لقد ولدت الثورة الصناعية حركة تصنيع واسعة فانتشرت المصانع الكبيرة في الدول الرأسمالية، وزاد إنتاجها عن حاجة أسواقها، فبدأت تبحث عن أسواق جديدة لتصريف منتجاتها، وعملت على نقل بعض مصانعها إلى الدول النامية عبر الشركات المتعددة للاستفادة من الأيادي العاملة الرخيصة، والشركة المتعددة الجنسية أو العابرة للقارة هي شركة ضخمة تخضع ملكيتها لسيطرة جنسيات متعددة، وتزاول نشاطها في عدة دول، وتقع مقارها الرئيسية في دولة معينة تسمى الدولة الأم، ويتجاوز نشاطها الحدود الوطنية والإقليمية لهذه الدولة، وتتوسع في دول أخرى تسمى الدول المضيفة، وتزايد عددها في العقدين الأخيرين من القرن العشرين كإحد أهم معالم النظام الاقتصادي الرأسمالي في خضم تزايد ظاهرة الإصلاحات الاقتصادية التي اجتاحت معظم ما يعرف بدول العالم الثالث (الدول النامية) وفي كل دولة تعمل فيها تحمل جنسيتها حتى تحصل على جميع التسهيلات التي تمنحها هذه الدول فيما يختص بإنتاجها، أو الخدمات التي تحتاج إليها، أو كليهما معاً ولا تستطيع أن تحظى بهذه التسهيلات إذا ظلت محتفظة بجنسيتها الأصلية، وتعود نشأة الشركات المتعددة الجنسيات نتيجة لتطور آلة الإنتاج والتصنيع وزيادة حجم الإنتاج الأمر الذي أدى إلى الاحتياج إلى أسواق لتصريف تلك المنتجات، حيث انتشرت تلك الشركات وامتد نشاطها إلى عدد من الدول، وظهرت الشركات المتعددة الجنسيات بشكلها العالمي على يد الشركات الأمريكية العملاقة التي انتشرت منذ نهاية الحرب لزيادة استثماراتها المباشرة خارج الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بإنشاء وحدات إنتاجية في كندا وأوروبا وأمريكا اللاتينية، وفي إطار استراتيجية إنتاجية عالمية موحدة، وسرعان ما حذت الشركات الأوروبية حذو الشركات الأمريكية بعد أن استردت أوروبا أنفاسها بعد الحرب وإعادة بناء قوتها وبدأت بإنشاء وحدات إنتاجية خارج حدودها.
الكاتب والباحث/
أحمد يحيى الديلمي
Next Post