أمن السعودية مقابل أمن اليمن
عبد الرحمن مراد
في خطاب السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي قائد الثورة والمسيرة القرآنية الذي ألقاه تأبيناً لأخيه الشهيد إبراهيم الذي نالته يد الغدر والخيانة والغيلة وهي يد آثمة لا تصارع إلا من وراء جدر كدأبها في كل مراحل التاريخ وقد جبلت على ذلك حتى تحدث القرآن عنها بتلك السمة البارزة في تفاعلها مع اليومي والحياتي وكذا بمناسبة الاعلان عن حالة فارقة في تاريخ حربنا وصراعنا مع قوى الاستكبار العالمي وأدواتهم في منطقة الخليج والجزير قال : إن معادلة الوجود تغيرت اليوم بعد أن وصلت عشر طائرات مسيرة الى منطقة الشيبة بالسعودية التي تحوي مخزونا نفطيا استراتيجيا , فمن هدد وجودنا ليس بمنأ عن تهديدنا لوجوده ومن أراد أمناً دون أن يراعي أمن غيره فلن يجده , كانت المعادلة واضحة وهي أمن الخليج في مقابل أمن اليمن وعلى الإمارات أن تدرك هذه الحقيقة التي لا مراء فيها ولا شك فهي من يتضرر اقتصادها وينهار إذا لم ترتدع وقد كان السيد حسن نصر الله واضحا في كلامه ومخلصا في نصحه للإمارات ولعلها قد أدركت ذلك فسارعت إلى اعلان سحب قواتها من اليمن .
فشل الحشد العالمي والتحالف الدولي على اليمن فشلا ذريعا، إذ بعد خمسة أعوام من الحصار والحرب والتدمير ومن الاشتغال المكثف على القتل والتجويع ينهض المارد اليماني من بين ركام الأحداث ورماد النيران ليعلن عن وجوده بقوة ما كان العدو يتوقعها وما كان يتخيل حدوثها، وأصبح اليوم يشاكل الوجود ويعلن عن حضوره بقوة الألم أو يفوقه لكن بقيم ومبادئ الكبار الذين يصنعون الوجه المشرق للتاريخ ويتجاوزون عن صغائر الأمور .
لقد دل خطاب السيد عبد الملك أن الواقع الذي عشناه في سنين العدوان على اليمن وكان يطحن الناس بسيطرته العسكرية وبنيران طائراته وصواريخه أخذ يعطي بالتدريج وسائل السيطرة عليه حتى ولو فشلت هذه الوسائل – وثقتنا أنها لن تفشل – فقد تركت تجارب للنجاح فالاستحالة والإمكانية تتفاوت بتفاوت الشعوب فالمستحيل قد يصبح غير مستحيل بتوالي التجارب وفهم النجاح من الفشل وبالحلم والفكر ننتقل من سيطرة الواقع علينا الى السيطرة عليه .
لقد كشف لنا العدوان وصمودنا أنه من الغباء أن نتعلل بالقول ” هذا واقعنا ” فليس الواقع تربة الارض التي نتحرك عليها , وإنما هو صيرورة دائمة ومتحرك والواقع يمكننا تغييره بمجرد تغيير نفوسنا الى الأفضل , وحين نتبنى واقعا جديدا لابد من تبني أفكار جديدة تصنع واقعا أفضل ليسهل اقتلاع الواقع الأول جزءاً فجزءاً وإبداله بجديد جزءا فجزءا وهذا هو حال اليمن في ظل القيادة الشابة الجديدة والمتجددة للقائد عبد الملك ولحركة أنصار الله .
فعظماء الرجال على مر حقب التاريخ يبذلون التضحية تلو التضحية لا لوجه الوصولية وشراء الهتافات الجماهيرية، فالأنبياء عليهم السلام لاقوا أشد أنواع العقوق على يد الجماهير المغرر بها لكنهم كانوا يجهدون في خدمة الجماهير وإن كابدوا عقوقها , فالجماهير في الغالب الأعم لا تدري من يقودها الى الهدى أو من يوجهها الى الضلال وقد تدرك بعد وقت قصير أو طويل من كان يستهدف نفعها ومن كان يبغي نفع نفسه من خلال استغلالها بالتغرير بها كما هو حاصل اليوم في عدن وبقية المحافظات الجنوبية .
إن حركة الجماهير حركات مباركة – كما يقال – لكن قد يقبحها في نظر الناس أو يجملها سوء القيادة أو حسنها لأن كل قائد يستغل ما في نفوس الجماهير من حرمان وكبت فيفجر طاقتها ويدمر بها كما يفعل المجلس الانتقالي في عدن اليوم وهنا يمكننا أن نعقد مقارنة في جزئية بسيطة – وإن كنا لا نرى وجها للمقارنة بين صنعاء وعدن في كل التجليات – فقادة صنعاء ينتصرون بالجماهير لخدمة الجماهير والنفع العام , وقادة العملاء في المجلس الانتقالي بعدن يستغلون غضب الجماهير ويجعلونها طريقا ينتعلونه للوصول الى غاياتهم ثم يتركونه عند أول شعور طاغ بالتمكين والسيطرة .
وعلينا أن ندرك أن نضال الجماهير يجب ألا يضيع هدرا فما سقطت جماجمهم إلا لتعلو راية الشعب وتنتصر الإرادة الوطنية الحرة وعلى مثل ذلك تدل حركة الواقع وتجاذباته ودل عليه خطاب السيد عبد الملك المشار اليه في السياق .
لقد أثمر صبرنا وصمودنا عزة وكرامة ومكانة كبيرة في تصورات الشعوب الحرة في كل بقاع الأرض.
كما أن حاجز العزلة الذي فرضه العدوان وأدواته علينا على مدى سنين العدوان بدأ ينكسر بلقاء رئيس الوفد الوطني ببعض سفراء الدول الأوروبية كفرنسا وبريطانيا وألمانيا وايطاليا وفي ذلك مؤشر واضح أن العالم بدأ يتعامل مع مفردات الواقع اليمني ومعطياته وأن دول العدوان قد استنفدت كل ما لديها من وسائل التضليل والزيف الذي مارسته من خلال شراء الذمم والمواقف وقادة الرأي العالمي والمنظمات الإنسانية والحقوقية وكل جرائم الحرب التي ارتكبها العدوان ستكون وبالا عليه في قابل أيامه .
سوف تخرج اليمن بفضل الله وبفضل صمود شعبها من بين ركام العدوان أكثر قدرة وأكثر تمكنا من مقاليد المستقبل ولن ينال السعودية والإمارات إلا الذل والخزي والعار، ولا نامت أعين الجبناء .