صنعاء تضع الاختبارات الأصعب لعملية السلام

 

محمد دريب الشريف

أحداثٌ متسارعة ربما هي الأولى من نوعها من حيث التمثيل والتحرك فيما يخص ملف الحرب والأزمة اليمنية وقد يقرأها البعضُ على أنّها إرهاصات للسلام المؤمل ، حيث شهدت الفترة الأخيرة تحركات دبلوماسية على مستوى وزارة الخارجية السعودية وكذلك الشؤون الخارجية الإماراتية واجتماعات وزارية وعلى مستوى السفارات والبعثات الدولية المسئولة عن الشأن اليمني وما يتعلق به سلماً وحرباً .
وتأتي هذه التحركات التي قد تُقرأ من ناحية بأنّها تحركات جادة نحو السلام وإغلاق ملف الحرب بين طرفين دوليين هما السعودية التي تتزعم قوى العدوان من جانب واليمن من جانب آخر.
وقد تُقرأ حسب معطيات ومن زاوية أخرى على أنّها كسابقاتها من الجولات التفاوضية التي اضطرت المملكة السعودية الى عقدها لتلتف أكثر على العقبات التي واجهتها في الشأن اليمني وتوفر لنفسها الإمكانات المناسبة لبث سمومها وإحكام مؤامراتها السياسية والعسكرية على الشعب اليمني بشكل أكثر عمقاً وتأثيراً وحسماً في حربها الظالمة وعدوانها الخاسر .
والذي لا شك فيه أنَّ استهداف محطة ” بقيق وخريص ” كان له الأثر الفعال والفضل الكبير في تحريك المياه الراكدة حالياً على المستوى الدبلوماسي والسياسي وإجبار أطراف العدوان على رفع سماعات هواتفهم وفتح قنوات التواصل والاتصال مع الجهات التي ما زالت تحتفظ بعلاقاتها الجيدة مع أنصار الله وحكومة المجلس السياسي الأعلى أملاً في عقد لقاءات وتفاهمات مع صنعاء التي أصبحت في موقع القوة وأعرضت عن استجداء السلام والإغراق في الدعوات للأطراف المعتدية لوقف عدوانها وحربها الظالمة على شعب ودولة ذات سيادة واستقلال .
وانكفأت على إعداد التجهيزات اللازمة لخوض جولةٍ جديدةٍ من الحرب الفضائية والتي قد تستهدف في أي وقت كما حذرت القوات العسكرية اليمنية منشآت ومحطات أكثر تأثيراً وخطراً من ” خريص وبقيق ” وتَشلّ الحراك الاقتصادي لدول العدوان التي تعتمد في اقتصادها على منشآت ومواقع معينة لا تردُد ولا مجال للشك لدى قيادة تحالف العدوان على أنّها باتت في مرمى القوات اليمنية وتحت نيران الجيش واللجان الشعبية .
صنعاءُ اليوم تشقُّ طريقها بخطواتٍ مدروسةٍ محكمةٍ نحو صناعة السلام لشعبها ووطنها من خلال المضي في تعزيز القدرات العسكرية وتنمية المهارات القتالية الفريدة وتطوير سلاح الردع الجوي المناسب الكفيل بفرض عمليةِ سلامٍ مشرفة عاجلاٍ أم آجلاٍ ضاربةً عرض الحائط بكل تلك الدعوات التي لا تأتي في الأطر الدبلوماسية المعروفة والسياسية الواضحة والشفافة .
وهذا يُفهم من خلال الصمت الحكيم الذي تُبديه قيادات صنعاء والجهات المسؤولة تجاه التسريبات الإعلامية التي تدَّعي وجود لقاءات بين طرفي صنعاء والرياض في “عمان والسعودية ” وإعداد لجان من قبل الجانبين لبحث سُبل وقف الحرب وإنهاء ملف الأزمة والبدء في جولة تفاوضية جديدة تُفضي الى سلامٍ دائمٍ بين الجانبين.
الصمت الذي تُبديه صنعاء اليوم وعدم الرد والتوضيح للمتابعين وللشعب اليمني حول التسريبات التي تَزعُم وجود لقاءات واتصالات بينها وبين الرياض ليس له إلّا تفسير ولا يخلو هذا التفسير من أحد وجهين وهما : إمّا أنَّ التسريبات كاذبة ولا توجد أي مشاورات بين الجانبين ، وإمّا أنَّ صنعاء ترى عدم وضوح طرف العدوان في مسألة السلام ولم يُبادر بما يُثبت جديته ولا ترى لمثل هذه المشاورات أي قيمة ولا أي تأثير في تحريك عجلة السلام وبالأولى عدم الإفصاح عنها ، أو بالأحرى عدم اختيارهم للآليات والمنهجيات الصريحة والشفافة في الاعداد والتجهيز لمرحلة تفاوضية جادة تبحث الحلول المناسبة والمعقولة لفض النزاع وإنهاء الحرب العبثية التي تقودها السعودية والإمارات واللتان أصبحتا أكثر تهشماً وهشاشةً من أيّ وقت مضى وأضحى موقفهما على المستويات الاقتصادية والعسكرية والحقوقية الأكثر ضعفاً وسوءاً في تاريخ الدولتين.
وقد تكون فرضية وجود مشاورات صحيحة ، ولا يستبعد وجود اتصالات ولقاءات مباشرة أو غير مباشرة خصوصاً والقيادة اليمنية فاتحة كل الأبواب أمام أي مبادرات ، وخيارها السلام في المحصلة ، ولا رغبة لها في مواصلة الحرب وكذلك بعد ترحيب السعودية بمبادرة رئيس الجمهورية اليمنية مهدي المشاط ودعوته لها لوقف عملياتها العسكرية مقابل ضمان سلامة منشآتها الحيوية ووقف الهجمات الصاروخية على العمق الاقتصادي للمملكة وما تلتها من تحركات سعودية على الصعيد السياسي والعسكري واهتمامها بخفظ التصعيد والحد من الغارات على المدن والمحافظات اليمنية التي يسيطر عليها الجيش واللجان الشعبية اليمنية مؤخراً.
