من أراد قتلي ما أردتُ حياته
العلامة/سهل إبراهيم بن عقيل
هو مثلٌ عربي يتجسد على الواقع، وما يتجسد على الواقع لا يمكن أن يُغطّى بكلمات واحتفال، ومن رماني بسهام الموت والخبث الليئم الذي ليس له نظير حتى في الحروب الهمجية عبر التاريخ؟! هذا دون سبب جنيته في حقه، أو حق غيره، وإنما هو تواصل لحقد وأحلام مريضة في نفسه اللئيمة، وهذا لن يمحوه احتفال بقدوم عام جديد ومضي عام غابر، فصور الآباء والأمهات والإخوة والأخوات والأبناء والبنات والزوجات والعمات والصديق وابن العم، وحتى الحيوانات واستهداف الأسواق وغيرهم وغيرهم.. موجود في كل شارع وفي كل بيت وفي كل صحراء ووادٍ، هي شاهدة ناطقة بفصيح العبارة بالعمل قبل اللسان على من يريد قتلي ومحوي من الوجود باستجلاب الجيوش من الأجانب والأقارب العقارب ومنظمات تخريبية وأسلحة لم يستعملها المتقاتلون حتى في الحرب العالمية الثانية، وإنه لن يمحوها “الكريسمس” وغيره من الكريسمسات التي يحتفلون بها، فقد أصابهم الفيروس المرضي أن ذلك قد يمحوه ما كتب في الصدور والقلوب حتى في النقش الحجري الذي لا يُمحى وله مئات السنين متجسد أمامنا تاريخاً.. وإن ذلك أعظم من هذا، فعلى أولئك أن يندبوا وطنهم وأهلهم وأسواقهم ومواشيهم وشجرهم وحجرهم قبل الاحتفال ليكون الاحتفال على صفحة التسامح والمساواة للقلوب المكلومة.
كما أوضحنا في السابق أن من يريدون التصالح مع أولئك الذين تسببوا بهذه المآسي العظيمة لأمتهم وأبناء جلدتهم أن يلحقوا بأسلافهم السابقين في خزانة الخيانة، مكتوبة على وجوههم وصدورهم وعقولهم.. وعليهم أن يكتبوا وصاياهم أن يُدفنوا جوار قبر “أبي رغال” حتى يُخلدوا في التاريخ.
“لماذا ثُرنا؟”
نحن ثرنا ليمتلك الإنسان حريته ونفسه وكرامته ومقدراته، لقد كنا بالأمس القريب عبيداً لغير الله في أنفسنا ومقدراتنا وعقيدتنا، لا نستطيع أن نتصرف بشيء ولو بكلمة إلا أن تكون سلبية، تجهيلاً وخنوعاً وتزلفا واستكانة، نضع أنفسنا وعقولنا تحت أقدام أعدائنا حتى أنهم يسموننا الحديقة الخلفية لقصورهم، حتى على مستوى كل الدرجات، وكل حُرٍّ يجب أن يُلجم أو يُعدم، بأي طريقة كانت، “تعددت الأسباب والموت واحدٌ” حتى أن “فايرستاين” السفير الأمريكي السابق الذي هرب من صنعاء بعد دخولها كان يتدخل حتى على مستوى تعيين المفرشين والمؤذنين في المساجد، وكل شيء في اليمن تحت تصرفه .. عملاءٌ كثر، لا يعصون ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وهذا شأن الملائكة في طاعة الله، ولكنه شأن أحذية الأراذل الذين من فوقهم، لا يعصون ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون في كل صغيرة وكبيرة على مستوى جميع أجهزة الدولة بجميع فروعها وإداراتها، لا نملك من إرادتنا شيئاً.
لكن اليمني لن يكون ولم يكن كغيره من مواطني الجزيرة العربية الذين هم في كل شيء تحت أحذية أمريكا هم في أنفسهم أحذية مهترئة لا بقاء لهم إلا ببقاء أسيادهم يدوسون على رقاب الأمة العربية والإسلامية في كل الجزيرة العربية.
