شعب يتألم ومنظمات لا ترحم

 

بلقيس علي السلطان

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، أو كما صُوِّر للبعض أنها انتهت تم تأسيس ما يسمى بـ”الأمم المتحدة”، ولنركز هنا على لفظ ( أمم ) !
لماذا لم يقولوا الشعوب المتحدة؟
لأنهم يعرفون جيدا ما معنى أمَّة، وما معنى أن تدَّمر أمَّة، وأن تغزى أمَّة، وأن يُتدخل في شؤون أمَّة، وذلك عن طريق هيئة تكون بمثابة الحرب العالمية غير المعلنة من خلال منظمات ومؤسسات تلك الهيئة بدءاً بمجلس الأمن وانتهاءً بمنظماتها التي تظهر الرحمة وباطنها من قِبله العذاب.
لقد أوهمت الشعوب نفسها بعدة ثورات وقدمت أنهاراً من الدماء لحماية أوطانها من المحتلين والغاصبين، وكللت ذلك بالرضوخ لمعاهدات دولية، والرضوخ لقوانين تعتبر كاحتلال أبدي غير معلن يقضي بالتدخل في شؤون بلدانهما بمسميات إنسانية وبأساليب لا إنسانية ولا أخلاقية.
لا أحد يستطيع اكتشاف قبح منظمات الأمم المتحدة إلا من اكتوى من نارها وجحيمها التي تضرمه في البلدان وتعمل بعد ذلك عمل المنقذ، وليتها تنقذ ؛ بل تزيد من وضع الزيت على النار وتقوم بتقليب الضحية كي تصل النار إلى جميع جسده متلذذة بصياحه وأوجاعه.
لقد انكشفت سوءة الأمم المتحدة ومنظماتها الهزيلة منذ أول يوم للحرب الجائرة على اليمن، فمن إدانات مخزية وغير صريحة إلى تخاذل في إيصال ما يحتاجه المواطن اليمني من غذاء ودواء، وعجز عن حماية المدنيين من أن تطالهم نيران الحروب حسب مواثيقم وقوانينهم الكاذبة التي يوهمون بها الأمم منذ عقود من الزمن!
أين كانت مواثيقهم عندما أطلقت شرارة تحالف الشر منذ أول ليلة على بني حوات، وما أعقب ذلك من مجازر يندى لها الجبين؟
ماذا عن أطفالٍ تحت الركام؟ وأطفال قصفوا وهم في حافلة رحلة صيفية؟
ماذا عن طفلة تستهدف وهي في الطريق إلى مدرستها؟ وماذا عن مدارس ومستشفيات تقصف؟ ماذا.. وماذا …وماذا؟
لقد انتشرت في الآونة الأخيرة المبادرات والمنظمات وتحت عناوين لامعة ومبهرة وتحت أهداف دنيئة ومخزية لم يتعدَّ دورها سوى إكمال ما بدأت به قوى الشر وبشكل غير معلن، فأولئك يدمرون بالقصف والحصار والتجويع، وهؤلاء يدَّمرون الأخلاق والقيم ويمارسون القتل تحت مسمى “الإنسانية”، فلا حرج عندهم من توزيع أغذية فاسدة قد أكل منها الدود وشرب، والسكوت على شح الأدوية الضرورية التي انعدامها يتمثّل في الموت البطيء للمريض كأدوية الفشل الكلوي والسرطان وغيرها، وكذلك الوصول إلى انتهاك الأعراض بأساليب رخيصة ودنيئة واستغلال الوضع الاقتصادي في استقطاب الشباب وجرهم إلى مستنقعات موحلة من أجل تفكيك أخلاقهم ومبادئهم، بل وجر من استطاعوا جره معهم.
المتتبع للحروب السابقة على كثير من الأمم سيجد أن نفس الأجندة تنفذ في اليمن كما نفذت من قبل، وستنفذ على من سيأتي الدور عليهم ما لم يفيقوا من غفلتهم واستكانتهم وخضوعهم المخزي، فليس لنا حاجة لهكذا هيئة وهكذا منظمات، ما حاجتنا لمنظمات إغاثة ونحن نمتلك أراض زراعية من أخصب الأراضي في العالم، وما حاجتنا لمنظمات إنسانية ونحن أمة نبي الرحمة والإنسانية الذي نزل عليه قول الله تعالى : (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ)، وما حاجتنا لمنظمات تدَّعي الاهتمام بالطفولة؟ فنحن الأكثر اهتماما من غيرنا بأجيالنا وبذرة الخير لأمتنا، فأنى لهم أن يهتموا بمن يخافون من وعيهم وبصيرتهم ؟
يبقى التذكير الأخير بأن التحذير من أولئك قد جاء عبر وسيلة استخباراتية لا يفهمها سوى من تعمَّق في الثقافة القرآنية التي تنص على: (مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ) وركزوا على “مِّنْ” التي تفيد التبعيض أي: ولو بعض من الخير، لذلك لا استغراب من أفعالهم بل الاستغراب من الانجرار وراءهم والتعويل عليهم، وتعويلنا دائما وأبدا على الله، هو حسبنا ونعم الوكيل، وهو ناصر المستضعفين، وقاصم الجبارين، ومبير الظالمين.

قد يعجبك ايضا