ثـورة26ســبتمبر كانت ضـروره لانتـشـــال اليـمــن مـن أوضاعöهö المتردية


واحدَ وخمسون عاماٍ منذْ اندلِعِتú أولى شرارات الثورة السبتمبرية الخالدة عشية السادس والعشرين من سبتمبر 1962م والتي حولتú مجرى التاريخ اليمني برْمِته ونقِلِت اليمنِ من عهد كهنوتي مستبد إلى عهد ديمقراطي عادل قوامْهْ البناءْ والتنميةْ وهدفْهْ القضاء على كافة مظاهر الجهل والفقر والتخلْف والمرض والأوبئة التي كانتú سائدةٍ في عهد النظام الإمامي الظلامي المْباد.
في هذا الحوار ناقشنا مْجمِل ما يتعلق بثورة سبتمبر الخالدة من خلال أحد أبرز مناضليها ونجومها الأنقياء الذين قدموا الكثير والكثير وخرجوا من مناصبهم الحكومية وليس معهم سوى الذكرى الطيبة.. إنِهْ المناضل الكبير اللواء ((حسين شرف الكبسي)) الذي يْعِدْ من ألمع وأبرز شباب تنظيم الضباط الأحرار الذين فجروا الثورة السبتمبرية المباركة وقضوا على أكثر الأنظمة الملكية جهلاٍ وتخلْفِاٍ في المنطقة فإلى الحوار:

• حبذا لو حدثـتمونا عن ذكرياتكم ودوركم عشية الثورة السبتمبرية الخالدة¿
-ليلة تفجير الثورة السبتمبرية المباركة في26سبتمبر 1962م كنتْ أقود إحدى الدبابتين اللتين اتجهتها نحو قصر السلاح لفتحه من أجل تموين وتزويد بقية الزملاء بالأسلحة الكافية لإنجاح المهام الموكلة إليهم.
وقد اتجهتْ أنا بدبابة والزميل اللواء علي محمد الشامي بدبابة أخرى صوب باب اليمن وحاولنا الدخول منه للذهاب إلى قصر السلاح وفتحه ولكن حرس باب اليمن رفضوا أن يفتحوا لنا لأنهم أحسوا أن تحركنا بالدبابات والوقت ليلاٍ فيه شيء غير مألوف وينبئ عن ثورة ضد الإمام البدر الذي كان متواجداٍ في الوقت نفسه في دار البشائر وقد اتجِهِتú لمحاصرته بعضْ الدبابات بقيادة الزميل عبدالله عبدالسلام صبرة ويحيى حجاف وعدد من الزملاء لا أتذكر أسماءِهم الآن فيما اتجِهِتú مجموعةَ بقيادة الزملاء صالح الأشول وعلي قاسم المؤيد وعلي أبو لحوم ومحمد السراجي نحو الإذاعة.
المهم أننا بقينا في باب اليمن والحرس يرفضون فتحه فقلنا لهم: إذا لم تفتحوا لنا سنضطر إلى كسر الباب والدخول غصباٍ فأتى اللواء حسين الدفعي وتدخل في الموضوع فاقتنع الحرس وفتحوا لنا باب اليمن لنتجه منه صوب قصر السلاح بعد أن هدأت أصوات السلاح التي حصلت عند ساعة الصفر على دار البشائر والإذاعة وغيرها من الأماكن التي كان يتواجد فيها بقية الزملاء من تنظيم الضباط الأحرار.
وعند وصولنا قصر السلاح رفض الحرس أن يفتحوا لنا وطلبوا منا رسالة من إحدى الشخصيات المعروفة فاضطررنا للبقاء أمام بوابة قصر السلاح بعد أنú أوقفتْ الدبابةِ بوضعيةُ اعتراضية حتى لا أسمح لشخصُ بالدخول أو الخروج حتى أتى الزملاء برسالة من المشير عبدالله السلال بعد إقناعه بضرورة الانضمام للثورة يأمرهم فيها بفتح القصر. وبدخولنا القصر كان الأمر قد تهيأ فيه لوجود زميلنا حسين الرضي وصالح الرحبي داخله واللذين أقنعا المتواجدين فيه بالانضمام للثورة وقد كان العلم لديهما مسبقاٍ عن قيام الثورة.
قبل ذلك كْنا قد أمسكنا بأحد الأشخاص جاء يحمل رسالة من البدر إلى الذين في قصر السلاح وهذا جعلهم يعيشون في جهل عما يدور خارج القصر إلى أنú دخلنا وقمنا بأخذ السلاح وتوزيعه على بقية الزملاء الذين كانوا في مهامهم بقصر البشائر والإذاعة حينها فقط علموا بالثورة.
