مرحلة ثانية من الردع قادمة بعد تقديم كل التنازلات المتاحة
جميل أنعم العبسي
تتوقف الملاحة الجوية في مطارات جيزان ونجران وأبها كلياً عند كل استهداف يطالها بسلاح الجو المسير بهجمات دورية أضحت شبه يومية، فيما تخيم على الأجواء هناك حالة من الشلل الشبه تام جراء إلغاء شركات الطيران رحلاتها واستجابة المواطنين لنداء القوات اليمنية بالابتعاد عن المطارات والمنشآت الحيوية والعسكرية.
ويعترف النظام السعودي بوصول الطائرات المسيرة على مطاراته في أبها وجيزان ونجران زاعماً اعتراضها تارة والتقليل من شأنها تارة أخرى، بيد أن القوات اليمنية تؤكد أن العمليات تستهدف أماكن عسكرية في المطار وتؤكد أن العمليات تحقق أهدافها باستهداف مرابض الطائرات الحربية ومستودعات ذخائر المقاتلات التي تستخدم للعدوان على اليمن.
انتقاء ذكي للأهداف وإتقان في استخدام السلاح
عند الحديث عن الأهداف العسكرية الأكثر إيلاماً ربما يتبادر للأذهان ميناء دبي وشركة أرامكو وخزاناتها وموانئها وأنابيب الضخ التابعة لها، لكن عندما تؤكد القوات المسلحة وجود أهداف أكثر إيلاماً مع تحديد أولوية الهدف منها رفع الحصار وإيقاف العدوان، يعني فعلياً وجود معادلة ردع استراتيجية من شأنها إعادة السعودية والإمارات عقود من الزمن إلى الوراء، فضلاً عن الاستنزاف المالي المميت لهما ودخلوهما في أزمات داخلية طاحنة تتسع كل يوم مع استمرار الهجمات اليمنية.
عناية بانتقاء الأهداف العسكرية يؤكدها العميد سريع بأن بنك القوات المسلحة يشمل أهدافاً حيوية قد تتفوق من حيث الأهمية الاستراتيجية لدى العدو منشآت وأنابيب النفط، وان القوات اليمنية قادرة على استهداف عدد من الأهداف في وقت واحد وبأسلحة مختلفة، مؤكداً امتلاك القوات إرادة القرار وأنها لن تتردد في تنفيذ المزيد من العمليات من أجل رفع المعاناة على الشعب اليمني جراء العدوان والحصار.
مؤخراً كشفت قناة الجزيرة صوراً خاصة من أقمار اصطناعية حصلت عليها القناة أظهرت آثار القصف الجوي الذي تعرض له مطار جيزان الإقليمي يوم 24 يونيو بطائرات يمنية مسيرة، وتوضح الصور أن هجوم سلاح الجو المسير اليمني بطائرات قاصف 2k استهدف بدقة عالية مواقع عسكرية بحسب خبراء تحليل الصور الفضائية. ويلاحظ من الصور أن الأضرار التي تم رصدها تقع جميعها في الجانب العسكري من المطار شمال المدرج، أما الجانب المدني من المطار الذي يقع في منتصف المدرج فإنه لم يتعرض لأي أضرار، مثله مثل المنطقة السكنية المحيطة بالمطار، ما يشير إلى دقة وإتقان في استخدام سلاح الجو المسير وانتقاء المواطن المؤلمة في كل هدف استراتيجي.
في الحقيقة كانت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية قد نشرت تقريراً، أعده كل من “ديون نيسباوم” و “وارن ستروبل”، يقولان فيه بالنص: “إن الحوثيين في الشرق الأوسط دخلوا عصر حروب الدرون”، وينوه الكاتبان في المقال، إلى أن “الحوثيين أظهروا براعة في استخدام الطائرات دون طيار، وأصبحوا خلال فترة قصيرة من الجماعات الأكثر مهارة في استخدام هذا السلاح، ما أثار جدلاً في واشنطن”. التقرير قال أيضاً أن “المخابرات الأمريكية توصلت إلى أن برنامج طائرات الدرون الحوثي محلي ولا يحتاج الحوثيون لأي مساعدة خارجية”.
نتائج مثمرة للمرحلة الأولى من عمليات الردع
في نتائج المرحلة الأولى من عمليات سلاح الجو المسير ووحدة القوة الصاروخية أكد متحدث القوات المسلحة العميد يحيى سريع، أن إجمالي عمليات سلاح الجو المسير بلغ خلال الشهرين الماضيين 36 عملية منها 15 عملية بالاشتراك مع المدفعية، فيما القوة الصاروخية كان لها حضور خلال الشهرين الماضيين بخمس عمليات استخدمت فيها الصواريخ الباليستية.
وقال العميد سريع في مؤتمر صحفي إن” 21 عملية لسلاح الجو المسير استهدفت منشآت عسكرية سعودية أو تستخدم لأغراض عسكرية خلال الشهرين الماضيين”، مضيفًا أن” 10 عمليات لسلاح الجو المسير على مطار أبها و7 عمليات على مطار جيزان و3 عمليات على مطار نجران وعملية على قاعدة خميس مشيط”، موضحاً أن القوة الصاروخية كان لها حضور خلال الشهرين الماضيين بخمس عمليات استخدمت فيها الصواريخ الباليستية باستهداف منشآت عسكرية أو تستخدم لأغراض عسكرية بـ 2 صواريخ كروز مجنح و2 بدر اف وصاروخ قصير المدى.
