خيالك .. يلهو مع تمرّده

 

محمد القعود

1
أمنح خيالك علقةً ساخنة ، وحذّره من مغبّة اللعب في الشوارع والمشاغبة على أرصفة وحواري المدينة ، ومن اللهو والصخب في الأماكن والميادين العامة، ومن المشاجرات والنقاشات الحادة في المقاهي وأمام أفران الخبز وفوق ” باصات ” الأجرة ، ومع الأغبياء هواة الثرثرة وتسويق الأراجيف والأكاذيب المتبرّجة .. وذلك حتى لا يدرج في خانة المستهترين بالغباء العام والجهل الجائل ، وحتى لا يصنّف في قائمة المارقين على الظلام والخارجين عن عقلية القطيع ، والمشككين في المستقبل الضائع ، والهازئين بالخرافات المجمّلة بصفاتٍ عقيمة وذابلة..
وحتى لا تفسّر ولا تؤَّول أفعاله وتعابيره وأقواله بأنها خادشة للنظام ومسيئة لمناخ الوضع السائد ، ومنافية للتقاليد الباهتة، ومتحدية للنهيق والزعيق والنعيق العام .. ومضادة لهيلمان الغبار .. وحتى لا يقال إنك لم تحسن تربيته ، وتنشئته ، وأنك غير مهتمٍ بسلوكياته المزعجة ، وغير مهتمٍ أيضاً بحماقاته وتصرفاته أمام الجميلات العابرات..!!

2
* خيالك الشقيّ ألجمه قيلاً..
اقرص أذنيه، وقطّب جبينك أمامه.. وصبّ عليه غضبك .. ودعه يجلس في البيت، دونما خروج أو نزهة، أو تنزه، أو الذهاب إلى أي محل للحلوى أو الألعاب ، وامنعه من الالتقاء بالأصدقاء، أو السهر واللهو مع رفقته المحببّة .
لقنّه درساً في اللياقة واللباقة والحذاقة ، وكيفية التعامل مع محيطه، وعلّمه كيف يراعي مشاعر الآخرين ويجلّ ويحترم صمتهم، وانشغالاتهم وانهماكهم بتأملاتهم، واستغراقهم مع ذواتهم، وحديثهم مع أعماقهم وأشجانهم، وأطياف ذكرياتهم.

* خيالك الشقي..
لم يعد يلتزم بحدود الخيال، وبتقاليد عائلته الموقرة، ولا بسيرة أسلافه، ولا بالمهام والأدوار والواجبات، والوظائف التقليدية والمتوارثة والمعروفة التي كان يقوم بها الخيال وسلالته وقبائله.. ولم يعد يخشى لومة لائم، ولا عتاب قريبٍ، ولا نصيحة محبٍّ، ولا تنبيه أي عابر أو مجاور. ولا يهاب من أي كائنٍ، ويأخذه الغرور بنفسه إلى حد السخرية من كل شيء ، وتسفيه كل قولٍ ورأيٍ وتلميحٍ يقصده، ويجمح كلما اشتعل عنفوانه ، وحلقّ به في كل مدار واتجاه وأفق.

خيالك الشقيُّ..
صار حكاية تتداولها ألسنة الشغب، وتلهج بها دوائر الظنون، وترتاب في دوافعها ومراميها هواة السلطات ومدمنيها.
كما صار حكاية تلهم رواد الملل وتغري كل حاملٍ وذابل وعاثرٍ على الانطلاق نحو بداية جديدة، ورحلة محفوفة بالدهشة، ومغامرة مختلفة نحو مختلفٍ جديد، وخطوة غير مألوفة في طرقٍ غير مطروقة.
خيالُك العابث منذ شبَّ عن البراءة الطفولية، وهو يفتح الأبواب المغلقة ويريق أسرارها وما يعبق خلفها من قصصٍ ووقائع وعطور.. ويتلذذ بالكشف عن كل ما هو مستورٍ، ومتوارٍ ومخبوء خلف صفات وكنُى ومجازات تفيض بالمتع والريبة والسطوة.
يقتحمُ ما لا يعقل، ويرسم مشاهد ووقائع لم تخطر على بال أي خيالٍ من أسلافه، ويعد سيناريوهات مروعة، لأشياء وكيانات وشخوص وأزمنة وأمكنة متعددة، بما يجعل المنطق يحيل نفسه إلى التقاعد المبكر..
ها هو خيالك يقلبُ الطاولة في وجه الجميع.. وبغرور مراهق، يستعرض عضلاته، وقدراته الفذّة على ترويض كل ما هو محال وغير معقولٍ وما هو في أقصى درجة الجنون واللا متوقع..!!

3
* ها هو خيالك الشقيّ والفوضوي يوشك على أخيلة المدينة، وأخواتها، وإغواء يماماتها والتغرير بمجاميع وأسراب جمّة من غزلانها وأقمار نوافذها المتوارية خلف كنايات التنهيدات العابرة لحواجز الحرمان والفاقة والكبت والانتظار.
إنّهُ يوشك على إشعال حرائق كثيرة في دفاتر الحالمين، وغابات الوله وحدائق الأماني، وأزقة الظمأ، وبيوت الياسمين، ومسارات الوقت، وخبايا الأمكنة، وظلال اللغات والمعاني المخاتلة.
إنّهُ يقوم بأعمال وتصرفات تلجم الدهشة، وتجعل الأسئلة عالقة ومعلّقة بين مهاوي الصمت..
ها هو يستمتع بمشاغبة الجنون وإيقاظ الفتنة النائمة، وها هو يسعى إلى تغيير المعاني والمفاهيم والثوابت المعتادة والمعتمدة والمتوارثة، وإعادة ترتيب وتعريف ما لا يعقل ، وما لا يتصوّر..!!
إنّهُ يورطك في قضايا ومشاكل وخلافات لا طاقة لك بها..
فهلاّ منحته علقة ساخنة لعله يهدأ .. ويخفف من طيشه .. حاول .. لعلك تدركه قبل أن يتعبك التعب الكبير وقبل أن يقود ثورة شاملة وطاغية ضدك وضد كل ما حولك ..!!!!

قد يعجبك ايضا