وقبل وصولنا قصر السلاح عشنا لحظات عصبية خاصة وأنِ أصوات المدافع والدبابات كانت قد هدأت فخشينا أنِ الأمر قد حصل فيه شيء خاصة وأنه لايوجد وسيلة اتصال فيما بيننا فقام الأخ علي عبدالقادر وذهب ليستطلع الأمر ونحن بقينا في الدبابة أنا وقاسم الروحاني وحين أبطأِ علي عبدالقادر قلت لقاسم الروحاني: أنت انزلú واذهبú لترى ماحدث وأنا سأبقى هنا في الدبابة ومعي قنبلة يدوية اذا اشتدت الأمورْ سأفجرْها داخل الدبابة لكنهْ رفض وقال: أبداٍ نموت جميعاٍ أو نحيا جميعاٍ.. فظللنا وقتاٍ بسيطاٍ وإذا بمجموعة من الشباب قد أقبلوا على مدرعة يقودها الزميل هاشم صدقة وهم يهتفون عاشت الثورةº عاشِ الجيش فرجِعِتú فينا الروحْ وعادِ إلينا الأملْ خاصةٍ وأنِ الجهل بالثورة وبما نقوم به كان متفشياٍ لدى المواطنين الذين كانوا يخرجون من المساجد من صلاة الفجر وهم يقولون: ماذا يريد هؤلاء من مولانا الإمام البدر بعدما زاد لهم الرواتب وحِسِنِ معيشتِهم¿! في هذا الوقت كان الزملاء قد أقنعوا المشير عبدالله السلال قائد الحرس الملكي بالصعود معهم إلى القياده لتولي قيادة الثورة وفورِ صعوده معهم وجِهِ – كما سبق – بفتح قصر السلاح ليتم دخولنا إليه دون أي مقاومة.
شخصية اعتبارية
• لماذا أسند تنظيم الضباط الأحرار القيادة للمشير السلال رغم أنهْ لم يكن منهم¿
– في بداية الأمر كْنِا بحاجة إلى شخصيةُ معروفة للجميع سواءٍ المواطنين أو الجيش ولم يكن بيننا شخصية بهذا الحجمº لأننا كلنا كْنا من الشباب ولا توجد لدينا معرفة كبيرة بالجيش أو المواطنين لهذا رأى تنظيم الضباط الأحرار وخاصةٍ العناصر القيادية فيه مثل علي عبدالمغني ومحمد مطهر أنú يتم ترشيح رئيس للقيادة يكون معروفاٍ للجميع فكان الاختيار للمشيرالسلال والذي سبق وكان له أدوار نضالية كبيرة.
وقد مِثِلِ انضمام السلال للثورة منذ ساعاتها الأولى نصراٍ كبيراٍº نظراٍ لما كان يتمتع به من احترام وتقدير من قبِل الجميع وهو الأمر أو السبب الذي دفعنا إلى توليته قيادة الثورة رغم أنِهْ لم يكن معنا في تنظيم الضباط الأحرار.
أمرَ عادي
• كيف كان الوضع بصنعاء صباح يوم الثورة¿
– الأمر بدا عادياٍ لأنِ إطلاق النار كان قد توقفِ والبدرْ قد هربِ إلى خارج صنعاء ولم تعد توجد مقاومة من أي مكان لأنِ قصر السلاح وهو مْهم كان قد فْتحِ والإذاعةْ قد سقطتú ليلاٍ بيد الزملاء الذين اتجهوا نحوهاº وقصر البشائر قد هربِ منه البدر واستسلم معظمْ حرسه.. وهكذا فقد بدا لنا الوضع حينذاك عادياٍ حتى أنِ بعض الزملاء أتوا يعاتبوننا لأنِنا لم نْعلمهم بذلك والسبب أنِ تنظيم الضباط الأحرار كان محدوداٍ ولم يكن يعرف به جميع الزملاء وعندما وصلِ إليِ أحدْ الزملاء يعاتبني على عدم إعلامه بالثورة التي قمنا بها ليلاٍ ليشارك فيها ظناٍ منه أنِها حِدِثَ ينتهي لساعته قلت له: الأمر لايزال طويلاٍ فخْذú دبابتي واجلسú فيها وأنا سأنزل إلى منزلنا بالقاع أتفقد الأْسرة وآكل لي شيئاٍ من الطعام وأطمئن الأهل وسلِمتْ لهْ الدبابة ونزلتْ من قصر السلاح صوبِ المنزل فلقيتْ والدي أمام الكلية بالقرب من باب اليمن وكان خائفاٍ عليِ فقلت له: أنت اذهبú إلى خولان طمئن الأهل والأقارب وأنا سأذهب إلى البيت وحين وصلتْ البيتِ جاءِني اللواء عبدالله جزيلان وقال: إنِهْ حدثِ تجدد في إطلاق النار في دار البشائر وأِمِرِني أنú آخذ دبابة وأذهب إلى هناك لتعزيز الوضع º فأخذتْ الدبابة وذهبتْ لأجدِ الأمورِ قد حْسمِتú وتم تسليم قصر البشائر للواء حسين الزين رحمه الله.