كانت الصرخة فأزعجتهم ونفخت في العقول والنفوس دبيب حياة الإنسان، فأحيته من موته ومن سباته، فأزعج ذلك “فايرستاين” وعبيده سواء في اليمن أو في عموم الجزيرة العربية أو العالم الثالث، فحسبوا لها حسابها وبدأوا يعدون لها العدة، وتمت الأدوات من قبل 2003م استعداداً للقضاء على كل انتفاضة، وما كانت الحرب سنة 1994م إلا باكورة واستعداداً لهذا العمل الذي هيكل كل مقدرات الشعب اليمني في جميع المجالات حتى لا تقوم له قائمة.
إن الخوف لم يبدأ في سنة 94م أو في أعقابها، ولكنه كان منذ عقود سبقت في قيام ثورة أجهضت بالاستعمار المصري والاستعمار السكسوني البريطاني، وكان ما كان في سنة 1967م، وما أعقبتها من مؤامرات قبل الوحدة وبعد الوحدة يطول شرحها، رغم ذلك أثمرت وخطت طريقا أمام الشعب اليمني في استكمال وتصحيح ثورة 2003م في صعدة والتي أينعت وأثمرت وصحَّحت مسار الثورات السالفة جميعها في سنة 2014م عند دخول صنعاء وانحسار الحزبين “المؤتمر والإخوان”، ولكن الخطر ما يزال قائماً ونعيش آثاره الآن في معاناة لا تخطر على بال، دولية ومحلية ومن دول الجوار.
هنا نقول بفصيح العبارة: إن ثورة 2003م في صعدة أينعت وترسخت، ولها الأثر الفاعل، سواءً في الجزيرة العربية التي نحن جزء منها أو في العالم العربي مشرقه ومغربه أو في ما حولنا من الدول سواء في القرن الأفريقي أو غيره.. ريحُ حياة هبَّتْ إلى صدور العامة وعقولهم بتفعيل النقاط الخمس “الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام” حتى وصلت إلى غير الدول العربية والإسلامية في كل أنحاء العالم وترددت صوتا وعقيدة في عواصم الدول الاستعمارية وغيرها.
ومن هنا يجب أن نكون واقعيين فيما يقع لنا ويقع حولنا من تفعيل هذه الثورة الشعبية، التي قلبت الموازين وفتحت أبواباً لا يمكن سدها، حتى أصبح الشعب اليمني قبلة يُنظر إليه بعين الإجلال والإكبار لصموده الأسطوري، في مدة لا يستطيع أحد أن يصمد خلالها مع قلة الإمكانيات وتكالب التحالفات واستجلاب الجيوش والمخربين والمنظمات التخريبية التي يطول ذكرُ أسمائها، من كل أنحاء العالم، وشراء الضمائر في الداخل والخارج.. ولم يفلح هذا الزخم الكبير في أن يطفئ النور الذي أضاء في النفوس والعقول.. ومن هنا سنحت الفرصة الأخيرة لامتصاص كل المقدرات للأمة العربية والإسلامية من قبل الدول الاستعمارية، لأنها تعي تماماً أن لا بقاء لها على الخريطة التي كانت عليها من قبل 1945م وبعدها، التي زرعت – لا نقول في الجزيرة العربية وحدها بل في كثير من دول العالم الثالث- زرعت سلاطين وملوكا على مستوى الخريطة في كثير من أنحاء العالم.
إن ما زرعته من خرائط سواء في الشرق الأوسط أو في أي مكان هو الآن في طريقه إلى الزوال، إذا نظرنا إلى ذلك بعين الواقع، نرى الآن أن التقنية، مهما كان نوعها صغيراً أو كبيراً أو غير ذلك، لم يعد حكراً على دول الاستعمار القديم ويمكن تفعيله، وهذا سيكون، والحاصل الآن في قلع الأسباب والمصالح والعملاء لهذه الدول.
إن الخريطة الجديدة للعالم ستتبدَّل خلال عقدين على الأكثر من هذا القرن.
مفتي محافظة تعز