ثورة دحرت امبراطورية
اسكندر المريسي
ما يميز ثورة الـ14 من اكتوبر وهي تطل بذكراها المجيدة، أنها تختلف عن سائر الثورات التي سبق وأن شهدتها المنطقة العربية، حيث استطاعت تلك الثورة أن تنهي العشرات من المحميات والسلطنات التي أوجدها الاحتلال البريطاني ولم تكتف بذلك فحسب ولكنها وخلال فترة وجيزة تمكنت من إنهاء الوجود الاستعماري لبريطانيا العظمى وطوت أكثر من قرن من تاريخ ذلك الاستعمار الغاشم الذي جثم على صدر شعبنا ردحاً من الزمن.
وبالتالي فإن عظمة اكتوبر كثورة وطنية بكل المقاييس والدلالات الحضارية أنها برغم كل السلبيات التي اعترضت مسيرة العمل في اليمن قد أسست تلك الثورة أنموذجاً لتجربة سياسية لا نقول بأنها متميزة وفريدة، ولكنها وفرت أرضية حقيقية لبناء أنموذج للدولة الوطنية برغم ما اعترض طريقها من إخفاقات وتخلل مسيرتها عدد من السلبيات والايجابيات.
لكن عظمة الاحتفال كما أشرنا أنها تنطوي على عظات وعبر ودلالات ليست مشدودة نحو الماضي الذي انتهى وإلى غير رجعة، ولكن ثورة أكتوبر بالنظر لذلك الماضي حينذاك كانت بمثابة بارقة الأمل في ليل الانكسار العربي، لأنها كما أوضحنا خطت معالم أولية لمشروع بناء الدولة الوطنية.
ولذلك ينبغي فهم 14 أكتوبر كفعل ثوري مستمر ومتجدد لاستكمال أهداف الشعب اليمني في تحقيق التنمية المنشودة واستكمال بناء مقومات الدولة الوطنية، خاصة وثورة 14 أكتوبر شكلت بداية ثقافة جديدة، لكن ثمة تساؤلات مشروعة عن استكمال تلك الثقافة، خاصة بعد أن جسدت على أرض الواقع أهم وأنبل أهدافها باستعادة الشعب اليمني لوحدته الوطنية المباركة في الـ22 من مايو 1990م، لذلك ينبغي استلهام الدروس والعبر المترتبة على تلك الثورة بالنظر إلى الحاضر المتجدد تشهد اليمن تحديات مختلفة.
صحيح أن ثورة أكتوبر المجيدة أنهت الاستعمار البريطاني البغيض، ولكن الصحيح أيضا أن الاستعمار ظاهرة قابلة للتكرار ولكن بوجوه مختلفة وأقنعة متعددة وهو ما يتطلب الوعي بحقيقة ذلك لكي تكون تلك الثورة عند مستوى الآمال والطموحات المشروعة والتضحيات التي قدمها الشهداء في دحر الامبراطورية الاستعمارية وإخراج عاصمة وعد بلفور لندن من عدن بفضل تضحيات أولئك الشهداء والأبطال الذين هم أكرم منا جميعاً.
وهو ما يتطلب في ذكرى الاحتفال بالثورة المجيدة تكريم أسرهم وأبنائهم كأقل تقدير لما قدموه من تضحيات لأن أكتوبر كانت بداية مرحلة ولم تنته تلك المرحلة بانتهاء الاستعمار البريطاني، ولكن متطلبات الوضع الراهن توجب الارتقاء بقيم وأهداف ومبادئ ثورة 14 أكتوبر والشروع في تنفيذ سياسة مصالحة مع النفس لتحاشي ما علق من سلبيات بمسار الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر.
ولن يكون ذلك إلا بالعمل من أجل يمن جديد يتسع لكل أبنائه، لا ظالم فيه ولا مظلوم، ولا قاهر ولا مقهور، وإنما إخوة أحرار يستظلون بقيم ومبادئ ثورتي 26 سبتمبر 1962م و14 أكتوبر 1962م المجيدتين.