اصطفاف وطني
• هل كانت ثورة سبتمبر ثورة بمقاييس العصر الحديث¿ وكيف تلقِى الناسْ نبأِها¿
– الحقيقة أنِ العمل الذي قمنا به قبل تفجيرالثورة كان عملاٍ له كل مقومات العمل الثوري النضالي وعليه فقد جاءِت الثورةْ لتْمِثلِ حدثاٍ ثورياٍ كبيراٍ بكل ماله من مقاييس ومقومات بل وزادِ من أهميِتها وفاعلِيتها أنِها قامت ضد نظامُ له مئات السنين وقد استفحلِ في الشعب ماجعلِ القضاءِ عليه يبدو صعباٍº واقتلاع جذوره يحتاج إلى تكاتف جهودُº وإيمان مطلق بضرورة القضاء عليه. ولولا الحماس والإرادة القوية التي كان يتميز بها شباب تنظيم الضباط الأحرار الذين استفادوا من تجارب ثورتي 1948م و1955م لما تمِ تفجيرْ الثورة ونجاحْها.
صحيح كان الشعب في عمومه يجهل معنى ثورة أو جمهورية لكن النخبة كانت على علم بذلك وخاصة الجيش الذي كان عماد الثورة السبتمبرية والحارس الأول الذي وِقِفِ إلى جانبها وساندها منذْ ساعاتها الأولى.
الثورة كانت محدودة في أيِامها الثلاثة الأولى لكنú نتيجة الظلم والأوضاع المتردية التي كانت في عهد الإمامة والكراهية من قبِل الشعب لهذا النظام البائد فقد تحوِلِ الشعبْ خلال ثلاثة أيامُ إلى ثائرُ بأكمله ووقِفِ الجميعْ مع الثورةº وأِتِتú الجموعْ من كل المناطق تساند الثورة وتقف معها وتتجيِش في صفوفها ولولا الاصطفافْ الوطني الكبير مع الجيش لفشلت الثورة.
الثورة ضرورة
• هل كان قيام الثورة السبتمبرية المباركة اعتباطاٍ أم ضرورة¿
– بالنسبة لنا كانت الثورة ضرورة لأنِ البلدِ كان لايزال مْغلقاٍ على نفسه ويعاني من شتى صنوف الفقر والجهل والعوز والمرض فضلاٍ عن التهميش الذي جعلِ العالِمِ يجهلْ وجودِ شعبُ اسمْهْ اليمن وقد ظلِ هذا الوضعْ قائماٍ إلى بعد قيام الثورة بفترة نتيجة التراكمات السابقة.
وخير دليلُ على ذلك رواية الشهيد محمد محمود الزبيري “مأساة واق الواق” التي رمِزِ بها لليمن آنذاك وبأنِها بِلِدَ أسطوري خيالي مثل بلاد واق الواق التي لا أصل لها على أرض الواقع. وهذا ماكان يسمعه الزملاء الذين خرجوا إلى خارج الوطن قبل الثورة وسمعناه نحن في السنوات الأولى لقيام لثورة مايعني أنِ الأمر كان استثناءٍ وأنِ ما كان يعانيه اليمنْ كبيراٍ ويحتاج إلى تغيير وهذا التغيير ما كان ليحصل إلا بقيام ثورةُ تنتقل بالشعب من النظام الإمامي الملكي المستبد إلى نظامُ جمهوري عادل خاصة وقد أثبتِتú ثورة 1948م وثورة 1955م فشلهما حين أرادتا تغييرِ إمامُ بإمام تحت مْسِمِى ملكية دستورية وغيرها.
