منذ التصريحات العلنية التي صدرت عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، قبل سنوات، لمجلة أمريكية، والتي أعرب فيها عن إيمانه بأن «الفلسطينيين والإسرائيليين من حقهم أن تكون لهم أراضيهم الخاصة»، دخلت الرياض في طريق مغاير وأكثر جرأة في علاقاتها مع «إسرائيل».
العلاقات التي باتت مفتوحة بين الرياض و«تل أبيب» لم تتوقف عند اللقاءات السرية، وتوقيع الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية، والمدح والثناء المتبادل على وسائل الإعلام، بل بحسب مصادر عربية رفيعة المستوى، تريد المملكة أن يكون للإسرائيليين موطئ قدم على أراضيها.
وأكدت المصادر في تصريحات خاصة لـ«الخليج أونلاين»، أن السعودية ستسعى خلال الفترة المقبلة لتوطيد وتدعيم علاقاتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، من خلال بوابة الاقتصاد، وستكون حريصة على توقيع عشرات الاتفاقيات الرسمية مع «تل أبيب» والتي ستقدَّر قيمتها بمئات الملايين من الدولارات.
وكشفت عن وجود مشاورات ومباحثات تتم بصورة سرية بين مسؤولين سعوديين وآخرين إسرائيليين، تتعلق بكيفية فتح الأبواب السعودية أمام حمَلة الجنسية الإسرائيلية (سواءً ثانية أو أصلية)، لدخول أراضيها بصورة علنية وفتح مشاريع الاستثمار هناك.
فتح أسواق السعودية لـ«إسرائيل»
السعودية، بحسب المصادر العربية ذاتها، رفعت الحظر نهائياً عن قضية دخول الإسرائيليين إلى أراضيها، خاصة بعد سماحها لفلسطينيي الداخل من فلسطيني 1948، حاملي الجنسية الإسرائيلية بالدخول لأداء مناسك الحج والعمرة، وهو ما فتح الطريق أمام الإسرائيليين لاحقاً.
«الرياض تريد كذلك أن تشجع رجال الأعمال الإسرائيليين على الاستثمار داخل المملكة، وضخ ملايين الدولارات في مشاريع اقتصادية واستثمارية متطورة، دون الإعلان عن هويتهم بشكل صريح، وتفضل أن يكون رجال الأعمال من حمَلة الجنسية المزدوجة؛ تفادياً للإحراج الشعبي والعربي، خاصةً الفلسطيني»، تضيف المصادر.
وزادت: «في حال تمت الخطوة المتقدمة التي وُضع لها سقف زمني لا يتجاوز ثلاث سنوات كحد أدنى وستُنفَّذها تدريجياً، فإن الرياض ستتجه إلى الخطوة الأكبر، من خلال فتح أسواقها أمام المنتجات الإسرائيلية، التي ستصل إليها بصورة غير مباشرة عن طريق دولة ثانية، ستكون مصر».
وتشير المصادر في ختام تصريحاتها، إلى أن السعودية التي تسعى لإرضاء الإدارة الأمريكية بكل الأشكال وجعلت من «إسرائيل» طريقاً للحصول على هذا الرضى، عقدت العزم على أن تكون «مثالاً» تحتذي به بقية الدول العربية في تقرُّبها من دولة الاحتلال.
بن سلمان ومنذ توليه منصب ولاية العهد في يوليو 2017، رسم صورة لمستقبل العلاقات الاقتصادية بين الرياض وتل أبيب، وقال لمجلة «ذا أتلانتيك» الأمريكية (2 أبريل 2018): إن «إسرائيل تشكّل اقتصاداً كبيراً مقارنة بحجمها».
وأضاف: «كما أن اقتصادها متنامٍ، ولعل هناك كثير من المصالح الاقتصادية المحتملة التي قد نتشاركها مع إسرائيل، ومتى كان هناك سلام مُنصف فحينها سيكون هناك كثير من المصالح بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي ودول كمصر والأردن».
إلى ذلك كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، أمس عن تدخل مسؤولين بالديوان الملكي السعودي لمحاولة ثني الإمارات عن سحب قواتها من اليمن، مؤكدة أن «السعوديين شعروا بخيبة أمل كبيرة من قرار أبوظبي».
يأتي ذلك بعد أيام من أخبار تداولتها وسائل إعلام إماراتية أفادت أن أبو ظبي تعمل على الانتقال في اليمن من «استراتيجية عسكرية» إلى خطة تقوم على تحقيق «السلام أولاً».
وفي هذا الصدد نقلت وسائل الإعلام هذه عن مسؤول إماراتي كبير أن بلاده تقوم بعملية سحب لقواتها من هناك ضمن خطة «إعادة انتشار» لأسباب «استراتيجية وتكتيكية».
