الزّهراء .. من قبل ومن بعد
أشواق مهدي دومان
خيّم الصّمت مهابة؛ فوقْع خطوات أقدامها نسمعه يقترب شيئاً فشيئاً، ها نحن وكلّ منّا يهرع ليفتح باب سكنها ممّا ابتناه لها في الرّوح، فكلّ وبمجهوده وبإمكاناته قد عمّر لها سكنا، فسكنت أرواح أمُّ أبيها قريرة هانئة وهي قرّة العين ونبع الهناء.
ها هي الزّهراء تصل وتطلّ فتشرق جمالاً وقدسية ومهابة، وتتلعثم فينا الألسنة، وتتعثّر الخطوات خجلاً من أن ترانا في حالة وبهيئة غريبة عنها.
ولا أدري ماذا ستقول للزّهراء مَن خلعت حجاب الحشمة، ومن أوجدت لنفسها قوانين للتّبرّج وتزيّنت للأغراب، وخرجت من منزلها عبق العود والطّيب يسايرها؟!
لا أدري هل ستطمئن الزّهراء في روح من فقدت قيمها وعفافها وحياءها لتشحذ نقوداً قد تسمنها مادة وتشبعها جسداً، ويعلم اللّه أنّها قد قدّمت عقيدتها وشرفها وثقتها مقابلا لذلك المال المدنّس؟!
لا أدري هل سيستقر بها المكان فهو غريب عن مكان نشأت فيه بيتا ربّانيّا نبويّا نورانيّا بسيطا تحفّه المحبّة والطمأنينة والإيمان من كلّ زاوية وجانب لتتميّز بأنّه من سيشاركها حياتها ويكون مستقرّها ومسكنها هومن نفس البيئة ومن نفس البيت الذي نشأت فيه هي بعيني رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم)، وعينيّ أمّها المرأة الأنموذج التي كانت سندا وحصنا وملجأ لقلب النبيّ الطّاهر، فكانت عفيفة طاهرة كأمّها السّيّدة (خديجة بنت خويلد)، وصادقة صدّيقة أمينة حبيبة قريبة صديقة لأبيها حتّى قال عنها: أمّه وكنّاها بـــ : (أمّ أبيها) لتحمل مرافئ وشواطئ وبحور الحنان وتنتصر بها على متارس الجفوة والقسوة، وكأبيها الذي تحمل دمه في دمها، وهي فلذته وبضعته، وهي التي يغضب اللّه لغضبها ويرضى لرضاها.
بأبي أنتِ وأمّي يا – قرّة العين وحبيبة القلب – كم نشتاقكِ جليسة لنا وفينا بمكان عليّ ونحن نتحلّق حولك فننصت لدرر كلماتك وتوجيهاتك لنا، ونحن _ خاصّة في وطن أنصار أبيكِ _ نساء مظلومات مكلومات لم يراعِ لهن حلف يزيد العصر العدواني حرمةً ولا قدراً؛ فقد قصف المرأة اليمنيّة، وتمّ قتلها مباشرة في بيتها وحقلها ومدرستها وعزائها وفرحها، وشرّدها المعتدي، وأنزحها من دارها، بل هدمه وقتل أباها وزوجها وابنها وأخاها.
وكما كنتِ مظلومة مكلومة فأنتِ أسوتنا وقدوتنا من حوّلت الجرح إلى ثورة فتخرّج على يديكِ قادة الثّورة العالميّة إلى يوم الدّين ولداكِ الحسن والحسين وذريتهما.
يا_ بضعة أبيكِ حبيب اللّه وحبيبنا_ :
نستحضرك اليوم في يوم ذكرى مولدك الأغرّ لنبثّكِ من حزننا يا صاحبة القلب الكبير فنتأسّى بكِ وقد تآمر على شعب أنصار أبيك (عليه وآله أزكى السّلام) ِ الشّرقُ والغرب كي ينتزعوا منه الإيمان والحكمة، تُؤوُمِر عليه حتّى يخفّ وهج حبّه وحبّك و بعلك وبنيكِ،،
وحتّى يمزّقوا عرى الوصل والتّواصل بيننا وبينكم يا آل بيت النّبيّ الأعظم.
زهراء : يا سعدنا ونورنا وكيف لا وأنتِ نور من نور من نور.
