إيران في مواجهة الهيمنة الأمريكية
محمد ناجي أحمد
هي ليست حربا كلامية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية ،وإنما استمرار للنهج الأمريكي وهدفه المتمثل بتغيير النظام الإيراني ،وتمرير صفقة القرن الاستعمارية ،بإشغال إيران ، وإنهاكها ومحور المقاومة المرتبط والمدعوم منها .فالعقوبات الاقتصادية هي حرب فعلية ، تشمل العزل السياسي والاقتصادي ،فجوهر وغاية العقوبات الاقتصادية هو تغيير النظام في إيران ،طالما أن تطبيع وتطويع هذا النظام نحو القبول بالشروط الأمريكية ، ووضع القيود على القوة الصاروخية الإيرانية مسألة لا تقبل المساومة ، أو طرحها على طاولة المفاوضات ،التي يرغب بها ترامب وإدارته .
بالنظر إلى طبيعة العقوبات التي وقعها ترامب مؤخرا ، والتي تشمل عقوبات على مكتب مرشد الثورة في إيران ،سيرى أنها تراجعا عن الخيار العسكري الذي أظهرته أو عبرت عن نواياه من خلال تصريحات (دويلات محطات البنزين ) وفي مقدمتها السعودية والإمارات .
ولأن طبيعة وتركيبة وعقيدة النظام الإيراني تجعل تعديل السياسات والسلوك الإيراني مستحيلا لذلك يتم اللجوء إلى فرض المزيد من العقوبات ،مع عدم التخلي عن خيار الضربة العسكرية، كتلويح والدفع بالأمور إلى حافة الانفجار ،كنوع من الحرب النفسية ،لفرض الشروط الأمريكية .
طبيعة النظام الإيراني وخِبْرته في التعامل مع السياسة الأمريكية تجعل مسألة الترويض والترهيب بسياسة حافة الحرب وحافة الهاوية -مسألة غير مجدية.
الإدارة الإيرانية وجاهزيتها العسكرية المتوثبة لصد أي هجوم عسكري ،والرد عليه بذات التوقيت على أهداف وقواعد أمريكية متى بدأت أمريكا الحرب –يعكس درجة التنبه والاستعداد والسيطرة في تعاملهم مع الأزمة بذكاء وتمكن حربي وتعبوي .وكمؤشر على ذلك إسقاط طائرة التجسس الأمريكية ،التي انطلقت من الإمارات ،لتدخل في المجال الجوي الإيراني ،فكانت نهايتها أن قصفت بصاروخ أسقطها بدقة ،تاركا طائرة عسكرية أخرى ملازمة لها ،وفيها عشرات الضباط والجنود الأمريكيين ،في رسالة تعكس القوة والقدرة والحكمة في آن .
بالنسبة للشروط الأمريكية التي تطالب بها إدارة ترامب من إيران التسليم بها –هي شروط تعجيزية ،لأنها تطلب من إيران التخلي عن قدراتها الدفاعية ،والبقاء عزلاء حتى يسهل فرض الإملاءات الاقتصادية والعسكرية والثقافية إقليميا ودوليا.
الموضوع لا يتعلق بالسلاح النووي شماعة أمريكا في الهيمنة ،وإنما تقليم وانتزاع القدرات العسكرية الإيرانية ،وفرض العزل السياسي عليها ،بحيث لا يصبح لها حضورها الإقليمي في المنطقة ،وتصفير دورها المقاوم بخصوص القضية الفلسطينية .
إيران لن تقبل بالتصفير لصادراتها ،ولن تقبل بأن تخنق اقتصاديا ،ولهذا فإن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تلجأ إلى طريقين : إما تشكيل تحالف دولي لمواجهة إيران ،فالدول العظمى لا تشن حروبها ضد الدول الصاعدة إقليميا –منفردة «فهي عادة ما تكون جزءا من تحالف يهدف إلى منع قوة مهيمنة بالفعل من أن تصبح أقوى …وبدورها فإن القوى المهيمنة نادرا ما تهاجم القوى العظمى ،وتفضل بدلا من ذلك أن تتوسع ،ان تظهر قوتها عن طريق مهاجمة البلدان الضعيفة «ص147-لماذا تتحارب الأمم ؟دوافع الحرب في الماضي والمستقبل –تأليف ريتشارد نيد ليبو-ترجمة د.إيهاب عبد الرحيم علي –عالم المعرفة –أغسطس 2013م.
ومن هنا فإن تراجع الموقف الإماراتي والسعودي في التحريض على تسديد ضربة عسكرية لإيران قد جاء من كونهن لمسن الاستعدادات العسكرية الإيرانية في تسديد ضربة متزامنة مع الضربة التي ستقررها الولايات المتحدة الأمريكية ،وسيكون الرد الإيراني موجها إلى الإمارات والسعودية والبحرين وإسرائيل والقواعد الأمريكية في المنطقة ،بما في ذلك قاعدة العيديد في قطر.