ولكن الى حدٍ ما هذا لا يشجع قيادات صنعاء على اتخاذ موقف رسمي أو التصريح والتلويح والاقرار بوجود تفاوضات أو مشاورات بينها وبين أطراف العدوان ، لأنّ ما أبدته السعودية تجاه عملية السلام وما اتخذته من خطوات الى حدِ الآن غير كافٍ ، وليس مُطمئناً ، ولا يبعث على التفاؤل ، ولا يوجد فيه أدنى معايير المصداقية والجدية والإرادة الكاملة في إنهاء الحرب ، ويسمح للسعودية والى حدٍ كبير بالتنصل والانسحاب والعودة الى تصعيد عملياتها العسكرية بعد أن تُحدث إرباكاً وبلبلة فيما لو تم التصريح أو اتخاذ موقف رسمي من قبل حكومة صنعاء الشرعية .
وفي المحصلة : إنه لو صحت التسريبات حول وجود لقاءات وتشاورات بين قيادة حلف العدوان وصنعاء فلا تعدو مثل هذه اللقاءات والاتصالات مجرد كونها مقدمة في نظر القيادة للدخول في ما بعدها من خطوات جادة وشفافة نحو السلام وإيقاف الحرب تعلن عنها السعودية وتبدي رغبتها الكاملة في هذا الصدد وعلى مرأى ومسمع من العالم ثم يأتي الدور على صنعاء التي بلا شك أنَّ لها شروطها التي ترى وجوب ولزوم تنفيذها قبل الخوض في أي جولة مفاوضات وضمان حقها في الجلوس أمام الرياض وقوى العدوان كطرف خارجي معتد على شعب ودولة مستقلة ، وهذا الشأن منعزل تماماً عن أي شأن داخلي يمني أو أي أزمة سياسية بين الفرقاء من مكونات وأحزاب سياسية يمنية سواءً التي في الرياض ممثلة بهادي أو التي في عدن بقيادة المجلس الانتقالي أو التي في صنعاء ممثلة بالمجلس السياسي الأعلى ، ويبحث الأخير بشكلٍ منفصلٍ ومستقلٍ عن ملف العدوان الخارجي الذي تتزعمه السعودية والخوض فيه بعد الاتفاق على وقف الغارات الجوية ورفع الحصار وفتح مطار صنعاء ورفع اليد عن أي تدخل في الشأن الداخلي اليمني ووقف الدعم والتمويل للكيانات الإرهابية والانفصالية في الجنوب والشمال من الجمهورية اليمنية .
وهذا ما حددته القيادة اليمنية الأمس قبل اليوم والذي يُعبِّر عن الإرادة الشعبية والموقف الوطني الجامع والذي لا يرى أي أفق للسلام ولا حل نهائي للأزمة والحرب العبثية إلّا بعد أن تتخذ السعودية ما يُثبت رغبتها في إنهاء حربها الظالمة ويتمثل ذلك في رفع الحصار المطبق وحرية الملاحة الجوية والتنقل والتجارة ورفع اليد مطلقاً وعدم التدخل في الشأن اليمني وعدم تجييش المرتزقة ودعم قوى الانفصال والجماعات التخريبية والإرهابية وعدم المساس بسيادة واستقلال اليمن ، وهذه أولويات لا يمكن تجاوزها ، وخطوط كُتبت بالخط العريض وحبرها دم الشهداء وأنين الجرحى والمجاعات والأمراض الفتاكة والمتفشية التي تسببت بها قوى العدوان ، ومبادئ رسمها القادة والشعب معاً ولا يمكن التفريط فيها أو التنازل عنها أو الدخول في أي عملية تفاوضية قبل ضمان فرضها وتطبيقها والتأكد من تنفيذها، بل إنَّ صنعاء تفرض في المقام ما هو أكثر من ذلك وتذهب الى ما هو أبعد وتحرص على أن يكون الإعلان عن قبول أطراف العدوان بالنقاط المحددة آنفا وتنفيذها والالتزام بها شرطاً أساسياً ملحاً لا يقبل التفاوض والمساومة ، ومرحلة لا بد من الانتهاء منها قبل الإعلان عن وجود أي مفاوضات أو ترحيب رسمي بأي جولة محادثات وخوضها مع أي طرف من أطراف العدوان .
والى حدٍ كبير يدل هذا على قوة الأرضية التي تقف عليها القيادة اليمنية وصلابتها ويثبت مدى المراحل الصعبة التي تجاوزتها والدروس الكبيرة التي استفادتها خلال أعوام الكر والفر المنصرمة والمنهجية الصحيحة بل والفريدة التي انتهجتها سياسياً وعسكرياً وعلى كافة الأصعدة، والخيارات السليمة التي اختارتها وحددتها للعبور الأكثر أمناً وسلامةً في هذا الخضم الهائل من الأزمات والمشاكل والصعوبات والتحديات التي تواجهها على مدى الخمس السنوات العجاف المتتالية، ومدى حرصها على المصلحة الوطنية وكرامة الشعب ودماء الشهداء واحترام الثوابت والمبادئ التي حددتها في طريق الانتصار للجمهورية اليمنية وقيادة السفينة الى بر الأمان بإذن الله تعالى .

قد يعجبك ايضا