الجهل والسعادة لا يلتقيان

 

حسن سعيد الدبعي
منذ انفصل علم النفس عن الفلسفة قبل مائة عام ونيف وهما يتنازعان الوصاية على مفهوم السعادة وكلاهما يزعم الوصاية عليه واحقيته بالرعاية النظرية له ففي البدء كانت الفلسفة في العصر اليوناني تشدد على أن الحياة الخيرة متماهية مع حياة الفضيلة وهو شعار لقي قبولاً واسعاً آنذاك لأن القول بالحياة المثلى على أنها حياة الفضيلة تدفع المرء لأن يتحلى بالفضائل طالما أن التخلي عنها ونبذها يجعله يحيا حياة مزرية وبائسة.
وبوسعنا أن نلمح هنا عنصراً أنانياً في سعي المرء على طلب الحياة الخيرة ونُشْدَان الفضيلة فقد ذهب أرسطو إلى أن الناس يعتقدون أن الحياة السعيدة تتمحور حول اللذة والشرف والثروة أو الفضيلة وبما أن الثلاث الأوائل لا تتبدى كافية بذاتها لصنع السعادة فإن الفضيلة وحدها حرية بأن تتماهى مع الحياة الخيرة وهذا الميل نحو ربط الحياة الخيرة بالفضيلة نجده ممتداً في الفلسفة اليونانية القديمة وبصورة باهرة لدى المدرسة الرواقية بحيث أعادت تلك الفلسفة صياغة السؤال عن الطريقة المثلى لعيش حياة الخير ليفصح عن الكيفية التي من خلالها يصبح المرء فاضلاً.
ويضج تاريخ الفلسفة القديمة بآراء متنوعة حول هذا الأمر لعل أشهرها شعار “الفضيلة هي المعرفة” والتي صدح بها سقراط ومن بعده الرواقيون فبالنسبة لهم كانت الحياة الخيرة هي حياة الفضيلة والتي هي قبل ذلك حياة المعرفة وربما كان دائم الزعم بأنه لا يعرف شيئاً إلاّ أن المعرفة والفضيلة كانتا متشابكتين ومتضافرتين حسب قوله بأن المرء لا يقوم بارتكاب الخطأ عن قصد فسقراط يشدد على أن المرء حينما يسرق مالاً أو يقتل نفسا بريئة فإنه يسير ضد ارادته وكما يذهب أرسطو ومن بعده فالمرء حينما يقترف شيئاً عن جهل يقوم به ضد إرادته وخير برهان على ذلك التراجيديا الكلاسيكية: ففي مأساة سوفوكليس قتل أوديب أباه ولم يكن يعلم من يكون ضحيته.
ومع ذلك فقد كان سقراط ماهراً كدأبه في تقديم حجة قوية متسمة بالبساطة لتدعيم زعمه حيث ذهب إلى أن المرء عندما يقترف عملاً خاطئاً فإنه في حقيقة الأمر يقوم بعمل سيئ وليس هناك من يرغب بالقيام بأعمال سيئة إذ أن البشر كافة يرومون ما هو خير ومن البداهة أن تلك هي عينها الطريقة التي وفقاً لها يقوم المرء باختياراته عندما يختار الأفعال التي تبتدّى له أنها الأفضل في سياق زمني محدد ولذا فإن المرء في واقع الأمر عندما يقترف فعلاً سيئا دون قسر أو إرغام فإن علة ذلك جهله، ويلوح بذلك وكأنه خال من المعرفة أو جاهل شأنه في ذلك شأن أوديب أو جاهل بما هو في صالحه، والأفضل له، وهكذا فإن منتهى القول عند سقراط ينطوي على أن القيام بفعل خاطئ يكون سببه الجهل فالمرء لو قيض له معرفة الخير فلن يختار السيئ، ولو أردنا صياغة الموقف السقراطي على هيئة شعار أو حكمة لكانت كالتالي: ” الانسان السيئ هو الجاهل بما هو خير له”

قد يعجبك ايضا