بيروت/
يواصل الحراك في لبنان انحرافه عن مساره والمطالب التي خرج من أجلها الناس، فبعد عضب اللبنانيين العارم إزاء قطع الطرقات في مختلف المناطق اللبنانية، تسببت هذه السياسة في استشهاد مواطنين لبنانيين حسين شلهوب وسناء الجندي.
الجريمة المروّعة التي نجت منها نور ابنة السيد حسين بأعجوبة، وشاهدت فيها والدها وخالتها يحترقان أمامها، أثارت عضباً عارماً غير مسبوق، ما أنذر بدخول الشارع اللبناني بمواجهات فرعية لا تخدم الشعارات التي نزل من اجلها الناس، ولا تحدّ من الفساد.
لا شكّ أن المرحلة دقيقة للغاية في لبنان، الأمر الذي يتطلّب أن يكون هناك أعلى درجات الوعي واليقظة، لاسيّماً أن المتربصين بلبنان كثر، أولهم الأمريكي وليس آخرهم الإسرائيلي، اليوم، لم تعد “الثورة” تنادي بالشعارات التي رُفعت في يومها الاول، بل بات الشارع أشبه بورقة ضغط للحصول على مكاسب أكبر فيما يحصل على طاولة المفاوضات، وهنا نشير إلى التالي:
أولاً: إن عملية قطع الطرقات هي ذبح للبنانيين بصمت، وبالتالي يجب على القوى الأمنية أن تظهر حزماً أكبر لوقف مثل هذه التحرّكات، تختلف التظاهرات التي تخرج إلى الساحات ومكفولة وفق الدستور، عن تلك التي تخرج في الطرقات وتمنع الآخرين من الوصول إلى أعمالهم، اليوم، باتت هذه السياسة تضع اللبنانيين في مواجهة بعضهم البعض، ومن غير المقبول ألّا تتدخل الجيش والقوات الأمنية بحزم لأن البلد يسير نحو الفلتان.
ثانياً: أظهرت شهادة شلهوب والجندي عيوب التحركات التي نراها في الشارع. لست أتحدّث هنا عن سياسة قطع الطرقات بل عن التعاطي مع هذا الحادث من قبل الحراك في الشارع، عندما استشهد علاء أبو فخر، وهي يقطع الطرقات، شهد شارع الحراك المسيّس تحركات واسعة دعماً له، لكن هذا الشارع المسيس نفسه عمد إلى السكوت عن جريمة الشهيدين شلهوب والجندي وكأن على رأسهم الطير.
ثالثاُ: هذه القاعدة سرت أيضاً على الإعلام المسيس حيث عمدت أغلب وسائل الإعلام هذه التي تدير الحراك إلى الابتعاد عن تغطية قضية الشهيدين، في حين أنها طبّلت وزمّرت كثيراً عندما وقعت حادثة علاء أبو فخر، فهل هناك شهيد بسمنة وشهيد بزيت؟
رابعاً: اليوم، ما يحصل في الشارع هو ما حذّر منه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في اليوم الثالث للتظاهرات عندما رفض استقالة الحكومة فقد أوضح حينها أن عملية التأليف ستستغرق وقتاً طويلاً، ولبنان غير قادر على هذا الأمر في ظل هذه الظروف، ما يحصل أنّه يتم التوافق مع رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري على أحد الأسماء التي يطرحها هو، وفجأة يقوم بتسريبها إلى الشارع، ويعمد إلى إحراقها عبر إرسال المتظاهرين التابعين له إلى مقرّ إقامة هذه الشخصية المطروحة، أو عبر تشويه صورتها.
خامساً: يرى الحريري أنّه المستفيد الأكبر مما يحصل في الشارع، فهو رئيس حكومة فعلي وإن كانت حكومة تصريف أعمال، كذلك يعمد اليوم إلى حرق أي منافس له على الساحة السنيّة، هو يعتقد أنّ بإمكانه القدوم على حصان أبيض، متغافلاً عن أنه المسؤول عن الوضع الحالي في لبنان، وأن الحريرية الاقتصادية التي بدأت في التسعينيات هي التي تسببت العجز الاقتصادي الحالي الذي يعيشه اللبنانيون.
باختصار، إن ما يحصل في لبنان يؤكد وجود مؤامرة واضحةً، ولعل جريمة الشهيدين شلهوب والجندي زادتها وضوحاً، ولكن مخطئ من يعتقد أنّه الرابح مما يحصل، وفي مقدّمتهم أمريكا، إن ما يحصل هو فرصة كبيرة للبنانيين لإنهاء الحريرية الاقتصادية التي قامت على فكرة “قوة لبنان في ضعفه”، واستبدالها بمعادلة جديدة عنوانها “قوّة لبنان في قوّته” تستطيع أن تلوّح للأمريكي بالتوجّه شرقاً في حال استمرّ بسياسات الضغط التي يمارسها على كاف الصعد، العسكري والسياسية والاقتصاديّة.