قراءة تحليلية/شكري الحذيفي
غيَّر منتخبنا الوطني لكرة القدم قواعد الحساب حين أوجد قانونا حسابيا خاصا به في بطولة خليجي 24 بالدوحة القطرية ..فبرهن بما لا يدع مجالا للشك أن (3 + 6 + 0 = 1)!!
ففي المباراة الأولى تلقت شباك سالم عوض ثلاثة أهداف إماراتية وأتبعها القطريون بالستة واختتم منتخبنا مباراته الثالثة بصفر من اهداف له وعليه، لتكون المحصلة النهائية نقطة وحيدة بلا هدف.. وعاد منتخبنا ليحرز لقبه أقرع اصلع الفريد ((أبو نقطة))..ويردد:
أضاعوني وأي “منتخبٍ” أضاعوا….ليوم “بطولة” بهدف دبلكيك..!!.
كما كان متوقعاً من كل متفائل ومتشائمٍ ،فإن منتخبنا الوطني خرج من البطولة الخليجية مبكراً دون أن يترك بصمة جيدة, وإن كاد في المباراة الثالثة أن يُحِدث مفاجأة لأسود الرافدين بالفوز أو التوقيع على هدف يؤكد حصول يقظة متأخرة للأحمر اليماني أو الظهور المشرف الذي كانت تتأمل حدوثه الجماهير الرياضية المتعطشة ..لكن خابت الآمال في استنساخ المشاركة الجميلة له في خليجي 22 بالسعودية ،حين تشكلت شخصية المنتخب بقيادة المدرب التشيكي ميروسلاف سكوب ،حيث أشعرت نسخة منتخبنا قبل سبعة أعوام المنتخبات التي لعب معها ـ ومنها المنتخب السعودي المستضيف ـ بأنه لم يعد جسراً للعبور ولم يحضر لتكملة العدد ..ففي هذه البطولة كانت المحصلة الخسارة الثقيلة من قطر في المباراة الثانية بأكبر نتيجة بسداسية نظيفة أصابت جميع جماهير الكرة اليمنية بالوجع الكبير..وقبلها من الأبيض الإماراتي المتواضع في المباراة الافتتاحية بثلاثية والخروج بنتيجة صفرية في أفضل مبارياته الثلاث رغم تحسن مستواه الفني والتكتيكي ..
سنحاول هنا تحليل بعض الأسباب التي أثرت على منتخبنا ليخرج بنقطة يتيمة وخالياً من السجل التهديفي من خلال الرؤية التحليلية التالية:
الإرهاصات والإرث والعُقدة
دائماً ما نحتاج إلى معرفة العوامل التي أفرزت هذه النتائج لنتأكد هل هي طبيعية ولماذا تتكرر نتائج هذا المنتخب الأول بصورة سيئة وجالبة للقهر؟.. فإذا استبعدنا العامل الذي يحضر بقوة عند تبرير الخسارة وهو عامل العدوان, فإن هناك بالتأكيد أسباباً أخرى إدارية وفنية هي التي أثَّرت بصورة سلبية جداً على المنتخب وجعلته ينهار منذ البداية.
عُقدة متوارثة
ربما كان منتخبنا الوطني الأول لكرة القدم ـ الذي تم تشكيله لخوض استحقاقات كأس آسيا ومن بعدها بطولة خليجي 24 في قطر ـ يعاني عقدة متوارثة ومكتسبة من النسخ التي سبقتها ..وهو المنتخب الأكثر تعرضاً لانتقادات الصحافة والعامة والجماهير الرياضية في الداخل والخارج التي تشعر بالفارق الكبير في العطاء والثقة والمهارات والجوانب الفنية الأخرى وحتى في النتائج الممتازة والجيدة جداً والفروق بين لاعبي منتخباتنا الوطنية للفئات العمرية (براعم, ناشئين, شباب) وبين لاعبي المنتخب الكبير الذي لم يستطع سابقوه ولا لاحقوه تخطي العقبات وصولاً إلى نهائيات كأس آسيا باستثناء البطولة الفائتة 2018 / 2019م التي تخطى فيها المنتخب قنطرة التأهل إلى النهائيات, بمساعدة الرؤية الجديدة للاتحاد الآسيوي المتضمنة توسعة عدد المتأهلين إلى 24 منتخباً بدلاً عن 16 منتخباً.
