الرؤية الوطنية لبناء الدولة المدنية الحديثة هي توجه وطني استراتيجي وتحد لأهداف العدوان التضليل الاقتصادي .. والدولة الضعيفة بمفهومها الشامل (2)
د. هشام محمد الجنيد
لقد أوضح روح الله الشهيد القائد / حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه في درس (لتحذن حذو بني إسرائيل) بأننا أي العرب: (محتلين اقتصاديا وسياسيا، في كل شئون حياتنا) .. وإذا أسقطنا ذلك على فقط بعض المؤشرات الاقتصادية الرسمية، سيتبين لنا بوضوح حجم مؤامرات الأعداء الدالة على صحة سير النظام في دائرة الضلال الاقتصادي، سير النظام في دائرة الصد عن سبيل الله . وهو الأمر الذي أدى إلى دولة ضعيفة وشعب يعيش أوضاع الفقر، وهو الأمر الذي أدى ضمن عوامل أخرى إلى إعلان اليمن الاستقلال في القرار السياسي للتوجه إلى البناء الشامل وعلى أساس مبادئ الدين الإسلامي الاقتصادية والمالية والإدارية وغيرها، وهو الأمر الذي يفرض علينا وجوبا الاستمرار في رفد الجبهات بالمال والرجال، والاستمرار في توحيد الصف الوطني، لحماية أهداف الثورة السبتمبرية العظمى 2014م بالإخلاص بنهج المسيرة القرآنية.
وتبدو واضحة المؤامرات والمخططات التضليلية الاقتصادية للأعداء وإخوانهم المنافقين في السلطة إلى قبل إعلان الاستقلال في القرار السياسي من خلال حجم النسب المالية الهزيلة التي تم الاستناد إليها من التقارير الإحصائية الرسمية لوزارة المالية والبنك المركزي اليمني والمتعلقة بأهم المؤشرات الاقتصادية. ويمكن إيضاح منها على سبيل المثال لا الحصر :
شهدت فترات العقود الماضية منذو الستينيات من القرن الماضي – وفي الجنوب من الوطن سابقا كان التوجه الاقتصادي مركزيا مخالفا لمبدأ الاقتصاد الإسلامي فكانت التنمية الاقتصادية ضعيفة جدا – شهدت تدهورا حادا وممنهجا للاقتصاد الوطني تمثل في ضعف ومحدودية الناتج المحلي الإجمالي ، عجز مزمن في الميزان التجاري بزيادة الواردات على الصادرات وإنهاء الاكتفاء الذاتي من الحبوب ، عجز مزمن في الميزانيات العامة السنوية وتعزى أهم أسبابه إلى استشراء الفساد المالي والإداري ، حجم هزيل للنفقات العامة إذ لم تول السياسات المالية أدنى أهمية لحجم هذه النفقات طيلة السنوات الماضية إلى قبل الاستقلال فعلى سبيل المثال وصل اعتماد الميزانية للعام المالي 2013م في حدود بين عشرة وإحدى عشر مليار دولار . وقبل هذا التاريخ كانت ترصد في حدود بين خمسة وستة مليارات . فهل مثل هذا الحجم يعكس توجه الدولة نحو بناء مشروع وطني؟. هل حجم الإنفاق هذا يتناسب مع دولة مساحتها كبيرة وثرواتها غنية وسكانها يزيد عن خمسة وعشرين مليون نسمة؟ . وبناء على هذا التوجه اللاوطني كانت النفقات الاقتصادية أيضا ضئيلة جدا وهي التي يفترض أن لا تقل عن (50%) من إجمالي الإنفاق العام حتى تثبت الدولة أنها جادة في التوجه نحو الإصلاح والبناء الشامل، وهذا لم يثبت إلا في فترة الشهيد الزعيم الحمدي رضوان الله عليه . واستمرت حتى مطلع الثمانينات، لكنها كانت أرقام سياسية، فما يرصد لا ينفذ، سوى في مجالات غير استراتيحية وذات تكلفة كبيرة نتيحة الفساد المالي والإداري الممنهج الذي استمر إلى قبل إعلان الاستقلال في سبتمبر 2014م.