وأريدْ أنú أقولِ لك إنِ ثورة 26سبتمبر 1962م كانت امتداداٍ لثورتي 1948م و1955م وقد استفدنا – نحن الضباط الأحرار – فيها من سلبيات الثورتين السابقتين فعملنا على تلافي أخطاء الماضي فكانت ثورةْ 1962م ثورةٍ مدروسة وتمِ التخطيطْ لها بإحكامُ وسرية تامة فجاءِتú نتائجْها موفقةٍ خاصةٍ وأنِ الوضعِ قد كان متردياٍ للغاية وبحاجة إلى تغيير وهو ماحِدِثِ ووفقِ اللهْ به الجميعِ لتقومِ الثورةْ وينتصرْ الشعبْ على ذلك النظام المْتخلف وليتحققِ قولْ الشاعر:
مشيناها خْطىٍ كْتبِتú علينا
ومِنú كْتبِتú عليه خْطىٍ مشاها
شهيد لم يْنúصِف
• متى بدأ تنظيم الضباط الأحرار¿ ومِن كان صاحبْ الفكرة¿
– تنظيم الضباط الأحرار بدأِ في مطلع عام 1961م على ما أذكر وكان أبرز الذين أسِسوهْ الشهيد علي عبدالمغني والشهيد محمد مطهر وأحمد الرحومي وصالح الأشول.
• وهل أِنúصِفِ الكْتِابْ والمؤرخون الشهيدِ علي عبدالمغني الذي يْجمعْ كْلْ المناضلين ممِنú لا يزالون على قيد الحياة أنِهْ دينامو الثورة السبتمبرية¿
– الحقيقة لنú يستطيعوا إنصافِهْ ولو كتبوا ماكتبوا لأنِ دورِهْ كان كبيراٍ جداٍº دوراٍ ليس بسيطاٍ ولا هيناٍº فهو أول مِنú فكِرِ بإقامة ثورةُ مْخطِطَ لها مسبقاٍ وبدأِ أْولى خطواتها بإقناع كل الفصائل الوطنية التي كانت تحمل أفكاراٍ مغايرة بضرورة الاجتماع على كلمةُ واحدة ورأيُ واحدº وقد تحقق له ذلك ودِمِجِ كافةِ الكيانات السياسية داخلِ كيانُ واحد استطاعِ من خلاله تأسيس تنظيم الضباط الأحرار الذي أقسِمِ كْلْ أفراده على أنú نتخلِى عن أي تنظيمُ سياسي أو حزبي وأنú يكون عملْنا داخل التنظيم موحداٍ لأجل الوطن. وهذا ما تم والفضل في ذلك يعود للشهيد علي عبدالمغني الذي كان محبوباٍ لدى الجميع ولديه قْدرة عالية على الإقناع وقد أقسمنا على المصحف والمسدس أنِنا يِدَ واحدة في العمل ومواجهة الأخطارº بعيداٍ عن الحزبية والعنصرية والطائفية وما إليها.

وقد تجلِى دورْ الشهيد علي عبدالمغني في خِلúق هذا الاصطفاف داخل تنظيم الضباط الأحرار الذي يْعِدْ هو لِبنِتْهْ الأولى والابتعاد بأعضائه عن العنصرية والطائفية. وكان لذلك تأثير كبير جدأ سهِلِ لنا العمل بسريِة تامة كيدُ واحدة وصفُ واحد متماسك لم يستطعú أحد اختراقِهْ أو معرفة شيء عن أعضائه حتى عشية السادس والعشرين من سبتمبر 1962م حين قرِرنا القيام بالثورة وتغيير نظام الحْكم الذي لم يِعْدú هناك بْدَ من القضاء عليه وانتشال اليمن من براثنه.
علي عبدالمغني كان محبوباٍ من قبل الجميع بسبب أخلاقه العالية وتواضعه الجِم إلى جانب دوره في الابتعاد بالمناضلين عن أساليب الفْرقة والتشرذم.
تصميم وإلحاح
• خروج علي عبدالمغني على رأس الحملة المْكلِفة بمطاردة فلول الملكيين والمتمردين على الثورة في مارب هل كان بإرادته أم بتكليفُ من القيادة¿
– الشهيد علي عبدالمغني خرجِ يقودْ الحملةِ إلى مارب بإرادته وتصميمه وقد حاوِلنا إثناءِهْ عن ذلك ولكنِهْ صمِمِ بشدِةُ رغمِ إلحاحنا عليه وقولنا له أنِ القيادة والثورة بحاجةُ إليه وإنِ هناك مِن سيقود الحملةِ بدلاٍ عنه لكنِهْ واجِهِنا الجميعِ برفضُ مْطلِق وأنا ممِنú حاولوا معه وقلت له: إبقِ هنا في القيادة فأنتِ مرجعْنا ونحن بحاجةُ كبيرةُ إليك فقال لي: وهل تريد ياحسين أن يقولوا لي جلستم على الكراسي ونحن نقاتل¿ِ! وصمِمِ على ذلك وخرجِ بالحملة على ماربº وهناك لاقاهْ الأجلْ رحمِهْ الله.