فلاعبو المنتخب الكبير مروا بمراحل جيدة مع منتخبات الفئات العمرية لكنهم حين انضموا إلى هذا المنتخب تأرجحت مستوياتهم وتذبذبت نتائجهم وأصيبوا بداء الالتحاق بالمنتخب الأول الذي أصابته عقدة النقص والشعور بالدونية أمام المنتخبات الآسيوية كافة ومنتخبات الخليج خاصة.. ناهيك عن أن التذبذب والتأرجح لاتحادنا اليمني لكرة القدم في المشاركة والاعتذار عن عدم المشاركة في دورة الخليج التي تستضيفها الدوحة كما كان مقرراً انطلاقها من 24 نوفمبر وحتى الـ6 من ديسمبر انعكس على المنتخب فأصيب بالتأرجح هو أيضاً ..فالعامل السيكلوجي النفسي بأهمية المشاركة وعدمها وإمكانية المشاركة وخروج الأنباء بإعلان الاتحاد اليمني المشاركة وحضور أمينه العام القرعة ومن ثم إعلان الانسحاب من المشاركة والتخبط ثانية وثالثة تبعاً للقرار السياسي الجمعي للتحالف أربك الجهازين الفني والإداري أيضاً ومعهما اللاعبون (سنلعب خليجي ..لا لن نلعب) ..فالجانب النفسي للاعبينا غير مهيأ منذ البداية إلى أن فاجأ الثلاثي السعودي والبحريني والإماراتي الجميع برغبتهم في المشاركة وانخرط معهم اتحادنا وعاد إلى المشاركة التي تم تأجيلها يومين لتنطلق البطولة من 26 نوفمبر إلى 8 ديسمبر الجاري..هذا أيضاُ عامل له تأثير سلبي في الاستعداد والجاهزية النفسية للاعبين.
جمود وخمول في الجهازين الفني والإداري
لعلَّ من الأسباب التي يمكن اعتبارها رئيسية باعتبار ما آلت إليه أحوال المنتخب الوطني في كأس آسيا أولاً وفي بطولة خليجي 24 تالياً هي العوامل الفنية والإدارية من مسؤولي الاتحاد اليمني المباشرين الذين كان ينبغي عليهم الموافقة على الاستراتيجية والجدول الإعدادي للمنتخب الأول لخوض استحقاقات كأس آسيا والتي سيقدمها الجهاز الفني بهذا الخصوص ..لكن من الواضح -وهو المؤسف- أن لا شيء من هذا حدث, فالجهاز الفني بقيادة المدرب سامي نعاش- كما أوضح لنا في تصريح خاص عقب الخروج من الدور الأول من بطولة الخليج -أنه وضع جدولاً بمباريات ودية للمنتخب قبل كل مباراة يخوضها آسيوياً ومعسكراً مقترحاً لإبقاء المنتخب في جاهزية تتناسب مع كل منتخب سيلاقيه، غير أنه أفاد بأنه اصطدم بصعوبة تحقيق ذلك وإقامة المعسكر الإعدادي بحكم افتقاد الاتحاد للدعم الحكومي اللازم ….إلخ من المبررات التي حرمت لاعبي منتخبنا من الدخول في معسكرٍ يمنحهم الجهوزية لخوض بطولة خليجي قطر كون الاتحاديين أنفسهم غير متأكدين أصلاً من المشاركة وعدم المشاركة.. وأكد نعاش أن اللاعبين افتقدوا محفزات وشعروا بأنهم لا يحظون بالاهتمام والرعاية من الجهات الرسمية والخاصة والاتحاد، لأنهم لم ينالوا أي تكريم عقب تقديمهم مباراة ممتازة وتعادله بعد أن كان متقدماً بهدفين مقابل هدف في بطولة آسيا أمام المنتخب السعودي المتكامل فنياً والمستقر في كل ظروفه ..فيما كانت أنواع التكريمات الرسمية والخاصة تطال منتخبي الناشئين والشباب، فانعكس ذلك عليهم بأن النتائج الإيجابية التي سيحققونها لن تدفع أحداً ليكرمهم ولو بالإشادة وهو ما أُثر على أدائهم لاحقاً في المباريات بكأس آسيا وخليجي 24، وبالنظر إلى النتائج المخيبة والانتكاستين المتتاليتين في مشاركة منتخبنا أمام الإمارات وقطر تحديداً فإن الجهاز الفني أرجع ذلك إلى أنه إفراز طبيعي لمنتخب متأثر بنتيجته أمام أوزبكستان القوية على ملعبها.
