عواصم/وكالات
النتائج الأولية للانتخابات التونسية توحي بأن تشكيل الحكومة في المرحلة المقبلة سيكون مهمة شاقة للأحزاب التي حظيت بالعدد الأكبر من المقاعد البرلمانية، فالأحزاب التي تعدّ منتصرة حتى الآن وعلى رأسها حزب “النهضة” لم تحظَ بعدد كافٍ من المقاعد يؤهلها لتشكيل الحكومة في المرحلة المقبلة، لذلك ستكون المهمة صعبة على “النهضة” ويبقى احتمال تحالفها مع أحزاب أخرى لتشكيل الحكومة مرهوناً بالأيام المقبلة، فهل سيتخطى حزب “النهضة” هذه العقبة أم تذهب البلاد نحو انتخابات مبكرة؟.
وكان لافتاً من النتائج الأولية للانتخابات أن كثيراً من الأحزاب التقليدية لم تحظَ بأي نتائج إيجابية وحصلت على عدد قليل جداً من المقاعد، الأمر الذي عقّد الأمور أكثر، ومن أبرز هذه الأحزاب نذكر حزب “آفاق تونس” وأدّت النتائج المخيّبة لهذا الحزب في الانتخابات إلى إعلان الوزير السابق ياسين إبراهيم، رئيس حزب “آفاق تونس”، استقالته من الحزب بعد الخسارة التي مُني بها، ليجد الحزب نفسه خارج المشهد البرلماني دون تمثيل، أو في أفضل السيناريوهات بمقعد وحيد بعد أن كان حزباً برلمانياً حاكماً بعد 2014م بـ8 مقاعد.
ويعدّ حزب “الاتحاد الوطني الحر” الذي يتزعّمه رجل الأعمال الملاحق قضائياً “سليم الرياحي” من أبرز الأحزاب البرلمانية التي اضمحلّت وأجهزت عليها الانتخابات، بعد أن كان أبرز أضلع الحكم بعد 2014م بكتلة وازنة تضم 16 نائباً.
وأنهت صناديق الاقتراع وجود أحزاب برلمانية كثيرة غادرت المشهد النيابي نحو مصير سياسي مجهول، على غرار حزب “المؤتمر من أجل الجمهورية” الممثل سابقاً بـ4 مقاعد، والذي تحوّل إلى حزب “حراك الإرادة” بقيادة الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، وكذلك حزب “المبادرة” الذي يتزعمه الوزير كمال مرجان بـ3 نواب، والذي اختار الانصهار في حزب “تحيا تونس” على الاندثار.
وإلى جانب ذلك أيضاً، حزب “تيار المحبة” الذي أسسه الهاشمي الحامدي إلى جانب أحزاب أخرى انتهى تمثيلها البرلماني، كانت تمتلك مقعداً وحيداً يضمن لها الوجود في المشهد الحزبي البرلماني، على غرار “الحزب الجمهوري” و”التحالف الديمقراطي” و”حركة الديمقراطيين الاشتراكيين”.
ويمثل السقوط المدوي لأحزاب اليسار البرلمانية، واضمحلال تمثيلية ائتلاف “الجبهة الشعبية” في البرلمان، مفاجأة غير سارة للعائلة اليسارية في تونس ولجمهور مناصري اليسار، بعد أن خسرت تمثيلية وازنة وقوية تتكون من 15 برلمانياً، كانت صوت المعارضة الذي لا يمكن إسكاته تحت قبة البرلمان، ليختار الناخبون إسكاته ووضع حدّ له طوال السنوات الخمس المقبلة.
أما الأحزاب التي حظيت بعدد مقاعد أكبر في الانتخابات وعلى رأسها “النهضة” عليها أن تقوم بتحالفات كبيرة مع العديد من الأحزاب الأخرى حتى تتمكّن من تشكيل الحكومة المقبلة، وتحتاج النهضة إلى أغلبية بـ109 مقاعد من أصل 217 مقعداً في البرلمان، لكي تتمكّن من تشكيل الحكومة وفق الدستور.
