كربلاء العصر
عبدالفتاح علي البنوس
نعيش هذه الأيام ذكرى مأساة آل بيت النبوة، ذكرى عاشوراء التي تحكي أحداثا مؤلمة ومحزنة جدا، شهدها سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإمام الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام وأهل بيته وثلة المخلصين من أصحابه، الذين سطروا ملحمة بطولية خلدها التاريخ في أنصع صفحاته، هناك في كربلاء العراق، حيث تعرَّض الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه لمذبحة هي الأكثر فظاعة وبشاعة في التاريخ الإسلامي على يد عصابة الطاغية يزيد بن معاوية.
مظلومية كربلاء التي أجمع عليها كل المؤرخين والمحدثين ليست مناسبة عنصرية ولا سلالية- كما يحاول البعض تكييفها- لكنها فاجعة للإسلام والمسلمين، حيث عملت السعودية والوهابية على تغييبها عن المناهج الدراسية في المدارس والجامعات العربية والإسلامية، في ظل انتشار المد الوهابي الذي ظل وما يزال يتعاطى مع معاوية بن أبي سفيان على أنه كاتب الوحي، وأن ابنه السكير يزيد خليفة المسلمين وأمير المؤمنين، صحيح تلك أمة قد خلت، ومر عليها عصور وأزمنة، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، ولكن لا يعني ذلك أن نغفل عن مراجعة التاريخ والوقوف على مدلهمات الأحداث التي شهدها، ولعمري ما هنالك من خطب جلل، وفاجعة كبرى كفاجعة كربلاء، والتي تحل علينا في الغد ذكراها الأليمة، ونحن في اليمن نتعرض لكربلاء جديدة، على يد أحفاد وأنصار يزيد.
أربعة أعوام ونصف ومليشيات يزيد العصر تقتل وتنكِّل وتحاصر أبناء يمن الإيمان والحكمة، أربع سنوات ونصف من العدوان الذي طال البشر والشجر والحجر، قتل وحصار وتهجير للنساء والأطفال، نفس النزعة العدائية اليزيدية، والنفسية الإجرامية الأموية، يمارسها السعودي والإماراتي والقوى الداخلية والخارجية المتحالفة معهما في حق أنصار الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بكل صلف ووحشية، إنها نفس المدرسة، وذات المنهج الأموي الوهابي السلولي الذي كان عليه يزيد وعصابته الإجرامية، الذي أباح لهم أن يقتلوا سبط رسول الله ويعتدوا على أهل بيته، ولم يسلم من حقدهم وإجرامهم حتى الأطفال الرضَّع.
التاريخ يعيد نفسه، وها نحن في اليمن نعيش كربلاء عصرنا في ظل ظروف مشابهة للظروف التي عاشها الإمام الحسين وأصحابه، يقتلنا السعودي الذي يدَّعي بأنه خادم الحرمين الشريفين، تحت شماعة الشرعية الدنبوعية الزائفة، وفي كربلاء قُتل الإمام الحسين على يد بني أمية تحت شماعة الشرعية اليزيدية المزعومة، شرعية العربدة والإجرام والظلم والطغيان، ذات العقليات المريضة، وذات الثقافة المغلوطة، وذات الأدوات الرخيصة والمبتذلة، وذات العناوين الهابطة الساقطة، والهدف إطفاء نور الله، وتمكين قوى الطاغوت والجبروت والظلم والفساد من رقاب العباد، وتحويلهم إلى خدام يسهرون من أجل راحتهم، ويشقون من أجل سعادتهم، وهو ما لم يقبل به الإمام الحسين في ذلكم العصر، ولم يقبل به أبناء اليمن الأحرار في عصرنا الراهن، فخرج الإمام الحسين مناهضا للظلم والفساد والطغيان اليزيدي الأموي، وعلى نهجه واقتداء به خرج أحرار اليمن في ثورتهم الشعبية في 21سبتمبر 2014م لذات الأهداف، يرفعون ذات الشعار الذي رفعه الإمام الحسين عندما خيَّره الأعداء بين السِّلة والذلة فصرخ في وجوههم عاليا (هيهات منا الذلة).
بالمختصر المفيد: كربلاء الماضي تتجدد متى ما ظهر الظلم والطغيان، هذه هي ثقافة الحسين وهذا هو منهجه الذي كان عليه والده الإمام الكرار، وجده الرسول المصطفى، وقدرنا في اليمن أن نعيش أجواء مصغرة من كربلاء هذه الأيام، بالتزامن مع ذكرى عاشوراء التي تخلِّد مأساة كربلاء وفاجعتها الكبرى، وهي مناسبة نجدد فيها الولاء والانتماء للمدرسة الحسينية والمنهج والفكر الحسيني الرافض للظلم والطغيان والجبروت على طريق الخلاص والتحرير من براثن الغزاة والمحتلين وتطهير الأرض اليمنية من رجسهم، والتمسك بخيار الصمود والثبات والمواجهة حتى يكتب الله النصر، وهيهات هيهات منا أن نذل أو نهون مهما أرجف المرجفون.
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله.