أحمد محيي الدين
من يتابع أحاديث وتصريحات المسؤولين الصهاينة وتحركاتهم في الآونة الأخيرة وعلى وجه الخصوص منذ هزيمة العصابات الإرهابية التكفيرية على أيدي أبطال الجيش العربي السوري وحلفائه في معظم الأراضي والمحافظات السورية لا يجد صعوبة في اكتشاف أنهم بدءاً من رئيس حكومة الاحتلال مجرم الحرب الإرهابي بنيامين نتنياهو مروراً بوزراء حكومته ووصولاً إلى أصغر مسؤول صهيوني على المستويين السياسي والعسكري يعيشون حالة من القلق والارتباك والإحباط النفسي التي لم يسبق لها مثيل منذ إعلان قيام كيان الاحتلال المسمى “إسرائيل” عام 1948م حتى اليوم..
ذلك لأن المسؤولين الصهاينة كانوا يراهنون على تلك العصابات بشكل كبير في إسقاط النظام السوري وبالتالي إسقاط الدولة السورية بشكل عام وتحويلها إلى كانتونات وكيانات هشة متقاتلة ومتناحرة تحت عناوين دينية وعرقية ومذهبية وطائفية تغذيها الصهيونية العالمية بطرق مختلفة خدمة لأهداف المشروع الصهيو أمريكي في المنطقة..
ويأتي في مقدمة هذه الأهداف تهيئة الأجواء والظروف التي في ظلها يصبح الكيان الصهيوني القوة العسكرية والاقتصادية العظمى إقليمياً بدون منافس أو منازع وتصبح الولايات المتحدة الأمريكية القوة العسكرية والاقتصادية العظمى دولياً بدون منافس أو منازع أيضاً خاصة بعد أن بدأت تتشكل ملامح العالم متعدد الأقطاب مع بروز الصين كقوة اقتصادية كبرى وبروز روسيا كقوة عسكرية كبرى وانتماء البلدين إلى مجموعة البريكس التي تضم إلى جانبهما كلاً من البرازيل والهند وجنوب أفريقيا، وإلى جانب رهان المسؤولين الصهاينة على العصابات التكفيرية الممولة من قبل أنظمة الخيانة والعمالة وعلى رأسها نظام مملكة قرن الشيطان السعودية فقد راهنوا أيضاً على النظامين السعودي والإماراتي بشكل خاص في احتلال اليمن وبالتحديد المناطق الاستراتيجية فيه مثل منطقة باب المندب وخليج عدن وسائر الجزر اليمنية وفي مقدمتها جزيرة سقطرى وجزيرة ميون الاستراتيجيتين ومن ثم تقسيم وتجزئة وتفتيت ما تبقى من المناطق والمحافظات بما يخدم المشروع الصهيوأمريكي أيضاً ويحقق أهدافه وذلك من خلال الحرب العدوانية الظالمة المتواصلة طوال ما يقرب من أربعة أعوام والتي يتصدر واجهتها حكام مملكة قرن الشيطان ودويلة الإمارات ويقف خلفها ويقودها ويديرها بكل تفاصيلها أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني.
وبعد صعود دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة الأمريكية بدا واضحاً مع مرور الوقت أن المسؤولين الصهاينة أصبحوا يراهنون على صفقته المعروفة بـ “صفقة القرن” أكثر من الرهان على شيء آخر..
لكن مع تعثر هذه الصفقة المشؤومة وتأجيل إعلانها مرة تلو أخرى بدأت حالة القلق والارتباك والإحباط النفسي التي يعيشها المسؤولون الصهاينة تتفاقم شيئاً فشيئاً وهو ما تشير إليه أحاديثهم وتصريحاتهم وتحركاتهم الهادفة بشكل رئيس إلى الخروج من هذه الحالة أو على الأقل التخفيف منها.
ومن أبرز الأحاديث والتصريحات والتحركات التي تشير إلى هذا بوضوح تلك التي تصب في خانة علاقات الكيان الصهيوني مع أنظمة الخيانة والعمالة وعلى رأسها النظامان السعودي والإماراتي والتركيز الكبير على هذه العلاقات بشكل غير مسبوق وبصورة يظهر الكيان الصهيوني فيها وكأنه يستقوي بهذه الأنظمة الهشة وهو أمر لم يحدث من قبل حيث ظل هذا الكيان يظهر منذ قيامه بمظهر الكيان القوي القادر على تهديد الدول العربية مجتمعة بل وابتلاعها دولة إثر أخرى..
وكان من بين أبرز وآخر التحركات على هذا الصعيد الزيارة التي قام بها نتنياهو لسلطنة عمان في الـ 26 من شهر أكتوبر الماضي حيث التقى بالسلطان قابوس.
ومما تم تسريبه عن الزيارة ما نشرته صحيفة “يسرائيلهايوم”، الصهيونية يوم الاثنين الـ 29 من أكتوبر الماضي حين ذكرت أن زيارة نتنياهو لسلطنة عمان، ولقاءه بالسلطان قابوس بن سعيد، يوم الخميس الماضي، للمرة الأولى، قد سبقه لقاءات متعددة لنتنياهو مع وزير الخارجية العماني.
