فلسفلة الحج وأوجه الاختلالات
أحمد يحيى الديلمي
يقف الحجاج بعد غد في صعيد عرفه رافعين أكفهم إلى السماء لطلب المغفرة والرضوان من الله سبحانه وتعالى ، وهو أسلوب اعتاده الحجاج مُنذ زمن رغم أنه يخالف كثيراً ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، الذي أكد أن الحج ليس طقوسا عبادية فقط بل مؤتمر للمحبة والتآلف والإخاء ، وهنا تكمن عظمة حديث الرسول الذي جاء فيه ( الحج عرفة ) فعبر عن فلسفة الإسلام تجاه فريضة الحج والغايات المنوطة بها باعتباره مؤتمرا سنويا للمسلمين من كل أقطار الأرض يناقشون فيه الأوضاع والتحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وكل المستجدات التي تطرأ في الفترة الزمنية بين الموسم الذي مضى والذي يليه بقصد التقريب بين المسلمين وإزالة أسباب الفرقة وكل أشكال الكراهية والتحسس العام الناتج عن التكالب على السلطة من قبل الحكام، وهذا ما لم يدركه أزلام النظام السعودي فلقد استغلوا ضعف الوعي لدى الكثير من المسلمين وكرسوا رؤية نمطية لهذه العبادة العظيمة بأن جعلوها مجرد طقوس للدعاء والتهجد في صعيد عرفة ، بينما حصر النبي الفريضة في عرفات باعتباره الملتقى الأخير الذي يستمع فيه الحجاج إلى خطبة ولي الأمر أو من ينوبه بشرط أن يكون على درجة عالية من المسؤولية والوقار والزهد والورع إضافة إلى الإلمام بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، المطلع على أحوال الرعية القاسم بينهم بالسوية ، كما أشار إلى ذلك فقهاء الشرع .
وهنا تكمن المفارقة العجيبة بالذات عندما نسمع الخطيب المكلف بالخطاب في هذا اليوم العظيم وهو يوزع التهم ويلقي الشتائم خلافاً لما سنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خطبة الوداع حيث جعلها محطة للإبلاغ بأخر الأحكام وبيان تعاليم الإسلام القويم ، وكأنه جعل الحج موضعاً لإعلان الدستور الأعظم الذي أبان فيه حرمة حقوق الإنسان وحدد المقاصد الأساسية للدين ، لكن اليوم نسمع خطيب عرفات وهو يوزع الشتائم والتهم يميناً ويساراً ويحاول أن يشوه الإسلام بأن يجعله موقعاً للقبول بأعدائه المتربصين به ، وهو ما أفقد الحج المضامين الإسلامية وفق الرؤية الإسلامية والتوجيه الإلهي والنبوي الذي يُفترض في الخطاب أن يكون مخصصا لمناقشة أوضاع المسلمين خلال العام الذي مضى وتقديم مقترحات تجنب المسلمين المزالق في العام القادم إضافة إلى الارتقاء بوعي المسلم إلى مرتبة متقدمة يدرك معها فلسفة معنى وجوده ، والأفق السامي لتوحيد الخالق سبحانه وتعالى وإفراده بالعبودية وهي ثقافة عظيمة إذا تراكمت بداخل المسلم مكنته من الاستدلال على ضرورة الالتزام بالأحكام وأداء العبادات بشكل طوعي دافعه الإحساس الذاتي بروح الانتماء للدين وعبادة الخالق سبحانه وتعالى بيقين صادق وإيمان مطلق .
وهنا ندرك الخطأ الكبير الذي اقترفه آل سعود ولا يزالون يسيرون على نفس الغي لكي يفقدوا هذه الفريضة العامة من مضامينها التي حددها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم عملياً في حجة الوداع ، والمسؤولية اليوم لم تعد على آل سعود بل على عامة المسلمين الذين فرطوا وأوكلوا الأمر إلى من لا يستحقه وجعلوه بيد حكام سلوكياتهم مشينة وأفعالهم قبيحة ولا يؤتمنون على ذبح دجاجة ، فكيف يؤتمنون على مناسك الحج والمواضع المقدسة التي تهم عامة المسلمين؟! إنها تساؤلات هامة ومشروعة تفرض نفسها على كل مسلم حريص على أداء هذه الفريضة كما أرادها الله سبحانه وتعالى بحيث تكون محطة للمراجعة التي تجعل الحاج يخرج منها كما ولدته أمه ، منزهاً من الأخطاء ومبرأ من الذنوب والأوزار والآثام كما جاء في حديث الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهل يعي المسلمون ويدركون ما أحدثه آل سعود من أخطاء أحاطت بهذه الفريضة العظيمة ، إنها تساؤل كما قلنا مشروع إن شاء الله ستجد الإجابة قريباً عندما يعود المسلمون إلى رشدهم ويدركون أهمية هذه الفريضة .. والله من وراء القصد ..