وذكرت نيويورك تايمز في تقريرها أن الإمارات تسحب قواتها من اليمن بوتيرة سريعة بعد تيقنها من أن الحرب الطاحنة التي حولت اليمن إلى كارثة إنسانية «لا يمكن كسبها».
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسيين غربيين وعرب مطلعين على التفاصيل قولهم إن خفضا في عدد القوات الإماراتية قد حدث بالفعل، مدفوعا برغبة الخروج من حرب مكلفة للغاية حتى لو أغضب ذلك حلفاءهم السعوديين.
وقالت إن الإماراتيين تجنبوا الإعلان عن خطوة الانسحاب علنا للتخفيف من انزعاج نظرائهم السعوديين.
غير أن دبلوماسيين غربيين أشاروا إلى أن السعوديين شعروا بخيبة أمل كبيرة نتيجة القرار الإماراتي، وأن كبار المسؤولين في الديوان الملكي حاولوا ثني المسؤولين الإماراتيين عن خطوة الانسحاب. لكن مسؤولا في سفارة الرياض لدى واشنطن نفى للصحيفة أن تكون القيادة السعودية «غير سعيدة» بهذا القرار، مضيفاً أن قيادة الدولتين «تبقيان ملتزمتين بالأهداف الاستراتيجية بشأن اليمن».
واعتبر المسؤول الذي رفض الكشف عن هويته التزاماً بالقواعد السعودية، أن التغيرات التكتيكية أو العملياتية خلال الحملات أمر طبيعي ويتم تنفيذه بالتنسيق مع التحالف، على حد تعبيره.
وأكد أن أي فراغ تركه الانسحاب الإماراتي ستملأه القوات اليمنية التي «تم تدريبها على الوقوف وحدها دون مساعدة».
من جهته، أرجع مسؤول إماراتي رفيع- طلب عدم الكشف عن هويته ، انسحاب بلاده إلى الرغبة في دعم وقف إطلاق النار الهش الذي توسطت فيه الأمم المتحدة في الحُديدة (غرب) والذي دخل حيز التنفيذ في ديسمبر الماضي.
وأضاف «التزامنا تجاه اليمن لا يزال قائما»، مشيرا إلى أن القوات الإماراتية دربت تسعين ألف جندي يمني على ملء الفراغ بعد رحيلها.
وفي ما يتعلق بتداعيات هذه الخطوة قال مايكل ستيفنز من المعهد الملكي للخدمات المتحدة (مجموعة بحثية مقرها لندن) إن الانسحاب «سيجعل السعوديين يدركون حقيقة أن هذه الحرب فاشلة»، مضيفاً «يخبرنا (الانسحاب) أن الطرفين الرئيسين في التحالف وهما السعودية والإمارات ليس لديهما التصور ذاته عن شكل النجاح (في اليمن)».
وفي السياق قال بيتر ساليزبوري من “المجموعة العالمية للأزمات» (مستقلة تهدف لمنع الحروب) إن السعوديين مازالوا يأملون بنصر عسكري في اليمن.
وأضاف «هناك أصوات في الرياض تعتقد أن اليمنيين سيخنعون لرغبات السعودية إذا ضُغط عليهم بالحد الكافي» إلا أن «ساليزبوري» استدرك «هذه تبدو كأماني غير صالحة لرسم استراتيجية».
ويقول مسؤولون غربيون التقوا بالسعوديين، لنيويورك تايمز إن التوتر المتصاعد مؤخراً على خط إيران أدّى إلى بوادر تغير في حسابات الرياض.
وأوضحوا أن مسألة نشوب مواجهة مع إيران مع الاستمرار بمكافحة الصواريخ اليمنية التي تضرب الحدود الجنوبية للمملكة قد تكون أقنعت السعودية بضرورة التوصل إلى سلام مع اليمن.
ويؤكد الإماراتيون أنهم لن يغادروا اليمن بشكل كامل، حيث أن فرق مكافحة الإرهاب المختصة بملاحقة أفراد تنظيم القاعدة، أحد أهم مخاوف الولايات المتحدة في اليمن، ستبقى على رأس عملها.
وستبقي أبوظبي على قوات مخفضّة في عدن بحنوب البلاد، بالإضافة لدعم تحالف من القوات اليمنية مؤلف من 16 فصيلاً تقدر أعدادها بحوالي 20 ألف مقاتل.
لكن مسألة قيادة الفصائل اليمنية المتشظية على الجبهات ستنتقل إلى إدارة السعودية، بحسب مسؤول يمني تحدث للصحيفة.
إلا أن ذلك قد يؤدي إلى تقدم الجيش واللجان الشعبية على الأرض نظراً لقلة خبرة السعوديين بهذه المهمة التي كانت الإمارات تديرها، بحسب الصحيفة.