حروب أمريكا الخاسرة من فيتنام الى سوريا واليمن (11)
احمد الحبيشي
تدخلت روسيا في مواجهة الحرب الكونية على سوريا تدخلاً عسكرياً مباشراً، حيث أرسلت طائرات ميج “31 ” الاعتراضية المتطورة التي استقرت في مطار المزة، ودفعة من صواريخ “كورنيت 5 ” المتطورة، وطائرات مروحية، ودبابات “تي 92” مع أطقمها، وسربا من طائرات سوخوي 30 وهي (طائرة متفوقة ومتعددة المهام)، وصواريخ جو أرض.
وأدى التدخل العسكري الروسي منذ بدايته في 30 سبتمبر 2015م حتى الآن إلى تدمير آلاف المواقع والأنفاق العسكرية لتنظيم داعش وقتل وجرح عشرات الآلاف من المسلحين الارهابيين بمشاركة واسعة على الأرض من الجيش العربي السوري وحلفائه، وفقاً لتقرير (المونيتر) منذ بداية الضربات الروسية.
وفي ذات الوقت، أسرعت روسيا بالبحث عن حل سياسي سلمي للأزمة في سوريا، وتسريع عملية التفاوض بين الدولة ومختلف أطراف المعارضة السورية المنقسمة على نفسها.
والحال إن التدخل العسكري الروسي في سوريا جاء نتيجة العديد من الأسباب والعوامل التي دفعت روسيا للتدخل العسكري الروسي في سوريا، وتتمثل أسباب التدخل العسكري الروسي في سوريا بما يلي:
1 – الرغبة الروسية في العودة الى الساحة الدولية وتعزيز دورها كقوة دولية فاعلة، حيث ترغب روسيا في تعزيز دورها ومكانتها على المستوى الدولي والاقليمي في منطقة الشرق الأوسط واثبات دورها المؤثر في القضايا الدولية والاقليمية الهامة، وخاصة منطقة الشرق الأوسط وتعتبر الازمة السورية فرصة سانحة لها، من خلالها قدرتها على تشكيل وتكوين تحالفات اقليمية على غرار ما فعلته الولايات المتحدة والغرب. وقد تأكد هذا الدور عقب ضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية ذات الأغلبية الروسية في عام 2014م حيث لم يستطع الغرب اتخاذ موقف موحّد ضدها.
2 – الحفاظ على المصالح الروسية في المنطقة ، من خلال الحفاظ على تواجد روسيا في نافذة تطل على المياه الدافئة ، إذ يوجد لها قاعدة عسكرية بحرية في ميناء طرطوس في سوريا منذ عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، وهي القاعدة العسكرية الوحيدة لها في منطقة الشرق الأوسط. كما تسعى روسيا لبناء قاعدة عسكرية جوية لها في غرب سوريا باللاذقية.
هذا فضلاً عن رغبة روسيا في تعزيز دورها على الأراضي السورية في ظل التسويات المستقبلية المحتملة مع أطراف اقليمية ودولية. وكذلك رغبة روسيا في بناء تحالفات واسعة بعد غياب طويل لها عن منطقة الشرق الأوسط، حيث أنه مع ابرام الاتفاق النووي الايراني بين إيران ومجموعة (5+1) شرعت روسيا في التنسيق الاستراتيجي والعسكري المفتوح والذي تزامن مع إعلان السفير الايراني لدى روسيا “مهدي صانعي” عن بدء إجراءات تزويد إيران بمنظومة الدفاع الجوي ( س 300) .
من جانب آخر، فإنه على الرغم من اعتماد مصر على التسليح والتدريب الامريكي إلا أنه في الفترة الماضية حدث خلاف في وجهات النظر بين الجانبين المصري والامريكي حول العديد من القضايا السياسية والأمنية، في حين ان هناك توافقاً بين الرؤى وتقارب مصري – روسي حول العديد من القضايا الدولية والاقليمية سياسيا وأمنيا، وقد اتضح ذلك من خلال زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لروسيا عدة مرات، الى جانب صفقات التسلح والمشروع النووي بين مصر وروسيا.
اللافت للنظر أن الولايات المتحدة الأمريكية قامت قبل التدخل العسكري الروسي بإنشاء منطقة آمنة شمال سوريا، وعلى الرغم من التجهيزات والتدريبات الامريكية، إلا أنها فشلت فشلاً ذريعاً، وقد جاء التحرك الروسي لإرسال اشارة الى الولايات المتحدة أن سوريا تعتبر منطقة فضاء استراتيجي خاصة بها .
أما على المستوى المحلي ، فقد جاء التحرك الروسي نتيجة إدراك القيادة الروسية لخطورة التدخلات الخارجية على الساحة السورية ، والتي استهدفت إضعاف وانهاك وتفكيك الدولة السورية ،خاصة عقب تقدم المجموعات الإرهابية المسلحة في المناطق الشمالية والجنوبية على مشارف مدينة اللاذقية التي تعتبر أكبر المدن على الساحل الشمالي السوري في البحر المتوسط ،والميناء الرئيس لسوريا.