والطريق الثاني الذي ستلجأ إليه الولايات المتحدة الأمريكية في حالة تم التعامل مع عقوباتها على أنها إعلان حرب ، هو تعديل وتخفيف هذه العقوبات ،بغرض نزع فتيل الحرب ،فنظرية الحرب» يجب أن تكون أيضا نظرية عن السلام .يجب أن تخبرنا بشيء عن الظروف التي يتم فيها حل النزاعات بالطرق السلمية، أو على الأقل تُمنع من التصعيد إلى حروب»ص27-لماذا تتحارب الأمم.
الهدف الاستراتيجي الأمريكي كقوة عظمى يقوم على امتلاك أقصى قدر ممكن من القوة ، والحيلولة دون هيمنة أية قوة صاعدة .ومن هنا فإن تحجيم الحضور الإيراني ولو بإيقافها عند حدودها الحالية سيكون هدفا أمريكيا في حالة ما كان البديل هو انفجار الحرب دون غطاء تحالفي دولي. فالولايات المتحدة الأمريكية ستظل تراوح في حربها النفسية من خلال تكثيف تصورات قوتها وتهديداتها ،بما يزيد عن فعلها وتصورات قوتها الفعلية.
ما يحدث بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية ليس تلويحا بحرب دوافعها أمنية ، تحت ذريعة مختلقة اسمها السلاح النووي-وإنما هي حرب توسعية، لهذا لن تكون الحرب حتمية إلاَّ إذا نجحت أمريكا في تحشيد تحالف دولي ،يمكنها من التوسع ،لأنها لو دخلت منفردة فإن الحرب ولو حسمت بالنصر فإنها ستجعلها منهكة ،وستحسم من عظمتها لصالح قوى صاعدة كروسيا والصين .لذلك ستستمر الولايات المتحدة بحربها الاقتصادية ضمن سقف لا يدفع بإيران إلى الدخول في حرب وجودية ،كطريق وحيد دفعت إليه قسرا. وهو ما نفهمه من تصريحات القيادات الإيرانية ، السياسية والعسكرية.
فالموقف الروسي حين لوحت إدارة ترامب بمضاعفة العقوبات عليها ،كان رد الرئيس بوتين :أن روسيا ستتعامل مع العقوبات إذا ما تم التوقيع عليها بأنها إعلان حرب. وهو ما أدى إلى وقفها في إطار العقوبات الممكن التعامل معها.
تتعامل إيران في استعداداتها العسكرية وفقا للمقولة اللاتينية المأثورة «إذا رغبت في السلام فاستعد للحرب «وتتعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع إيران وفقا لمسار من العقوبات الاقتصادية ، مع التلويح بدفع الأمور إلى حافة الحرب ،كي ترضخ إيران للدخول في «صفقة» اتفاق جديد ،يلبي أهدافاً مرحلية للهيمنة الأمريكية في المنطقة العربية والهضبة الإيرانية.مما يسهل لها الانتقال بدوائر هيمنتها نحو صد ومحاصرة القوى الصاعدة في شرق آسيا.
تريد أمريكا أن تحقق إجماعا غربيا في حربها ضد إيران تماما كالإجماع الذي حققته في محاصرة العراق طيلة تسعينيات القرن العشرين، وصولا إلى احتلاله عام2003م.وكالإجماع الذي حققته بريطانيا في عزل محمد علي باشا وإسقاط مشروع دولته الممتدة إلى أبواب الآستانة عام 1840م»لقد شمل الإجماع الغربي ضد العراق القضاء على القدرة الاقتصادية والعسكرية ،وذلك يعكس قاعدة ثابتة في الاستراتيجية الغربية تجاه المنطقة العربية ،أي عدم السماح «ببروز أي قطر عربي أو إسلامي قوي يمكن أن يفرض قيادته على المجموع بالضغط أو بالانجذاب ،وهو مضمون استراتيجية الإجهاض» أزمة الخليج وتداعياتها على الوطن العربي-أحمد صدقي الدجاني وآخرون-مركز دراسات الوحدة العربية –بيروت –ط2-1997م.
لهذا فإن ما حققته الولايات المتحدة الأمريكية في إسقاط العراق واحتلاله هو ما مكنها من الانتقال إلى هدفها وأطماعها في إخضاع الهضبة الإيرانية «فالذي يجري اليوم يمكن قراءته بشكل مترابط ،وهو ما يقودنا إلى خريطة واضحة ترسمها السياسة الأمريكية ،وتؤسس معها لعودة المنطقة العربية إلى الوراء ،أي إلى ما قبل الحركة القومية ،إلى ذلك الشتات العربي الأسير بين الاحتلال المباشر والاستغلال والانهيار»ص38-أزمة الخليج وتداعياتها على الوطن العربي .مرجع سابق.
يتناقض الغرب في حربه على إيران تحت ذرائع مختلقة منها السلاح النووي ومنها غياب في الديمقراطية في إيران-مستهدفا إسقاط حرية الأمم، مما يسقط أية إمكانية للتحولات الديمقراطية ،والمفارقة أن الديمقراطية في إيران أكثر حضورا وممارسة منها في محيطها الخليجي ،بل والعربي!