وحصلت النهضة على صدارة الأحزاب من حيث نتائج الانتخابات التشريعية، إذ فازت بـ57 مقعداً، مقابل 41 لـ”قلب تونس” في المركز الثاني.
وقالت القيادية بحركة النهضة يامينة الزغلامي لرويترز “نحن نعي جيداً أن مهمة تكوين حكومة ستكون صعبة ومُعقدة”.
والمدة المحددة في الدستور ليتمكّن الحزب صاحب الصدارة في نتائج الانتخابات التشريعية – الذي لم يتمكن من الحصول على الأغلبية في الاقتراع – لتشكيل الحكومة، أربعة أشهر من أجل إيجاد تحالف يضمن لها الأغلبية.
وفي حال عدم تمكّن الحزب المكلف من الرئيس من تشكيل الحكومة، يتم الذهاب إلى انتخابات مبكرة، إلا أن الوقت أمام النهضة متاح بشكل أكبر، لا سيما أن الرئيس لم يحدد بعد، بانتظار الجولة الثانية لحسم المنصب الرئاسي.
وما يكسر عزلة النهضة التي روّجت لها وسائل إعلام محلية ودولية، موافقة حزبي ائتلاف الكرامة (20 مقعداً)، وتحيا تونس (15 مقعداً) على التحالف مع الحركة.
من جهة أخرى يظهر حزب التيار الديمقراطي معارضة للتحالف مع النهضة، إلا أن مصدراً مطّلعاً، أكد لـ”عربي21″ أمس الأول، أن الحزب وفقاً للكواليس وما يجري بشكل غير معلن من مفاوضات، قد يغيّر موقفه على الرغم من تصريحه بالرفض.
وكشف عن أن حزب التيار، سيشترط في مفاوضاته مع النهضة حقائب وزارية، مؤكداً أن “النهضة تعرف كيف تفاوض”.
وأكدت كذلك قيادات رئيسة من بينها علي العريض وعماد الحمامي، أن النهضة ستتمكن من تشكيل الحكومة، وأنها “ليست في عزلة سياسية”.
وعلى الرغم من موقف قلب تونس الرافض تماماً للتحالف مع النهضة، إلا أنه يعدّ كل شيء وارد في السياسية التونسية، ولا يمكن نسيان قول الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي: “النهضة والنداء لا يلتقيان”، إلا أنه حصل توافق وائتلاف حكومي.
وكان مدير المكتب التنفيذي لحزب ” قلب تونس”، أسامة الخليفي، قد قال لـ”عربي 21″، إن الحزب غير معني بحكومة تشكلها حركة النهضة، لأن “مشروعنا غير مشروعهم، ولا يمكن التحالف مع أناس فشلوا في إدارة البلاد، والحزب يطرح مشروعاً بديلاً”.
وأكد الخليفي أنه في حال تأكد حصول حركة النهضة على المرتبة الأولى، فإن “قلب تونس” سيكون في المعارضة، و”إن حصلنا على المرتبة الأولى فلن نتحالف معها”.
ولكن فور إعلان النتائج الرسمية، فإنه من المنتظر أن تنطلق المشاورات، وتكون مفتوحة على كل السيناريوهات، وفق ما يؤكده المتابعون للشأن التونسي.
وبالنظر إلى المعارضين للتحالف مع النهضة، فإن ثقلهم داخل البرلمان لا يكفي لإفشال الأغلبية، وفق الأرقام التي أعلنتها مؤسسات سبر الآراء، فإن حزب “الدستوري الحر” حصل على 14 مقعداً، و”عيش تونسي” 5 مقاعد فقط.
ومع الموافقين وفق تصريحاتهم المعلنة، فإن النهضة تكون قد حصلت إلى جانب 40 مقعداً لها، على 18 مقعداً من ائتلاف الكرامة، و16 مقعداً من تحيا تونس، بالإضافة إلى وجود 40 مقعداً للمستقلين ستقوم الحركة بالتواصل معهم خلال فترة تشكيلها الحكومة، إلى جانب 18 مقعداً لم تحسم بعد في الخارج.
ووفقاً لما سبق، فإن حظوظ النهضة تعدّ جيدة بتشكيل الحكومة، وفق ما أكدته قيادات حزبية.