحداث 11دديسمبر واستهداف برجي التجارة العالمي ورأينا كيف تم تهويل خطر القاعدة وكيف عمل الإعلام على شيطنة قادة ونظم بعض الدول.. بحيث انحرف مسار التقصي عن الحقيقة وعن المذنب ووضف الحدث لتنفيذ مشاريع سياسية كانت قد أعدت سلفا.
بالمقابل هناك وسائل إعلامية وصحفيين محترمون وناجحون في تعاطيهم مع الأحداث فلا هم ممن يقللون من خطورة الحدث ويتعاطون معه بسطحية, ولا من أولئك الذين يهولونه ويصنعون حوله هاله مفزعة مبنية على زيف أو معلومات مغلوطة أو تقارير مصادرها غير معروفة ولا ترقى إلى الموثوقية فتكون النتيجة إصابة الناس بالذعر والقلق وفقدان الثقة.
ما الذي نشاهده هذه الأيام؟ قنوات ومراسلين مهمتهم سوق الناس إلى مراحل الاضطراب والارتباك والتأثير على مسار حياتهم اليومية, هذا المراسل يظهر على الشاشة بالقناع الواقي من الفيروس وذاك ينقل ويتتبع الإحصائيات ويحللها ويخلص إلى نتائج مبنية على فرضيات وهواجس شخصية وهذا يأتيك بخارطة انتشار المرض أو بأرقام تصاعدية للمصابين ومن فقدوا أرواحهم وووو الخ, فيما الأمر لا يحتاج إلى أكثر من تصريح لمصدر رسمي وتفاصيل من مختص وإرشادات أولية ثبت جدواها لمكافحة الفيروس من منطلق إنساني موضوعي وكواجب يساهم به الصحفي ووسيلته الإعلامية في خدمة الإنسانية أو مجتمعه.
يجب علينا التنبه لخطر المبالغة والتهويل وانعكاسه السلبي على الناس لأن صناعة التهويل أيسر وأسرع في الانتشار وبشكل أوسع من التطمينات وما تحتاج إليه من البيانات الموثوقة التي يواجه الصحفي في سبيل الحصول عليها الكثير من العراقيل والعقبات, ولأنه ومع توسع وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي وسهولة استخدامها صار الدخلاء على المهنة الإعلامية الرقمية بالذات أضعاف أضعاف المتخصصين.
عقبات أخرى يجب مراعاته فلسوء طالع جيل اليوم تخلى عدد كبير من مؤسساتنا الإعلامية وصحفيوها عن القيام بدورها الاجتماعي، وقليلون جدا هم الذين يتعاملون مع الأمر بوضوح ومصداقية، الأمر الذي أتاح المجال للأدعياء على حساب الخبراء الذين كانوا أحق بتصدر المشهد, وفي توعية المواطنين وتقديم الإحصائيات الرسمية ومقارنتها واستخلاص النتائج وتحديد الأدوار والإجراءات المطلوبة للمواجهة الخطر.
من هذا المنطلق نطالب بدور رئيسي واكبر للجهات الرسمية والوسائل الإعلامية الحكومية لأنه ليس بمقدور احد بيع سلعتين متناقضتين لاستخدام واحد .. التهويل والتطمين، الموت الأكيد والغياب التام للخطر.

قد يعجبك ايضا