مشاركة جنوبية
• كيف تلقِى الشعبْ خبرِ الجمهورية والثورة¿
– في البِدúء كان الجهلْ بمعنى الثورة والجمهورية كبيراٍ خاصة في ظل الإعلام المضاد الذي كانتú تقودْهْ القواتْ الملكية حتى أنِ البعض لم يكن يستطيع ينطق الجمهورية نطقاٍ صحيحاٍº فمنهم مِن ينطقها”جمفورية” وآخرون “جنفورية” أو “جفهورية” والبعض كان يقول أنِ هذه الجمهورية مِكúلِف “امرأة” وهكذا .. لكن الظْلم الذي كان واقعاٍ في العهد المْباد وماعاناهْ الشعبْ تحتِ سيطرة ذلك النظام كان كفيلاٍ بأنú يجمعِ ذلك الشتات ويؤلف بين أبناء الشعب الذين التفوا حولِ الثورة وسارعوا بنجدتها ومساعدتها خاصةٍ أبناء محافظتي إب وتعز الذين كانوا السبِاقين إلى نْصرة الثورة والجمهورية بسبب الوعي والتعليم الذي كان منتشراٍ بينهم أكثر من بقية المناطقº الأمر الذي جِعِلِهم يتوافدون بالآلاف لنصرة الثورة والقتال في خنادقها منذ أيامها الأولىº وأبلوا في ذلك بلاءٍ حسناٍ وقد لاحظتْ ذلك من خلال عملي قائداٍ للواء إب لأكثر من مرِة منذْ السنوات الأولى لقيام الثورة وحتى نهاية حرب السبعين يوماٍ ودحر القوات الملكية نهائياٍ.
المناطق الشمالية كان تأثير الملكيين والقوى الخارجية الداعمة لهم فيها كبيراٍ بسبب قلة الوعي وتمركْز القوات الملكية فيهاº ناهيك عن التأثير التاريخي لمناصرة الإمامة في هذه المناطق والتي كانت هي وقود حروبها على مر العصور إضافة إلى الأموال الطائلة التي كانت تْغدقها القواتْ الملكية على أبناء تلك المناطق ممِنú انضموا إلى صفوفها ولكنِ الشباب الذين أتوا من جنوب الوطن وإب وتعز وهم بعشرات الآلاف شكِلوا مؤشراٍ هاماٍ ورقماٍ لا يْستِهانْ به في الدفاع عن الثورة والتصدي للقوات الملكية وفلولها من المرتزقة الذين حاولوا الاغتناء على حساب الجميع.
الانقلاب الأبيض
• ما أسبابْ حجزكم عام1967م في القاهرة من قبل الزعيم جمال عبدالناصر¿
– احتجازي في القاهرة لم يكن لوحدي فقد كان معي القاضي عبدالرحمن الإرياني والأستاذ محسن العيني والقاضي محمد الخالدي ودرهم أبو لحوم ومجموعة كبيرة من المناضلين الذين كنا ضمن الوفد الذي ذهب إلى القاهرة لإقناع القيادة المصرية بعدم جدوى قيادة السلال وضرورة التغيير أو تعديل وتغيير السياسة التي كان ينهجها هو والقوات المصرية في اليمن ونظراٍ للعلاقة الوطيدة التي كانت تربط المشير السلال – رحمه الله – بالزعيم جمال عبدالناصر فقد أبقونا لديهم في القاهرة كمحتجزين ليفضي الجو للسلال وقد ظللنا في القاهرة عدة أشهْر إلى أنú حدثتú نكسة 1967م فأطلقوا سراحنا وقالوا لنا عودوا إلى بلدكم وعالجوا أمورِكم بأنفسكم وصدرت التوجيهات من عبدالناصر بالإفراج عِنِا وسِحúب القوات المصرية من اليمن فعْدنا إلى اليمن وقد بِيِتِ مْعظمْ الإخوة النية لتغيير السلِال وبعد عودتنا غادرِ السلِال في سِفِريِةُ إلى خارج الوطن وكْنِا في توديعه بمطار الحديدة وعند مصافحتنا له كان لديه إحساس بما نحن ناوون عليه فقال لنا: “مش أنا أسير وانتو تفعلوا لكم تشاعيب”..
