طبيعة اتفاقية اليمن المتوكلية مع بريطانيا عام 1934م

 

أنس القاضي
في بحثنا للتاريخ اليمني، ونحن قلب صفحاته الثورية، نستمد الصلابة لمواجهة التحديات الاستعمارية والعدوانية في العصر الراهن، وفاءً لنضالات شعبنا اليمني الطويلة، وتضحياته الغالية.
وفي مواجهة العدوان الخليجي الغربي الراهن، يُحاول بَعض من استطاب لهم القعود في موقع الحياد، أو التواطئ، ان يبرروا خيانتهم الوطنية بالبحث عن سند تاريخي يدعم موقفهم الخياني.
كثيرة هي المغالطات التاريخية التي يُحاول المتواطئون مع العدوان ان يستروا بها سوء موقفهم، ومن هذه المغالطات التاريخية التي تسيء لنضالات الشعب اليمني، القول بأن الإمام يحيى حميد الدين عقد اتفاقية مع بريطانيا أباح فيها استعمار الجنوب، وهم يُشيرون إلى اتفاقية عام 1934م
وهذه الاتفاقية لم تعطي أي حق لبريطانيا في احتلال الأراضي اليمني ولم ترسم أي حدود، بل جمدت الوضع القائم مؤقتاً. ومن أجل فهمها، يجب فهم سياقها التاريخي وتحليل مضمونها. السياق التاريخي لاتفاقية عام 1934م بين حكومة اليمن المتوكلية والإدارة الاستعمارية البريطانية:
جاءت اتفاقية عام 1934 بعد هزيمة اليمن في حرب 1934م التي خاضتها في مواجهة السعودية المدعومة من الانجليز.
في هذه الحرب كان ابن سعود يهدف إلى إلحاق اليمن كلها بدولته، ولم يدخل الحرب فقط من أجل احتلال جيزان ونجران وعسير.
وهذا ما ذكره المؤرخ اليمني الدكتور محمد علي الشهاري في كتابة «المطامع السعودية التوسعية في اليمن».
يقول الشهاري «ولقد شهد عام 1934 التعاون الوثيق والقوي بين بريطانيا العظمى وابن سعود، من أجل تسديد ضربة مدمرة وقاتلة، ليس فقط لحركة التوحيد اليمنية، وانما أيضاً لكيان الدولة اليمنية ذاته، وكانت الحرب الشاملة التي اعلنها ابن سعود ضد اليمن قمة هذه المؤامرة الدولية التي استهدفت تمزيق ما تبقى من جسد اليمن، وسحق شخصيتها، وإذابة كينونتها، وتحويلها إلى مجرد ملحق من ملحقات نجد، وإسقاطها ضمن دائرة النفوذ الخارجي السعودي والبريطاني معاً».
لم تكن تلك المشاريع الاستعمارية حبيسة أدراج بريطانيا، بل كان يجري تطبيقها على الأرض، ففي تلك المرحلة من ثلاثينيات القرن الماضي، أحتلت بريطانيا محافظة البيضاء وتوجهت إلى رداع ، متجاوزة ذمار، لتقسيم شمال ليمن إلى دولتان على أسس طائفية أحداهما شافعية وأخرى زيدية.
كما هجمت البحرية البريطانية بريطانيا على مدينتي ميدي والحديدة لضمهما إلى تعز وكان هدف الحملة العسكرية يصب في خدمة ذات المشروع الاستعماري.
لكن ذلك هذا المشروع فشل بفعل توقيع الإمام يحيى اتفاقية تجميد النزاع على الأراضي اليمنية المحتلة مدة 40 عام.
ومن المُلاحظ بأن دول تحالف لعدوان في عصرنا الراهن تحاول ان تفرض تقسيم اليمن إلى ستة الأقاليم على أسس مذهبية ومناطقية وفق المشروع الاستعماري القديم.

مضمون الاتفاقية:
يتضح هذا المضمون من أول ثلاث مواد جاءت في الاتفاقية: المادة الأولى: «يعترف جلالة ملك بريطانية العظمى وإيرلندة والممالك البريطانية خلف البحار وقيصر الهند باستقلال جلالة ملك اليمن حضرة الإمام ومملكته استقلالاً كاملاً مطلقاً في جميع الأمور مهما كان نوعها المادة الثانية: يسود السلم والصداقة بين الفريقين المتعاهدين الساميين اللذين يتعهدان بالمحافظة على حسن العلائق بينهما من جميع الوجوه . المادة الثالثة: يؤجل البت في مسألة الحدود اليمنية إلى أن تتم مفاوضات تجري بينهما قبل انتهاء مدة هذه المعاهدة بما يوافق الفريقان المتعاهدان الساميان عليه بصورة ودية وباتفاق كامل بدون إحداث أي منازعة أو مخالفة».
كان الهدف من التنازلات التي قدمتها الحكومة اليمنية هو منع تقسيم الشمال الى اقليمين طائفيين «زيدي وشافعي»، ومنع اقتطاع نجران وجيزان وعسير وميدي لصالح مشروع تأسيس المملكة العربية السعودية. بالإضافة الى إعاقة تقسيم الجنوب اليمني المحتل الى ثلاثة أقاليم جهوية تتوزع بين مستعمرة عدن والمحميات الشرقية والمحميات الغربية.
تبلورت هذه التنازلات التكتيكية عبر المستشار التركي محمد راغب ومدير مكتبه طه مصطفى آغا، والتي تقضي بوضع كل الأراضي الواقعة تحت الاحتلال السعودي في الشمال والاحتلال البريطاني في الوسط والجنوب عهدة لمدة 40 عاما، لدى الحكومتين البريطانية والسعودية مقابل انسحاب السعودية من ميدي وميناء الحديدة والبقع والطوال، وانسحاب بريطانيا من البيضاء ورداع التي كانت تتبع ذمار، على أن تبقى الضالع ومكيراس وكرش عهدة لدى بريطانيا.
ويتضح هنا بأن الاتفاقية لا تنتقص من نضالات الشعب اليمني الطويلة ولا من وطنية حكومة اليمن المتوكلية، ويقول المؤرخ اليمني الدكتور محمد علي الشهاري في كتابه الأخر، كتاب «سياسة العدوان السعودية على اليمن» متحدثاً عن المعاهدتين: « ومع ذلك فإنه رغم هزيمته (أي الإمام يحيى) لم يتنازل بشكل مطلق عن لا عن جنوب البلاد ولا عن شمالها، واحتفظ بحق اليمن فيها، حتى تتاح لها في ظروف أنسب، وفي وقت تكون فيه علاقات القوى، بين الفريقين أكثر تكافؤاً، للمطالبة مرة أُخرى، بإعادة النظر، في الوضع، وذلك هو سر إصرار الإمام يحيى على تقييد كلتا المعاهدتين بمدة زمنية محددة».
وقد جاء هذا الوقت الأنسب في ثورة الرابع عشر من اكتوبر المجيدة وحرر اليمنيون الجنوب اليمني المحتل، وسيأتي اليوم الذي يستعيد فيه اليمنيون جيزان ونجران وعسير والشرورة والوديعة وكل الحقوق التاريخية اليمنية.
ــــــــــ
المراجع
المطامع السعودية التوسعية في اليمن. الدكتور محمد علي الشهاري.
كتاب تاريخ اليمن المعاصر 1917 – 1982 تأليف مجموعة من المؤلفين السوفيت
سياسة العدوان السعودية على اليمن، الدكتور محمد علي الشهاري

قد يعجبك ايضا