المسيَّرات صبحاً والجاريات يسراً.. معجزات العالم الجديدة!
خالد الشحام
بتاريخ العشرين من يونيو الماضي تمكنت قوى البحرية الإيرانية من إسقاط طائرة التجسس الأمريكية الأسطورية (بلاك هوك ) والتي تمثل رمزية عالية في الغطرسة الأمريكية التقنية التي تتباهى بها على المستوى العالمي والعربي خصيصا.. مثل إسقاط هذه الحشرة الأمريكية المعدنية التي ساهمت في قتل وتشريد وحرق الإنسان العربي من اليمن حتى سوريا أيقونة انتصارية صغيرة للمستضعفين والمقهورين في الأرض ، هذه الأيقونة لا يقدِّرها ولا يعرف معناها سوى من يفهم تماما القدرات التكنولوجية والكثافة الإلكترونية المحشوة في هذا الجسم المرعب الذي حمل أغلى وأكثر الأدوات تطورا في الترسانة الأمريكية المخصصة للرصد والتجسس والاستهداف، وبالتالي فمن يتمكن من اصطيادها ورصدها فقد حقق نظرية ” فوق كل ذي علم، عليم وفوق كل جبار من هو أشد جبروتا” وحقا ، ومن يدرك حجم الألم والمكابدة التي تتربع في بلاد العرب طولا وعرضا يدرك تماما معنى الرمزية في إسقاط هذا الصقر الأمريكي المتغطرس ظلما وعدوانا.
بالأمس القريب حققت عشر طائرات مسيَّرة أطلقت على يد جماعة انصار الله اليمنية وصولا لأهدافها في عمق الأراضي السعودية وأصابت إرم ذات العماد التي طغت في البلاد واشعلت فيها النار وتطاير منها السواد.. موقعان اثنان للشركة الإمبريالية العربية تعرضا لخسائر فادحة تسببت في هزة نفطية – اقتصادية ارتجفت لها مملكة الطغيان وثارت من حرَّتها مملكة الثعبان من الأمريكان حتى البريطان، ويكاد القوم لا يفقهون حديثا ولا يقبلون التصديق لما اقترفته أيديهم فغشيت أبصارهم وعميت قلوبهم من هول الصدمة.
الحدث البسيط في حجمه والهائل في تداعياته يمثل أيقونة انتصار أخرى تضاف لرصيد المقهورين والمقصوفين والموتى على كامل رقعة البؤس العربي الذين ذاقوا الوبال على يد التحالف الخليجي –الأمريكي –الصهيوني ، الضربة لم تكن أبدا على المملكة السعودية فهي في موضع آخر من الإصابة ، المُصاب الحقيقي هنا هو الوجه الأمريكي ومعقل الطاقة الرئيسي له في المنطقة العربية ومعقل التجبر والعدوان في مركزه الأساسي في المنطقة ، وبعيدا عن جداول الأضرار والحسابات والمنحنيات الاقتصادية التي تهاوت بسرعة من أسواق المال حتى الغلال، فالعبرة الكبيرة تكمن في جوهر الانتصار الذي يصنعه الطرف المستضعف عندما يُلطخ جبروت المعتدي وهيبته واستعلاءه بشيء من سناج الألم والهزيمة على أثواب العز والبطولة المزركشة بالترسانة الأمريكية.. لقد فشلت أسطورتك يا ترامب وفاز الفقراء أصحاب الأرض وتمكن طير حر من معدن وبلاستيك من أن ينال من كبرياء الباتريوت والثاد ويسقط مملكة ورق اللعب التي بنيتها مع كائنات الأرض التي تقتات الروث وما ترك السبع.
الطائرات المتحكم بها لاسلكيا ليست بدعة علمية جديدة ولا هي تقنيات عسكرية محظورة ، كانت هذه محصورة على التصنيع الغربي للهواة والمتخصصين، وتستحصل بكلف غالية وضمن قوانين صارمة ، كان ذلك قبل أكثر من عشرين عاما خلت ، أما اليوم وبعد الانتشار الهائل للمصانع الآسيوية وتمكنها من تخفيض الكلف وعمل بوفيه مفتوح منها ، فقد أصبحت هذه عالما واسعا من التجارة بين الهواة والمطورين والباحثين العلميين الذين يبتكرون تطبيقات جديدة لها، وليس من الصعب على المقاومين في كل مكان استخدامها لغاياتهم المشروعة وهنا تصبح الأشياء العادية أشياء غير عادية وتتحول التقنيات البسيطة إلى معجزات جديدة.
الطائرات المسيَّرة عن بُعد مثلها مثل الطائرة الشراعية التي هاجم بها الفدائي ذات يوم مستوطنة صهيونية وهي مثل زورق خفيف عبر به بطل إلى بحر عدوه ، وهي مثل قنبلة المولوتوف المصنعة من تجهيزات بسيطة لتمنح الإنسان المستضعف هامشا من روح البقاء والمقاومة وتمكنه من حقيقته الإنسانية الرافضة والممانعة ، إنها أدوات الذين يرفضون الموت ركوعا للجبروت العسكري والذين يرفضون الانحناء لمعابد النفط وأنابيب التقطير السوداء ، إنها أدوات البقاء ورسائل الرفض لمن يصعدون فوق حطام المنازل المكوَّمة في غزة والتي ترفض أن تموت رغما عنهم ، إنها السكين والملعقة والحجر وغصن الشجرة الذي يتحول إلى سلاح للبقاء في يد الحر الشريف.
الطائرة المسيَّرة باللاسلكي والصاروخ الموجَّه بدقة والقذيفة المصنوعة محليا ليست هي المعجزة ولا هي الاكتشاف لأن دولة مثل السعودية تمتلك ما هو أكثر وأعتى منها كلفة وتقدما وأداء، ولغة الأرقام التي يفهمها عالم الصفقات جيدا تكفي لتثير الذعر مما تشتريه السعودية وغيرها من هذه التقنيات.. المعجزة الجديدة هي الروح التي تحملها هذه القاصفات المحلِّقات ، الروح التي تحمل كلمة لا والروح التي ترفض الهوان والاندثار في غبار العار والتلاشي في الطغيان الأمريكي الصهيوني.
زمن المعجزات ليس بعيدا ولا غريبا عن بلاد العرب والإسلام التي تمتلك كل مدخلات المعجزات وكل روح الأنبياء ، زمن المعجزات يعود اليوم على يد كل المقاومين والصامدين في وجه جيوش اسرائيل التي تحتل بلادنا من الماء المالح حتى الماء العذب والتي تتكلم بالعربية وتتقن العبرية أيضا ، زمن المعجزات الصغيرة هو الذي يكتسح زمن التحالفات الكبيرة ويُلحق بها أشد الخسائر والحسرات ، وهو الذي يُسقط قلعتها العظمى بخلع حجر واحد من مكانه.
زمن المعجزات الجديد الذي تصنعه قوى المقاومة يطلق شعاراته الجديدة.. من يعبد ترامب ويرتعد من جيوشه نؤكد له أن ترامب ميت لا يعيش ، ومن يتشرب زمن الغطرسة ويتبلل بالهوان فقد ولى مفعولها وبدأ الدم الجديد يتدفق في عروق الأمة ، ومن يخاف من الباتريوت وراجمات السعير والأساطيل المهلكات فنقول له إن الله أكبر وأقوى وأعظم ، ومن يستقوي بحلف الشيطان وجنود المارينز نبشِّره بهزيمة على يد أفقر الجيوش وأشدها حرمانا وأكثرها بؤسا.. والله غالب على أمره.
* عن رأي اليوم