وللأمانة إنِهْ كان عاقلاٍ والحِقْ يْقال.
الدور المصري
• كيف تْقيم الدور المصري في اليمن¿ وهل كانت الثورةْ ستفشل بدونهم كما يزعم البعض¿
– دور المصريين في نصرة الثورة السبتمبرية المباركة كان كبيراٍ وهو دور لا يْستهانْ به أبداٍ خاصة في المراحل الأولى من عْمúر الثورة فقد كْنا بحاجة ماسة إلى قوات وأسلحة ومْدِربين على الأسلحة وهم شاركوا بفعالية في بناء جيش يمني حديث ومْنظِمº فضلاٍ عن استبسالهم في المعارك الكبيرة التي دارتú في المناطق الشمالية ضد قوات وفلول ومرتزقة الملكية وامتلاكهم لقوات حديثة لم تكن موجودة لدينا.
لكن قضية فشل الثورة أو نجاحها أنا أجزم أنِ الله كان قد أِذنِ بها وبنجاحها ولذا فقد كان النصرْ حليفِها إلِا أنهْ يمكن القول أنِ القوات المصرية كانتú عاملاٍ حاسماٍ في سْرعة تثبيت دعائم الثورة وأنِهْ رْبِما بدونهم كانتú ستطول الحربْ بين القوات الملكية والقوات الجمهورية أمِا أنِ الثورةِ لم تكنú لتستمرِ دون المصريين فهذا لا يوافق الحقيقةº لأنِ الشعبِ اليمني كان قد ثارِ مْعظمْهْ ووقفِ إلى جانب الثورة والنظام والجمهوري وكان يستحيل عليهم أنú يسمحوا بعودة النظام الملكي الذي عانوا في عهده شتى صنوف الجهل والفقر والمرض والاستبدادº فضلاٍ عن التهميش الذي مسحِ اسم اليمن من ذاكرة العالم.
قوى خارجية
• ولماذا طال أِمِدْ الحرب بين الملكيين والجمهوريين لسبع سنواتُ ونيف¿
– لأنِهْ دِخِلِتú فيها قوى خارجية بعضها كان يناصر الثورة من وجهة نظر تقدمية والبعض كان يناصر الملكية باستبسال خشيةٍ من أنú يمتد خطرْ الثورة إليها وهذا الطرف أمدِ القوات الملكية في اليمن بشتى أنواع الدعم وبشكلُ سخي وهذا الدعم أثِرِ في مسار الحرب وأطالِ مدتهاº لأنهم كانوا يخشون أنú تنتصر الثورة في اليمن فتكون عاملاٍ مْشجعاٍ لمواطني دولهم للانقضاض عليهم والثورة ضدهم.
وإلى جانب التدخل الخارجي الذي أطالِ مدة الحرب كانت هناك الأموال والأسلحة التي يحصل عليها القبائل سواء من القوات الملكية أو القوات الجمهورية تلعب دوراٍ في إطالة الحربº لأنهْ كان يوجد الكثير من القبائل ممن وجدوا مصلحتهم في بقاء الحرب التي كانوا يحصلون خلالها على الدعم المادي والأسلحةº فتارةٍ يوالون الجمهورية وتارة يوالون الملكية وكْلْهْ حسب الدفع المادي.. وأذكر أنِ بعض القبائل كانوا يدعون ويقولون: “اللهم انصرú المِلكية إلى النصف وانصرú الجمهورية إلى النصف” .. بمعنى أنú لا ينتصر أحدْ الجانبين على الآخر نهائياٍ وتنتهي الحربº لأنِ مصلحتهم ستنتهي بانتهائها وهذا كان عاملاٍ رئيسياٍ في إطالة الحرب. وبعد زوال عامل الدعم الخارجي اضطرِ الكثير من الملكيين إلى الانسحاب والتراجع وكان ذلك إيذاناٍ بانتهاء الحرب بين الملكية والجمهورية وترسيخ الثورة السبتمبرية التي كانت القدر الذي لامفر منه لهذا الشعب كي ينفض عن نفسه غبار الجهل والفقر والمرض.
• ولكنِ البعضِ يرى أنِ المصريين تسببوا بإطالة الحرب وقتúل بعض الثْوِار مثل محمد الرعيني نائب رئيس الجمهورية آنذاك¿
– هذا ليس دقيقاٍ ودور القوات المصرية هو كما ذكرتْ لكِ سابقاٍ أمِا بالنسبة لمقتل الشهيد محمد الرعيني وللأمانة والتاريخ فقد كان وراءِهْ اللواء محمد الأهنومي الذي كان يشعر بغيرة كبيرة من الرعيني ولذلك سعى لدى القوات المصرية بالمكيدة التي تسببتú بمقتل الرعيني وهادي عيسى وآخرين.