كان تحالف الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وبريطانيا والدول الغربية يُشكّل بجانب الدول الاقليمية مثل المملكة العربية السعودية وتركيا و قطر، اتجاهاً معارضاً للتدخل العسكري الروسي في سوريا ، ويعتبرونه تدخلاً مباشراً لحماية نظام الرئيس السوري بشار الأسد ، وهو ما تم تفسيره بواسطة انتقاد هذا التدخل من قبل الادارة الامريكية والمملكة العربية السعودية وتركيا في بداياته قبل أربع سنوات.
في هذا السياق، أكد وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” أن محاربة تنظيم “داعش” في سوريا لا يمكن القيام بها دون التحالف مع نظام الرئيس بشار الأسد، وإمداد الجيش السوري بكل ما يلزمه من تقنيات عسكرية وأسلحة متطورة لدعم قدراته الدفاعية من أجل مكافحة الإرهاب.
وأشار لافروف الى أن روسيا ترى أنه لا يمكن مواجهة تنظيم (داعش) من خلال الضربات الجوية التي بدأها التحالف الدولي بقيادة أمريكا منذ عام 2014م ولم يسفر عنها أي تقدم في في مواجهة تنظيم (داعش) ، بل أدت إلى مزيد من التمدد والسيطرة على مناطق أخرى، ومن هنا ترى روسيا انه لا يمكن مواجهة هذا التنظيم إلا عبر القوات النظامية للدولة السورية ، هذا الى جانب تخوف روسيا من تكرار سيناريو ليبيا والعراق وتعدد تجارب الدول الفاشلة في المنطقة والذى من شأنه أن يؤثر على الأمن والاستقرار الاقليمي والدولي.
وفى هذا الإطار، أجرت البحرية الروسية مناورات حربية في البحر المتوسط قرب السواحل السورية وذلك وفقا للقانون الدولي وبموافقة الحكومة السورية.
نجحت روسيا في تكوين تحالف اقليمي مكون من (العراق، إيران، سوريا، حزب الله اللبناني ) ، وبعض الدول العربية التي لم تعلن موقفها من التدخل العسكري الروسي في الأزمة السورية، ندا للتحالف الأمريكي الغربي المكون من قرابة 50 دولة في مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية وقطر وتركيا بجانب الدول الغربية، خاصة في ظل إعادة تشكيل هيكل النظام الدولي في المرحلة الراهنة، حيث تحاول روسيا ايجاد دور لها كقطب دولي في هذا النظام الجديد.
في المقابل، ترى السعودية وقطر وتركيا الى جانب الولايات المتحدة والدول الغربية في التحالف الغربي المعادي لسوريا ، ان التدخل العسكري الروسي في الأزمة السورية ما هو إلا دعم للنظام السوري وإطالة مدة بقائه وهو ما يضر بسبل تسوية هذه الأزمة ، كما ترى هذه الدول أن التدخل الروسي لا يستهدف فقط مقاتلي تنظيم “داعش” وإنما أيضا جميع فصائل المعارضة المسلحة للنظام ، الأمر الذي سيؤدي إلى ترجيح كفة الدولة السورية على حساب ما تُسمّى المعارضة المعتدلة التي تدعمها هذه الدول !!
بدأ سلاح الجو الروسي بتوجيه ضربات جوية في الأراضي السورية بتاريخ 30 سبتمبر 2015م، بعد أن طلب الرئيس السوري بشار الأسد دعمًا عسكريًا من موسكو لكبح الحرب الكونية على بلاده ، ووافق مجلس الاتحاد الروسي على تفويض الرئيس فلاديمير بوتين استخدام القوات المسلحة الروسية خارج البلاد.
جاءت هذه الضربات بعد تزايد الدعم العسكري المعلن لنظام الرئيس بشّار الأسد من قبل موسكو، والإعلان عن تشكيل مركز أمني مشترك في بغداد بين روسيا وإيران والعراق وسوريا لمحاربة تنظيم داعش . وجاءت أولى الضربات الروسية في 30 سبتمبر2015م على مواقع تابعة لداعش وفقًا لوزارة الدفاع الروسية .
ابتداءً من سبتمبر 2015م، عزّزت روسيا حضورها العسكري في سوريا، إذ نشرت 21 طائرة هجوم أرضي من نوع (سوخوي- 25) ، و12 مقاتلة اعتراضية من نوع (سوخوي-24)، و6 قاذفات متوسطة من نوع ( سوخوي 34) ، و4 طائرات (سوخوي- 30) متعددة الأدوار بالإضافة إلى 15 مروحية (من نوع ( مي هايند 24 الهجومية) في مطار باسل الأسد الدولي قرب اللاذقية.
وتحمي هذه الطائرات 2 أو ثلاثة على الأقل من أنظمة الدفاع الجوي (إس إيه-22) ، وطائرات من دون طيار مثيلة لطائرة إم كيو بريدتور الأمريكية وتستخدم لتنفيذ طلعات استطلاعية. كما تضمنت القوات الروسية أيضًا 6 دبابات من طراز تي- 90 و15 قطعة مدفعية و35 عربة جند مدرعة و200 من مشاة البحرية (مع منشآت إسكان تسع 1,500 فرد). كذلك رُصدت قاذفات بي إم- الاستراتيجية 30 سمرش قرب اللاذقية.