والحجم الضئيل للنفقات الاقتصادية إنما هو دليل قاطع على تنفيذ مؤامرات الأعداء ضد التنمية الاقتصادية الحقيقية ضد بناء دولة قوية دولة حديثة في مختلف المجالات، ضد مصلحة الشعب اليمني، إذ وصلت نسبتها من إجمالي النفقات العامة في الأعوام 2011م، 2012م، 2013م وصلت على التوالي إلى (7.21%)، (7.32%) ، (7.30%) . وهي نسب هزيلة جدا تفضح التوجهات اللاوطنية المنفذة لمؤامرات ومخططات العدوان الاقتصادية، تفضح التناقض في أساليب التضليل الاقتصادي عبر مختلف الوسائل الإعلامية التي كانت تشير إلى جهود ومساعي واهتمامات الدولة نحو البناء والتنمية الاقتصادية في حين أن واقع التنمية الاقتصادية لا يحظى عمليا باهتمامات جادة وإرادة صادقة، وتؤكد بنفس الوقت هذه النسب ركاكة الخطط السنوية التي تخلو من مشروعات وتوجهات الدولة الاستراتيجية. إذن الحجم الصئيل الزهيد لهذه النفقات كان أمر دال على حرب اقتصادية مبطنة كانت تقودها عصابة مسيطرة على السلطة تخلو منها عوامل التقوى والإخلاص في تجسيد مبادئ الإسلام الاقتصادية والمالية وغيرها، تخلو منها الاستشعار بالرقابة الذاتية، وتعمل لمصلحتها ولمصلحة الأعداء وعلى حساب مصلحة الشعب في توجه غير حقيقي إزاء مسئولياتها الدينية لناحية المشروعات الاستراتيجية التنموية والاقتصادية . لتظل سلطات الدولة المالية ممنهجة في النفقات الجارية وعلى قاعدة البذخ والإسراف للمتنفذين والمحابين في الجهاز الإداري والمتنفذين من خارج الجهاز الإداري وحرمان المستضعفين والفقراء .
وتبدو أيضا مؤامرات الأعداء والمنافقين في السلطة في جعل الشأن الاقتصادي والمركز المالي للدولة ضعيفا عمدا من زاوية إيلاء الدولة تسديد القروض وفوائدها أهمية أكبر من رصد مخصصات للنفقات الرأسمالية والاستثمارية ، فاعمليات الاقتراضات لا حاجة لها في الأصل ، ولا حاجة للتسول وطلب المساعدات من الدولة الأخرى ، في حين لو ضبطت مكامن الفساد المالي والإداري لما أوصلت تلك الإدارة مكانة اليمن إلى هذا المستوى . حيث بلغت المخصصات الانفاقية لتسديد صافي الإقراض ومدفوعات الفوائد خلال الأعوام 2011م، 2012م، 2013م، 2014م بلغت على التوالي نسبها من الإنفاق العام (12.17%)، (18.80%)، (19.05%)، (18.17%). أي ما كان يرصد في الميزانيات العامة السنوية لتسديد أصل الدين وفوائده كان في حدود أكثر من ضغف ما يرصد للبناء وللتوجهات الاقتصادية والتنموية، بمعنى أن النظام السابق لم يسخر أهداف السياسة الاقتصادية والمالية لبناء دولة مدنية قوية تدافع عن الدين وسلامته وتخدم الشعب.
