يوم القدس ومواقف التطبيع والمقاومة
علي عبدالله صومل
في 11 فبراير 1979م كان انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني رحمة الله عليه وتمكنت الثورة من إسقاط نظام الشاه الطاغوتي الغشوم ومعلوم لدى الجميع أن الرئيس الإيراني المجرم العميل محمد رضا بهلوي الشاه كان شرطي الخليج لأمريكا وحليفها الحميم بل وساعدها الأيسر في منطقة الشرق الأوسط إلى جانب ساعدها الأيمن _الكيان الصهيوني الغاصب وفي عام انتصار الثورة الإسلامية المباركة أعلن الإمام الخميني آخر جمعة من شهر رمضان المبارك يوما عالميا للقدس وهي دعوة حق وإلى الحق وموقف شجاع وحكيم كما أن اختيار آخر جمعة من شهر رمضان لتكون يوما عالميا للقدس اختيارا موفقا ودقيقا
إن الدعوة إلى إحياء يوم القدس خيار استراتيجي من خيارات المقاومة الإسلامية للكيان الصهيوني الطارئ اللقيط يهدف إلى اقتلاع هذه البذرة الاستعمارية المغروسة في قلب الوطن العربي واستئصال (الغدة السرطانية في جسد الأمة)كما وصفها الإمام الخميني نفسه كما إنها جاءت لتعبر بالكلمة والموقف عن تحول جذري في الموقف الإيراني الرسمي تجاه القضية الفلسطينية كأهم إنجاز من إنجازات الثورة الإسلامية وتكمن الدقة والعمق في تحديد يوم القدس العالمي في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك في النقاط التالية:
1 – الترابط الوثيق و التلازم اللصيق بين فريضتي الصيام والجهاد فقد كتب الله القتال في ذات السنة والشهر الذي كتب فيهما الصيام وذلك في شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة وأيضا إذ كانت الغاية من الصيام هي التقوى كما قال الله تعالى في كتابه الكريم
‘يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣)’ [سورة البقرة] فإن فريضة الجهاد والتعاون على دفع العدوان من جملة المصاديق العملية للتقوى كما قال تعالى(…. ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٢)’ [سورة المائدة] فقد جعل البر في مقام الضدية للإثم والتقوى في موقع المناهضة للعدوان ومعنى التعاون على التقوى نقيض التعاون على العدوان هو التعاون على دفع العدوان
والعدوان الإسرائيلي أفظع عدوان تتعرض له الأمتين العربية والإسلامية في تأريخها المعاصر وعليه فلا غرو أن تكون القضية الفلسطينية القضية المركزية للأمة الإسلامية جمعاء وبوصلة المقاومة وترمومتر الثورات
والقيام بواجب الجهاد في شهر رمضان من أعظم الطاعات والقربات إلى الله فمبيت ليلة في سبيل الله يعدل عبادة المرء ستين سنة صائم لا يفطر وقائم لا يفتر كما ورد في الحديث النبوي الشريف
2 – في شهر رمضان يستذكر المسلمون ذكرى غزوة بدر الكبرى في ال17من رمضان من السنة الثانية للهجرة النبوية المباركة وذكرى فتح مكة في 18 رمضان من السنة الثامنة للهجرة وذكرى استشهاد الإمام علي عليه السلام في محراب صلاته بمسجد الكوفة أضف إليها ذكرى حرب ال6من أكتوبر التي خاضتها مصر وسوريا مع الكيان الإسرائيلي في عام 1973م والتي كانت في العاشر من رمضان وغيرها من ذكريات الجهاد والاستشهاد التي حفل بها التأريخ الإسلامي المشرق وهذه الذكريات الجهادية العطرة تمثل طاقة حماسية وتعبئة جهادية تزيدنا قوة وبصيرة وخصوصا مع خلوص المودة و صدق الارتباط بشخصية الإمام علي عليه السلام الذي قتل قرابة نصف القتلى في معركة بدر وحطم الأصنام المنصوبة على ظهر الكعبة في يوم الفتح وسقط شهيدا في محراب صلاته بمسجد الكوفة وبسيف محسوب على هذه الأمة فقاتله ابن ملجم كان من حفظة القرآن ومن المتظاهرين بالعبادة والنسك مما يدلل على خطورة القوى التكفيرية_حركة النفاق _ المنتشرة في أوساط الأمة
ومن المفارقات العجيبة
أن زيارة الرئيس المصري محمد أنور السادات للكيان الصهيوني كانت في يوم عيد الأضحى المبارك وذلك في 20 فبراير عام 1977م ليضحي بالكرامة العربية والقضية الفلسطينية ويقدمها قربانا للأمريكان والصهاينة على مذبح العمالة بينما الإمام الخميني أعلن آخر جمعة من شهر رمضان المبارك يوما عالميا للقدس وفي يوم أن كانت جمهورية إيران الإسلامية الوليدة لاتزال مشلولة القوى ومشغولة بأزماتها الداخلية العميقة والمعيقة ورغم ذلك لازلنا نسمع الكثير من أبناء الدول العربية من يقول أن خطر إيران على العرب يفوق الخطر الإسرائيلي نفسه وفي مقدمة هؤلاء السذج الكثير من المحسوبين على تيار الإخوان والدائرين في فلك النظام السعودي المتصهين وللعلم فقد كان النظام السعودي وتيار الإخوان المسلمين آن ذاك ممن سجلوا مواقفهم المعارضة لمبادرة التطبيع الساداتية
ومن المفارقات أيضا
أن توقيع الرئيس السادات مع مناحم بيجن أحد القيادات الإسرائيلية الدموية والمتطرفة رئيس حزب الليكود الصهيوني رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت على وثيقة السلام مع إسرائيل حدث بتأريخ 26 مارس عام 1979م أي بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران بثلاثة وأربعين يوما وكأن أمريكا وإسرائيل عملتا جاهدتين على إيجاد العميل المطبع البديل للرئيس الإيراني العميل محمد رضا بهلوي الشاه الذي أسقطته الثورة الإسلامية في أسرع وقت ممكن وقد كافأ العرب جمهورية إيران الإسلامية على مواقفها المعادية للشيطان الأكبر أمريكا وربيبتها إسرائيل والمناصرة للقدس والقضية الفلسطينية بشن حرب الـ8 السنوات أو ما يسمى بحرب الخليج الأولى بقيادة الرئيس العراقي المجرم صدام حسين وتحالف خليجي وعربي ودولي واسع النطاق والتحريض عليها على مدى أكثر من أربعة عقود منذ انتصار الثورة في عام 79م وإلا فقد كانت مملكة آل سعود ونظام السادات وغيرهما من الأنظمة العربية المعادية لجمهورية إيران الإسلامية اليوم على علاقة حميمية مع محمد رضا بهلوي الشاه ونظامه التطبيعي العميل رغم عنصريته المشينة وعداءه العرقي المقيت للشعوب العربية
ويبقى القول أن الاهتمام بتحرير أرض فلسطين من الاستعمار الإسرائيلي هو مسؤولية العرب الأحرار قبل غيرهم وأن المواقف المناصرة للقضية الفلسطينية يجب أن تقابل بالمحبة والشكر وليس بالعداوة والرفض.