جسد واحد
• في سياق واحدية الثورة اليمنية هل كان تواصلكم محدوداٍ أم كبيراٍ مع ثوار ثورة 14 أكتوبر¿
– تواصلنا كان كبيراٍ لأنِنا لم نكن نؤمن بما يْسمى “يمن شمالي أو جنوبي” الشعور عند الجميع كان أنِنا أبناءْ شعبُ واحدُ شاءِ لِهْ الاستعمارْ والقوى الرجعية أنú يكونِ شطرين تبعاٍ لمصالحهمº ولذا فقد كان الدعمْ كبيراٍ من قبلنا لإخواننا من أبطال ومناضلي ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة عام 1963م ولازلتْ أذكرْ أنِهْ أتاني وأنا قائدَ للواء إب عقب موت الشهيد أحمد بن أحمد الكبسي الذي كان قائداٍ للواء إب قبل ذلك مجموعة من الإخوة من جنوب الوطن وقالوا لي: ” لقد كان بيننا وبين الشهيد أحمد الكبسي اتفاق على أنú يِمْدِنا بالأسلحة والمؤنة والعتادº ونريد منكم أنú تواصلوا ماكان الشهيد أحمد الكبسي يمنحه لنا..
فقلتْ لهم: “نحن ملتزمون بمواصلة الدعم ودفع ماكان يدفعه الشهيد أحمد الكبسي”.. وكان ذلك عبارة عن أموال وبعض الأسلحة الخفيفة التي يسهل عليهم تهريبها إلى الثْوِار في عدن ولحج والضالع وردفان وما إليها.
وبالنسبة لي فقد كانت لي علاقات قوية مع مناضلي الضالع أمثال علي عنترº وصالح مصلحº وعلي شايعº وذلك بحكم أنِ الضالع قريبة من لواء إب الذي كنتْ قائداٍ له وكنا نلتقي بهم ونتبادل معهم كل شيء حتى مؤنتنا. وعقب الاستقلال في الثلاثين من نوفمبر 1967م وكنتْ قائداٍ للواء البيضاء حينها استأذنتْ من الإخوة في صنعاء وتشاورتْ معهم في مسألة الاعتراف باستقلال الجنوب فقالوا لي: ليس هذا وقتهº فنحن لانعلم الأمور مع الملكيين إلى أين ستمضي¿ فدعú ذلك لما بعد فرْبِما نضطرْ أنú نجعلِ المناطق الجنوبية عْمúقاٍ استراتيجياٍ لنا فيما لو تراجعتú القوات الجمهورية إلى الوراء ولهذا فقد اكتفينا بزيارتهم إلى مكيراس والاحتفال معهم بهذه المناسبة فقط.
وقد سبقِ أنú ذكرتْ لكِ أنِهْ أتانا من أبناء الجنوب بالآلاف مِنú وقفوا مع ثورة 26 سبتمبر ومثل ذلك كان من أبناء الشمال الذين وقفوا مع ثورة 14 أكتوبر لهذا فالتلاحم كان موجوداٍ ولم يكن هناك أي إحساس بالتشطير الذي حِصِلِ فيما بعد حتى قيام الوحدة اليمنية المباركة.
• هل أنتِ راضُ عما حققته الثورةْ السبتمبرية حتى الآن¿
– نعم أنا راضُ أتمِ الرضا واذا كانتú لي ملاحظات بسيطة في بعض الأمور فهذا شيء آخر لكنِ المْهم – وهذه الحقيقة – أنِ الثورة نِقلِت الشعبِ من وضعُ بائسُ ومتردُ إلى وضعُ مْريحُ ومستقر له كل مقومات الحياة الهانئة التي يتمنِاها كْلْ إنسان.
لا يمكن لأي إنسان إنكار ما حققته الثورةْ لليمن فأين كانِ اليمنْ وأينِ أصبح¿.. كان لا يستطيع الإنسان أنú يعيش كما ينبغي لأي إنسان العيش فبمجرد أنú يموت الإنسان يْقطِعْ راتبْهْ وتنقطع صلتْهْ بالدولة وكْلْ سني خدمته تذهب هباءٍ منثوراٍ والموظفون كانوا محدودين للغاية ومقصورين على فئات معينة ولكن الثورة – والحمد لله – أحيت البلدِ كْلِهْº وفِتِحِت المجالِ لحياةُ حقيقية أمام الناس جميعاٍ دون استثناءº ولهذا فنحن راضون عنها رغم كل شيءº وهي بالنسبة لنا شيءَ مْقِدِس.