لقد بلغ نسبة الدين العام الداخلي والخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي في العام 2014م بلغ نسبته (63.8%) وهي نسبة كبيرة، ووفقا للبيان المالي لوزارة المالية أن معدل حجم الدين المحلي إلى إجمالي الموارد الذاتية في نهاية العام 2013م بلغ (120%) وهذا المعدل هو تجاوز للحد الآمن لمستوى الدين المتعارف عليه دوليا بما نسبته (100%) . ورغم أن الاقتراضات التي هي في الأصل لا حاجة لها ، فقد كانت لا تستغل في مشروعات إنتاجية حتى يمكن تسديدها من عائدات ما تم إنشاؤه ، ما يعني أنها كانت عملا عبثيا وبنفس الوقت استغلت كتقنيات وأساليب تضليلية يراد من خلالها إيصال رسالة بأن موارد البلاد ضعيفة فقيرة ، ومن غايات الاقتراضات هي لأجل تعامل أجهزة الدولة بالربا . وقد رافق ذلك الخطاب الإعلامي التضليلي تكرار ظاهرة التسول في المنتديات والمؤتمرات والمحافل الدولية ومن الدول المانحة ، بدعوى أن اليمن بلدا فقيرا ، واستغلت أيضا كمبرر لفرض المؤسسات المالية الدولية تدخلاتها بشكل رسمي لتطبيق توصياتها الهيكلية ولضمان قدرة اليمن على تسديد القروض وفوائدها بحسب مبررات ممثلي الصندوق والبنك ، وهو الأمر الذي أنهى سيادة الدولة على القرار الاقتصادي والمالي والإداري .
وعلى هذا الأساس وفي ظل ما تم الإشارة إليه من مستوى المؤشرات الاقتصادية المخزية الفاضحة المؤكدة غياب العزيمة والإرادة الوطنية ، المؤكدة غياب روحية الإحساس والهمة بالتوجه نحو البناء الاقتصادي والتنموي الشامل ، المؤكدة اتباعنا وحذونا مسارات تخدم أعداء الإسلام اليهود . وتلك التوجهات اللامسئولة هي ناتجة عن تخلي النظام عن قيامه بمسئولياته الدينية لبقاء الدولة ضعيفة في شتى المجالات : اقتصاديا وماليا وعسكريا وأمنيا وعلميا ، تستورد التكنولوجيا ولا تمتلكها ، شعب مستهلك وغير منتج صناعيا وزراعيا . شعب يعيش واقع الفقر والتخلف .
لقد رافق مخطط التضليل الاقتصادي مخططات أخرى وأخطرها مخطط التضليل الديني ، وجميعها تكمل وتخدم بعضها . وهي مخططات مرسومة منذ عدة عقود وربما أكثر من قرن . والغاية منها جميعا لسهولة تنفيذ مخططات لاحقة بإدخال المنطقة وبلادنا على وجه الخصوص في نفق مظلم من الحروب المذهبية والطائفية والمناطقية . وقد نفذت في بداية العام 2011م تحت مسمى الربيع العربي ومن زاوية الثورات بتحريك الشارع والشعب وتحت سيطرة وتوجيه قيادات الجيوش وعن طريق قيادات في الأحزاب بدعوى تغيير الواقع السياسي إلى الأفضل من الأنظمة الدكتاتورية الشمولية إلى الأنظمة الديمقراطية التي تلبي متطلبات الشعوب . بيد أن الأهداف والمخططات الحقيقية هي الانتقال إلى أنظمة دكتاتورية جديدة ولكن على واقع الحروب والاقتتال ضد الشعوب والمجتمعات على واقع التدمير على واقع الأهداف التي تخدم مخططات الأعداء . ولن تفضي بعون الله حسابات ومخططات الأعداء في نهاية المطاف إلى الوصول إلى غايات مخططاتهم . وقد فشلت في بلادنا وفي سوريا وفي العراق وفي لبنان وستفشل في البحرين وفي ليبيا . وفي بلادنا فقد تم إجهاض هذا المخطط الشيطاني بداية بوقوف الشرفاء المخلصين للدين وللوطن ضد فخ الأقاليم (كلمة حق يراد بها باطل) .