صرح فلاديمير بوتين بالقول :
“أولًا سندعم الجيش السوري فقط في كفاحه الشرعي ضد التنظيمات الإرهابية تحديدًا…وثانيًا سيكون هذا الدعم جويًا دون مشاركة في العمليات البرية” ، مشيراً إلى أن هناك عشرات الآلاف من المقاتلين ضمن التنظيمات الإرهابية من مواطني الدول الأوروبية وروسيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق، وأن المرء ليس بحاجة لأن يكون خبيرًا في الشؤون الأمنية ليعلم أنه إذا انتصر هؤلاء في سوريا فسيعودون إلى بلادهم ويعودن إلى روسيا أيضًا.
من جانبه، قال السفير السوري في موسكو، رياض حداد ” إن سلاح الجو الروسي يقوم بالتنسيق الكامل مع الجيش العربي السوري” ، مشيراً الى” أنّ المقاتلات الروسية نجحت في تدمير 40% من البنية التحتية لـداعش” وأكّد على عدم تواجد أي من أعضاء المعارضة السورية في المناطق التي استهدفت من قبل المقاتلات.
في 7 أكتوبر ٢٠١٦م، ووفقًا لوزارة الدفاع الروسية، قامت سفن أسطول بحر قزوين بإطلاق 26 صاروخا عابرا للقارات من نوع (كاليبر إن كا) على 11 موقعًا لداعش في ريف الرقة وحلب وإدلب. وذكر رئيس إدارة العمليات العامة في رئاسة الأركان الروسية أن المعلومات حول المواقع المستهدفة جمعتها المخابرات العسكرية الروسية.
الى ذلك قام العشرات من الدعاة ورجال الدين السعوديين بحثّ الدول العربية والإسلامية لدعم (فصائل المعارضة السورية) في جهادهم ضد الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه الإيرانيين والروس بحسب ما نشرته وكالة رويترز !!
وبالمقابل أعلنت الكنيسة الروسية الأرثوذكسية عن دعمها للتدخل الروسي واصفة إياه بالمعركة المقدسة ضد الإرهاب، فيما قال رئيس الإدارة الروحية المركزية للمسلمين طلعت تاج الدين “نحن ندعم تمامًا استخدام وحدات من القوات المسلحة الروسية في القتال ضد الإرهاب الدولي”.
مع غروب شمس عام 2017م وبدء العد التنازلي لاستقبال العام الجديد، بات من الواضح أن عام 2018م سيكون “حاسماً” لجهة وضع الملف السوري على “مسار الحل السياسي” والتقدم في مسارات الميدان والقتال من أجل دحر المجموعات الإرهابية وتحرير الأراضي السورية، فيما أضحى التطلع لرسم ملامح الحل السياسي “مطلب” المجتمع الدولي المنقسم على ذاته !!
بدأ مسار جنيف بجولاته الثمان قبل نحو 8 سنوات برعاية الأمم المتحدة، في يونيو 2012م، وخلال خمس جولات من المفاوضات جرت على مدار ذلك العام، ركز وفد الحكومة السورية برئاسة السفير بشّار الجعفري على ملف “محاربة الإرهاب”، والذي لم يكن مدرجاً في القرار الأممي 2254 ، مشيرا إلى وجود أكثر من مائة ألف ارهابي استقدمتهم السعودية وقطر من مختلف أنحاء العالم لإسقاط النظام في سوريا.
ومن نافل القول: إن تأسيس منصتي موسكو والقاهرة المقربتين من روسيا ومصر، ومن النظام في الوقت نفسه، ساهم بتقوية ما ذهب النظام إليه ، بأنه لا يوجد طرف موحد يفاوضه ، وأن على المجتمع الدولي الانتهاء من عملية توحيد المعارضة” ليشرع في مناقشة ملفّات جنيف!!
ويرى متابعو الملف السوري أن مسار جنيف أصبح عبثيا ، مقابل ما تحقق في مسار مفاوضات أستانا وسوتشي التي أسست لمناطق خفض التصعيد في سوريا، كما خفضت إلى حد كبير نيران الاشتباكات المشتعلة على الأرض ، وساعدت على تمكين الجبش العربي السوري من استعادة أكثر من 94 % من الأراضي السورية الى حضن الدولة.
ومن المتوقع أن ينتهي مسار أستانا قريباً لصالح المسار الجديد الذي انطلق في سوتشي خلال العامين 2017 ــ 2018م، وأن يؤسس لمسار سياسي يمتلك “مفاتيح الحل” في سوريا، بعد أن نجح في تفريغ مسار جنيف لصالح مسار أستانا أولا ً، لتتم عملية الانتقال من جنيف إلى سوتشي عبر أستانا ثانياً.
سنكتفي بهذا القدر من حروب أمريكا الخاسرة في فيتنام وسوريا ، وسننتقل في الحلقة القادمة الى الحرب القذرة التي يشنها التحالف السعودي الاماراتي الأمريكي على اليمن.