منظار آخر
• برأيك لماذا لم يتفقú كْلْ مِن كِتبِ عن الثورة في كتاباتهم¿
– عدم اتفاق من كتبوا عن الثورة السبتمبرية دليل على صحة ماكتبوه والسبب بسيط وهو أنِ كل واحد كتبِ من المنظار الذي يراهº ومن الموقف الذي كان فيهº والمكان الذي عاش فيهº والجبهة التي قاتلِ وناضل فيها ولهذا فهو يرصد أشياء لا يعلم عنها الآخرون الذين في مواقع قتالية أخرى فأنا مثلاٍ لم أكن أعلم بما يدور بدقة ليلة تفجير الثورة في المجموعة التي اتجهتú لحصار دار البشائرº ولا المجموعة التي اتجهتú إلى الإذاعة ..علمي كان محصوراٍ بمجموعتنا التي أنا فيها والتي كنا مكلفين بالاتجاه إلى قصر السلاح لفتحه. وهكذا فكل مِن يكتب عن الثورة من المناضلين فإنه يكتب عما عايشِهْ هو وليس مسؤولاٍ عن الكتابة عما عايشِهْ الآخرون ولذا يمكن القول أنِ كل كاتبُ هو صادقَ فيما كتبِهْ عن الثورة والتناقض الذي تلقاهْ في كتاباتهم هو الصح وهو الصواب خاصة إذا علمنا أنهم لم يكتبوا ذلك إلا بعد مرور سنين طويلة تعرِضتú فيها ذاكرةْ المرء لعدة متغيرات تنسيه الكثير من التفاصيل والتاريخ والأسماء ما يجعل القارىء يشعر أنِ هؤلاء أدعياء أو مْدِعون يحاولون أنú ينسبوا إلى أنفسهم أشياءِ لم يقوموا بها فيما الحقيقة كما قلتْ لك أنِ كْلِ واحدُ منهم كتبِ ما رآهْ وعايشِهْ هو فقط فجاءتú معلوماتْهْ مختلفةٍ عما ذِكِرِهْ الآخرون.
ويمكن القول أيضاٍ أنهْ مخطىءَ مِنú يقولْ: أنا الثورة أنا وجماعتي الذين عملناها وفجرناها وحققنا كل شيء لأنِ الحقيقة تقول أننا جزءَ من الثورة ولولا وقوفْ الشعب بجانبنا ما كان بمقدورنا أنú نعملِ شيئاٍ ولا أنú نْحققِ للوطن شيئاٍ مذكوراٍ ولِرْبِما كانت الثورةْ ستْوأِد في مهدها ولذا لا يمكن لأِحدُ أنú ينسبِ لنفسه العملِ كْلِهْ ويْقصي الآخرين. الكْلْ شارِكِ في الثورة والدفاع عن الجمهورية وعِملِ الجميع جنباٍ إلى جنبُ حتى انتصرت الثورةْ ودْحرِت القواتْ الملكيةْ.
وللحقيقة والأمانة نحن كتنظيم للضباط الأحرار اقتصِرِ دورْنا على إشعال الفتيل والوقوف مع الشعب فيما بعد في خندقُ واحد وإنú كانتú لنا ميزة فهي البدءْ والقيادة.
وفاق وطني
• كلمتْكِ في ختام هذا الحوار¿
– أنصحْ الشبابِ بأنú يقرأوا للجميعº فالحقيقةْ موجودةَ وتحتاج قارئاٍ حصيفاٍ كما أنصحْهم بالتمسْك بالثورة والوحدة فهما قدِرْ الشعب ومصيرْهْ المحتوم الذي لا يجبْ أنú يْفِرطِ فيه أحدَ. إضافة إلى ذلك أدعو الجميعِ إلى الابتعاد عن العصبية والمناطقية والطائفية التي لن تخدمِ أحداٍ في هذا الوطنº ولن يستفيدِ منها غيرْ الطامعين بالوطن والمتربصين به.. الوحدة نعمة جزيلة وتحتاج إلى تقارب وتعاون لقطع الخط على المزايدين وأنا متأكد من أنِ فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي لديه القدرة على لِم شمل الجميعº والحفاظ على الوحدة وبقاء الوفاق الوطني.

قد يعجبك ايضا