استطاع تيار حركة أنصار الله بعون الله إفشال مخطط الأعداء الإجرامي التدميري الفتنوي في المحافظات والمدن والمديريات بثورة إسلامية مضادة لتصحيح مسار ثورة 11 فبراير 2011م إلى الطريق المستقيم ، استطاع بعون الله إنهاء مخططات الفوضى والإجرام التي نفذت بدايتها عن طريق المليشيات التكفيرية الإرهابية والجماعات المسلحة ومنها على سبيل المثال لا الحصر ممارسة القتل والإجرام في مشفى العرضي في الأمانة ، وذبح الجنود في حضرموت ، واغتيال عناصر استراتيجية ومحورية وضباط وشخصيات سياسية ووطنية ، وضبط معامل للتفجيرات والعبوات الناسفة ، وضبط خلايا نائمة في مناسبات عديدة . فقد كان هدف الأعداء استغلال ضعف الدولة اقتصاديا وماليا واستغلال تدجينها بعناصر منافقة تخدم أهداف العدوان كان الهدف وفق حسابات العدوان سيطرة المليشيات التكفيرية والجماعات المسلحة على السلطة وبالتالي سهولة الانتقال من حالة الدولة الضعيفة إلى دولة منهارة إلى دويلات (أقاليم) منهارة اقتصاديا وماليا وسياسيا وإداريا ، ومتحاربة فيما بينها ، لتبقى في صراعات وحروب طاحنة مستمرة في كل مديرية وفي كل حي وفي كل قرية . وبعون الله فقد أفشل رجال الله المؤمنين المخلصين مخططات الأنظمة العدوانية ، وهو الأمر الذي دفع العدوان السعودي الأمريكي وحلفائه إلى شن الحرب على البلاد بشكل مباشر في 26 من مارس 2015م .
وللقارئ هنا الاستقراء الموضوعي المنطقي بأن التنمية الاقتصادية وعدالة توزيع الثروة وتقوية القدرة الشرائية للمواطنين لا تنشأ إلا في ظل الدولة العادلة القوية الحريصة على مصلحة وأمن المواطن ، ولا تنشأ الدولة العادلة إلا من خلال السير على منطق القرآن الكريم ، ولا يمكن السير على منهج الهدى إلا بولاية أعلام الهدى المتقين الله المخلصين في أمر الأمة . ولذلك كان لا سبيل لنا للتوجه نحو مشروع الدولة وبناء اقتصاد وطني قوي إلا بالتخلص بداية من هيمنة وسيطرة الأعداء بإنهاء مخططاتهم الاقتصادية . وبعون الله وتضحيات الشرفاء المخلصين كان إعلان الاستقلال بالقرار السياسي في سبتمبر 2014م ، فهو الخطوة الأساسية بإنهاء الموالاة وهو الخطوة الأساسية للتثقيف الصحيح بمختلف علوم القرآن الكريم من أجل : ترسيخ مبدأ الهوية الإيمانية لمعرفة ما يجب علينا أن نقوم به في الجهاد في سبيل الله كمؤمنين لصد ومواجهة مخططات ومؤامرات الأعداء ، ولمعرفة ما يجب علينا عمله في التزاماتنا وواجباتنا في المحيطات : الاقتصادية – زراعيا وصناعيا وتجاريا وخدميا – والمالية والسياسية والاجتماعية والإدارية والعلمية والعسكرية والتكنولوجية و.. و.. أي التوجه في سبيل الله في مختلف الميادين . والتوجه على هذا الأساس – الفرد والدولة – هو التوجه المضاد لأهداف العدوان ، والتوجه على هذا الأساس هو الكفيل بخلق الدولة العادلة القوية الحديثة في مختلف الميادين ، لنيل الشعب حياة العزة والحرية والإباء والأمن والعيش الكريم .
وبناء على ذلك ، فالرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة هي تجسيد للإرادة والإخلاص للدولة عملا بمسئولياتها الدينية والوطنية ، هي تحدي في ظل العدوان الإجرامي السعودي الأمريكي الصهيوني البريطاني الإماراتي نحو المضي قدما للإصلاحات والبناء الاقتصادي والتنموي الشامل ، هي تجسيد لتوجه وطني مضاد لتوجهات الأعداء الرامية إلى بقاء الدولة ضعيفة هي تجسيد للشعار يد تحمي ويد تبني . وستكون بعون الله مثال عملي ناجح لترجمة مؤسسات الدولة البرامج والخطط الاستراتيجية الوطنية الهادفة إلى بناء الدولة اليمنية الحديثة. والله ولي النصر والتوفيق. نسأل الله أن ينصر إخواننا المجاهدين الجيش واللجان الشعبية والمقاومة الإسلامية في المنطقة على أعداء الإسلام والأوطان والإنسانية، إنه سميع الدعاء .