ويؤكد العميد أن “النظام السعودي لن يتمكن مع استمرار عمليات القوات المسلحة من إعادة الحركة للملاحة الجوية”، وأن “العمليات مستمرة في استهداف المنشآت المعادية المستخدمة لأغراض عسكرية”.
في المقابل لم يجد النظام السعودي حرجاً من إقامة ثلاث قمم في شهر رمضان 1440هـ استعرض فيها بقايا لطائرات هاجمت محطات ضخ النفط في محافظتي الدوادمي وعفيف بمنطقة الرياض، مستجدياً الدعم والمؤازرة في حرب خلقها قبل أكثر من أربع سنوات ولم يستطع حسمها، وبدأت النيران تنال منه وفي أماكن حساسة يخشاها، ما يؤكد اداركه الخطر الداهم عليه، هو ذات الخطر على صانعي قرار الحرب في تل أبيب وواشنطن.
انتقاء ذكي للتوقيت
بدأت العمليات العسكرية تأخذ مجراها الردعي في مواجهة العدوان عقب تنفيذ الجانب الوطني خطوة إعادة الانتشار من طرف واحد والتي وضعت العدو أمام اختبار حقيقي عن توجهه لتنفيذ اتفاق السويد، بمعنى إقامة الحجة على تحالف العدوان بحال استمراره بالحصار والعدوان، سيما أن رفع الحصار الاقتصادي واعادة فتح مطار صنعاء كان ضمن اتفاق السويد والذي كان إنسانياً بالدرجة الأولى، بيد أن قوى العدوان تعرقل تنفيذه متخذةً من الجانب الاقتصادي ورقة ضغط للابتزاز السياسي.
إقامةَ للحجة تقدم المجلس السياسي الأعلى بمبادرة من طرف واحد وجه فيها الحكومة بإنشاء حساب خاص في فرع البنك المركزي اليمني في محافظة الحديدة وتوريد إيرادات الموانئ الثلاث (الحديدة، رأس عيسى، الصليف) إلى هذا الحساب، بحيث يُستخدم لصرف المرتبات لكل اليمنيين، وحمَّل السياسي الأعلى الطرف الآخر كامل المسؤولية في حال التهرب بشأن الورقة الاقتصادية خلال مشاورات السويد، كما نبه أن على الطرف الآخر أن يتحمل كل التبعات التي ستنتج عن استمرار فرضه القيود الاقتصادية الجائرة واستخدامه للاقتصاد أداة للحرب والعدوان والتجويع والمساومة.
تدشين مرحلة ثانية من عمليات الردع
متحدث القوات المسلحة أكد في مؤتمره الأخير أن ” القيادة العامة للقوات المسلحة بصدد دراسة تنفيذ المرحلة الثانية من عمليات الردع والرد المشروع وأن القوات اليمنية تدافع عن الوطن وتمارس حقها المشروع في حماية المواطنين والأرض اليمنية من محاولات الغزو الأجنبي”.
كما لا يفوت العميد في كل مرة يظهر فيها أن يجدد دعوته لكافة المدنيين بأن عليهم التعامل مع تحذيرات القوات اليمنية بمسؤولية فلن يتوقف الاستهداف لتلك المنشآت إلا بتوقف العدوان، مؤكدا أنهُ قد تتوسع العمليات لتشمل أهدافاً أخرى مشروعة وضمن نطاقات جغرافية أوسع.
أريحية وثقة في إرسال الرسائل والتحذيرات، لا تكون إلا بامتلاك القدرة وإرادة القتال، ومخزون وفير من الأسلحة الاستراتيجية من سلاح الجو المسير والقوة الصاروخية لتنفيذ مرحلة من أهم مراحل مواجهة العدوان، يستحيل أن يكون ذلك بغير اكتفاء وتصنيع محلي تجاوز مرحلته التمهيدية والتجريبية إلى مرحلة القدرة على الردع، بخلاف ما يزعمه تحالف العدوان بشأن تهريب الأسلحة هروباً من فضائح الفشل الذريع أمام اليمنيين وحدهم.
من المهم الإشارة هنا إلى أن التصعيد جاء بعد تقديم كل التنازلات المتاحة من الجانب الوطني لتنفيذ اتفاق السويد في محافظة الحديدة وغيرها من الملفات، وهو ما يشي بأن الجانب الوطني والقيادة قرر البدء بالمرحلة الثانية ربما من الإمارات، وما يدعم ذلك معلومات مؤكدة تشير لنوايا قوى العدوان التصعيد في الساحل والحديدة في ظل إشاعات تتحدث عن انسحاب القوات الإماراتية من الساحل الغربي لليمن في الوقت الذي تصل فيه المئات من المدرعات المخصصة للمناطق الساحلية إلى عدن، أيام قلائل تفصلنا عن مشهد سيبدو أكثر وضوحاً من الآن.