وأكدت أن نتنياهو التقى بوزير الخارجية العماني، يوسف بن علوي بن عبد الله، قبل أكثر من عام ونصف العام، خارج إسرائيل، أثناء رحلات رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الخارجية، وبأنها أكثر من لقاء، وليس لقاء واحد فقط.
وأشارت إلى أن وزير الخارجية العماني زار إسرائيل في شهر فبراير الماضي، خلال زيارته للسلطة الفلسطينية، حيث التقى يوسف بن علوي بن عبد الله، مع مسؤولين إسرائيليين، وبأنه في هذه الأثناء، تواصل نتنياهو مع سلطان عمان، السلطان قابوس بن سعيد، هاتفيا، وغير مرة، وذلك أثناء لقاء بن علوي ونتنياهو، في إسرائيل.
وأفادت الصحيفة أنه بعد لقاء نتنياهو بالسلطان قابوس أقيم حفل موسيقي لرئيس الوزراء الإسرائيلي، وكان وقتها نتنياهو مستمتعا بالموسيقى، التي اخترقت قلبه ولامست روحه، خاصة وأنها موسيقى مزيج من الأفريقية والهندية والفارسية. وأوردت على لسان مصدر سياسي إسرائيلي مسؤول أن زيارة نتنياهو لسلطنة عمان استغرقت 12 ساعة كاملة، تأثر خلالها رئيس الوزراء الإسرائيلي بشخصية السلطان قابوس بن سعيد، وبحكمته، وبأنه بالفعل ترك أثره عليه، حيث نجح السلطان العماني في إثنائه عن رأيه في قضيتين أو ملفين ــ ولم يفصح عنهما المصدر الإسرائيلي.
وأن تهتم هذه الصحيفة الصهيونية بمثل هذه التفاصيل وبمثل هذه العبارات عوضاً عن التركيز على تفاصيل ما دار خلال لقاء نتنياهو بالسلطان قابوس فإن هذا لا يعني سوى أن الرقابة الصهيونية لم تسمح لها ولا لغيرها من وسائل الإعلام الصهيونية بنشر أية تفاصيل عن الزيارة لكن من تابع ويتابع التطورات التي شهدتها وتشهدها المنطقة فإنه لن يجد صعوبة في استنتاج أن زيارة نتنياهو جاءت في إطار جهود المسؤولين الصهاينة للخروج من حالة القلق والارتباك والإحباط النفسي التي يعيشونها وبالتالي فإن الزيارة تصب في خانة إخراج ما يسمى بـ “صفقة القرن” ، من الطريق المسدود الذي وصلت إليه بالاستعانة بالسلطان قابوس وهو ما تشير إليه زيارة محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية لمسقط التي سبقت زيارة نتنياهو..
وتأتي الاستعانة بالسلطان قابوس بعد أن فشلت استعانة الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني بكل من ولي عهد مملكة قرن الشيطان السعودية المدعو محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي المدعو محمد بن زايد في تمرير الصفقة..
ومن اللافت للانتباه أن وسائل إعلام العدو الصهيوني هي من يسلط الأضواء على تلك الزيارات ويتناولها في الكثير من الأحيان بأدق تفاصيلها..ومن اللافت للانتباه أيضاً أن جميع الأحاديث والتصريحات التي تصدر عن المسؤولين الصهاينة وعلى رأسهم نتنياهو تركز على أن السبب الرئيس للتقارب بين الكيان الصهيوني ومن تسمى بالدول المعتدلة أو دول الاعتدال العربية هو مواجهة “العدو الإيراني المشترك”..
لكن ما يبدو واضحاً أن وسائل الإعلام الصهيونية لم تسلط الضوء على زيارة نتنياهو لمسقط بنفس الطريقة التي اعتادت عليها ، كما أن نتنياهو لم يتحدث أثناء زيارته ولا بعدها عن ما يسميه “العدو الإيراني المشترك”..
وهذا يعني في جانب منه عدم السماح لوسائل الإعلام الصهيونية بنشر تفاصيل الزيارة من جهة وعدم تجرؤ نتنياهو على ترديد معزوفته نظراً لخصوصية العلاقات العمانية – الإيرانية من جهة أخرى..
وإضافة إلى هذا فإنه يعني أيضاً زيف وكذب ما يتحدث عنه المسؤولون الصهاينة حول “العدو الإيراني المشترك” كسبب رئيس للتقارب مع “دول الاعتدال” أي مع الدول الخليجية حيث ترتبط سلطنة عمان بعلاقات تاريخية متميزة مع إيران.. كما أن علاقات إيران مع كل من قطر والكويت هي أيضاً علاقات متميزة وحتى دويلة الإمارات رغم قضية الجزر الثلاث، “طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى” فإن علاقاتها مع إيران علاقات طبيعية..