مصيبة “الدبل كيك”
كان هدف الدبلكيك الذي سجله مهاجم منتخبنا محسن قراوي في مرمى السعودية قد أسعد جماهيرنا الكروية لجماله وروعته وكونه حاز على أفضل هدف في تلك الجولة، وتحول التهويل بنتيجة التعادل مع الإخضر السعودي إلى مصيبة على لاعبينا، إذ بالغوا في الشعور بثقتهم في تخطي منتخب أوزبكستان خاصة بعد فوز منتخب فلسطين عليه بهدف لكنهم تفاجأوا بخماسية مسحت إنجازهم وتسببت في الإجهاز عليهم معنويا وثقة في بطولة خليجي 24.. فالغرور تمكن منهم حينما بالغت الجماهير في الاحتفال بالهدف الدبلكيك حتى دخل اللاعبون مباراتهم في طشقند بثقة مفرطة بأنهم سيحصدون النقاط ويسجلون أهدافاً فكانت الكارثة والفاجعة التي تداعت تبعا لها النتائج في خليجي.
غياب التكريم
أما النعاش المدرب فاعتبر أيضا أن تغاضي الجهات الرسمية قبلها عن التحفيز قد تسبب في انحدار المستوى وتراجع أداء اللاعبين بعد ظهورهم القوي أمام السعودية في بطولة آسيا.. غير أن الحقيقة هي أن الوضع الفني تراجع تكتيكاً وأداءً وانقلب رأساً على عقب ..واستمر الانحدار تنازلياً في المشاركة الخليجية بعدما تراجع مستوى المنتخب بأكمله فطغت الفردية على عناصر المنتخب كما تسببت أخطاؤهم الفردية في تسجيل الأهداف علينا .. وربما أثَّر غياب المهاجمين محسن قراوي بسبب الإصابة وأيمن الهاجري ومعهما علاء الصاصي واعتماد المدرب خطة دفاعية غير محكمة فد تكتلت مع العوامل الأخرى وتعاضدت لتجتمع كلها ضد منتخبنا الوطني الذي كان بإمكانه تقديم مباريات أفضل مما رأينا وتابعنا ونتائج أقل كارثية ..فالمدرب اعتمد على الحارس سالم عوض الذي تلقى في مباراة واحدة ستة أهداف أربعة منها من خارج المنطقة لم يحسن التعامل معها ولا التموضع عندما سدد القطريون عليه فسكنت الشباك وبدا مهزوز الثقة بنفسه، فاستغل القطريون ذلك وأثخنوا جراح منتخبنا بالستة ..أما النقطة التي جلبها منتخبنا في المباراة الثالثة, فلا يمكن أن تكون بسبب تراخي المنتخب العراقي, بل كون العراقيين قد تأهلوا وأراحوا لاعبيهم الأساسيين, إضافة إلى الطرد المبكر للاعب المنتخب العراقي الذي لعب مباراة كاملة ناقص العدد وهو ما أتاح لمنتخبنا أن يظهر مختلفاً عما وجدناه في المباراتين الأوليين ففشل في خطف النقاط الثلاث أو تسجيل هدف شرفي في البطولة.
ويعتبر أحمد السروري وعمر الداحي أفضل لاعبين يمنيين في المنتخب فقد ظهرا بصورة جميلة ولم يفقدا إمكاناتهما أو مستوياتهما خلال البطولة الخليجية فيما تذبذب مستوى اللاعبين وتأرجح سالم عوض وترنح في مباراتنا أمام العنابي بصورة غير معهودة منه وعاد المنتخب بصورة متزنة أمام العراق بالحارس محمد إبراهيم عياش…فإذا كانت تقديرات الجهاز الفني بالمراهنة على الكبير سالم عوض مجازفة جلبت تسعة أهداف ،فقد جلبت لجماهيرنا الكروية القهر وأثبتت أن منتخبنا ظالم مظلوم يردد: “أضاعوني وأي منتخب أضاعوا …ليوم بطولة بهدف دبلكيك”.