وتبقى السعودية وحدها من بين دول مجلس التعاون الخليجي الست التي تعلن العداء الصريح لإيران بينما الحقيقة الماثلة للعيان على أرض الواقع المعاش أن إيران لا تعلن العداء الصريح منذ انتصار الثورة الإيرانية عام 1979م حتى اليوم سوى لكيان العدو الصهيوني باعتباره كما وصفه قائد الثورة الإيرانية الراحل آية الله الخميني غدة سرطانية زرعها الاستكبار العالمي في المنطقة ويجب أن يتم استئصالها، والولايات المتحدة الأمريكية التي وصفها الإمام الخميني بالشيطان الأكبر..
أما مشيخة البحرين فإن علاقاتها مع إيران مرتبطة بعلاقة التبعية الكاملة لنظامها بالنظام السعودي حيث أصبحت هذه المشيخة الصغيرة التي تسمى “مملكة” مستعمرة سعودية بكل ما تحمله الكلمة من معنى..
وبقدر ما تكشف هذه الحقيقة زيف وكذب أحاديث المسؤولين الصهاينة حول ” العدو الإيراني المشترك”، فإنها تكشف بنفس القدر الهدف الحقيقي من وراء تكرار هذه العبارة سواء من قبل المسؤولين الصهاينة أو من قبل وسائل الإعلام الصهيونية ، ويتمثل هذا الهدف في تكريس مفهوم أن العدو الصهيوني ليس العدو الحقيقي للأمة العربية والإسلامية وأن العدو هي إيران في واحدة من أكبر المغالطات التي لا تنطلي على أحد باستثناء الأغبياء والمغفلين..
ومن المثير للسخرية والاستهجان أن هناك عدد من الإعلاميين الخليجيين ومن يسمون أنفسهم علماء دين يجهدون أنفسهم بإيعاز من أنظمة الحكم في بلدانهم في الترويج لهذه الفكرة الكاذبة والزائفة بطرق مختلفة في الوقت الذي تواصل سلطات الاحتلال الصهيوني قتل أبناء الشعب الفلسطيني في غزة واعتقالهم في الضفة الغربية بالعشرات بصورة يومية، كما تواصل هدم منازلهم ومصادرة أراضيهم وإقامة المستوطنات على أنقاضها، ويواصل قطعان المستوطنين الصهاينة تدنيس المسجد الأقصى المبارك بصورة يومية أيضاً..
وعلى الرغم من هذه الممارسات الإجرامية اليومية التي تقوم بها سلطات الاحتلال الصهيوني على مرأى ومسمع الجميع فإن مرتزقة ومأجوري الإعلام وعلماء البلاط يحاول كل منهم بطريقته إقناع الآخرين بأن كيان الاحتلال الصهيوني ليس عدواً لنا وأن السير في طريق تطبيع العلاقات مع هذا الكيان ليست جريمة!!!.
كما تحاول أنظمة الخيانة والعمالة والتبعية العمياء لواشنطن إقناع الشعوب العربية والإسلامية وشعوبها في المقدمة أن ما تقوم به على صعيد التطبيع مع العدو يأتي من منطلق حرصها على السلام في الوقت الذي تشن حرباً عدوانية ظالمة وغير مبررة طوال ما يقرب من أربعة أعوام متواصلة على يمن الحكمة والإيمان ، وتقوم بتمويل الحروب وتغذية الصراعات والفوضى المدمرة في سوريا والعراق وليبيا طوال أكثر من سبعة أعوام.. وبعبارة أخرى فإنها تسعى إلى السلام وتحرص عليه عندما يتعلق الأمر بالعدو الصهيوني بينما تسعى إلى الحروب والقتل والخراب والدمار وحتى إلى عرقلة جهود السلام عندما يتعلق الأمر باليمن وسوريا والعراق وليبيا ولبنان!!.
وهذه أيضاً واحدة من أكبر المغالطات التي لا يمكن أن تنطلي على أحد باستثناء الأغبياء والمغفلين..
والحقيقة الماثلة للعيان التي لا يستطيع إنكارها أحد أن ما تقوم به الأنظمة العميلة يندرج في إطار تنفيذها للأوامر والتوجيهات التي تصدر لها من البيت الأبيض الأمريكي التي تصب في خانة إنقاذ الكيان الصهيوني من حالة الضعف التي يعاني منها أكثر من أي مضى.. وهي الحالة التي تبدو واضحة في حالة القلق والارتباك والإحباط النفسي التي يعيشها المسؤولون الصهاينة بشكل غير مسبوق..
والحقيقة الماثلة للعيان أيضاً أن حكام هذه الأنظمة وفي هذه المرحلة بالذات يبحثون عمن ينقذهم من حالة الإحباط النفسي والقلق التي يعيشونها والتي لا تقل عن الحالة التي يعيشها المسؤولون الصهاينة!!.
ويكفي للدلالة على هذه الحقيقة أن نشير إلى التصريحات التي أدلى بها مؤخراً الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي تتلخص في عبارة واحدة:”لولا السعودية لكانت إسرائيل في ورطة”