فيا عالم المرأة : ها هي الزّهراء تزورنا في ذكرى مولدها فلتكن فرصتنا لنقترب منها ونعانقها؛ لنشتمّ فيها رائحة المصطفى، نشتمّ هويّتنا التي تشتّتت بين ظلم الرّجل والأقربين وظلم الأبعدين من جعلوا جنس المرأة مهوى الملذّات، وعبد الشّهوات، وتراكم إهمالهم لها فجعلت تطفح بالامتهان كأنّها بلا كيان، ونظروا إليها بمنظار فوضوي عشوائي جسدي جنسي؛ فهي غير المحتشمة في الغرب الصّهيوني والشّرق المتصهين، في محاولة من الغرب لاستنساخ أنموذج المرأة الغربية، وتصديره للشّرق وسيلة دعاية وإغراء ينحرف ويغترّ ويلتهي بها الرّجل فيتخاذل عن قضيّته وعقيدته وينهار أمامها والكأس؛ فيبيع أرضه وعرضه، وقد سجّلوا بعض نجاحهم في استنساخ روح وفكر وثقافة المرأة الغربية وألبسوه للشّرقية والمسلمة خاصّة، وقد أصبحت المختزلة بكلّ معانيها السّاميّة إلى جسد، وتلك حضارة الغرب الذي يرى المرأة معقدة نفسيّا لو رفضت أو منعت وامتنعت عن البغاء وارتكاب الفاحشة باسم الحريّة والصّداقة مع الرّجل في تفسخ للقيم، وانهيار للروابط العائلية بل وهجوم وحرب على عاطفة الأبوة والأمومة فباسم الحرية ترمى إلى مصير مجهول حين تبلغ الثامنة عشرة من عمرها فقانون الغاب يقول : بأنّ والديها لا يتدخّلان بشأنها لو جالست ألف شاب من أيّ كان فهي حرّة، وبمفهومهم الأعوج للحرّية قضوا عليها روحاً تتطلّع إلى السّمو، جعلوا منها موطنا للغريزة المتنقّلة وبثّوا الأمراض النّفسيّة الناتجة من تحميلها وحدها مسؤوليّة تربية ابنها (غير الشّرعي) الذي ينشأ متشرداً لا يدري من هو أبوه بالضبط؟!
ما جعل بعضهن تتطرّف وتلتحق بالرّهبنة أيّ الالتحاق بمجموعة الرّاهبات وهنّ من يسخّرن حياتهن لخدمة المسيح في عقيدة نصرانيّة محرّفة تنسلخ فيها المرأة وتحرّم على نفسها الزّواج الحلال هروباً من تعامل المجتمع ونظرته والتي أثراها الفكر اليهودي الصهيوني الذي خلق الفساد والابتذال ما فضّلت كثير منهن ولجأت للانتحار، فجرائم الاعتداء والضرب والعنف والعنصريّة منتشرة في بلادهم، وتغطية لذلك يجسّمونها جسداً ويدعم الماسون مسابقات ملكات الجمال كما يدعمون مسلسلات الدعارة وحفلات ومسابقات النجوميّة وما إلى ذلك من مسمّيّات ما أنزل اللّه بها من سلطان وإنّما هي من صنع تلك الماسونيّة التي حرّفت وحرفت وجهة الإنسان ككلّ عن فطرته التي فطره اللّه عليها وتحريف معنى وقيمة المرأة بل المبتكر للتحريف مع أنّ التوراة والإنجيل في أصولهما غير المحرّفة كتبا سماوية أُرسل بها سيدنا (موسى) وسيدنا (عيسى) كنبيّين رسولين من اللّه كانت تنظر للمرأة من منظار قدسيّ يحترمها روحاً وجسداً، ولكن؛ لأنّ بني إسرائيل غير جديرين بحمل رسالات السّماء التي أفرغوها في ملذّات الحياة؛ فحرّموا مالم يحرمه الله وحلّلوا مالم يحلله اللّه؛ فقد أربكوا وشتّتوا الفرد لديهم وبالتالي المجتمع ، وقلب المجتمع وهو المرأة التي كانت كبقيّة مجتمعهم بعيدين عن الإسلام الذي هو أصل الديانات والكتب السّماويّة قبل التّحريف، فعصوا الله وعصوا الرّسل.
وهنا وقد هان لديهم كل مقدّس فما بعد معارضة اللّه ورسله إلّا اختلاق قوانين بشريّة وضعيّة ناقصة هزيلة ضعيفة تحكم فيما تحكم ومن المحكوم عليهم المرأة التي أُهينت وضُربت وقُتلت و تُقُرّب بها عبر إغراقها في الأنهار لآلهتهم التي اتخذوها من دون اللّه كما كان يفعل الفراعنة باختيار أجمل البنات ودفعها لنهر النيل قربانا لربهم، كما اُختُلف في كونها روحا أو ليست روحا في حضارة الصّينيين، وعبثت بها الكنيسة قبل حروب النّهضة الأوربيّة كما عبثت بالإنسان ككلّ، ولم تجد لها هويّة سوى في دين محمّد وآل محمّد، ولم تعد لإنسانيتها إلّا بالرّسول الخاتم المصحّح المنقّح المستقيم المستوي الذي نشأت في كنفه زهراء العالمين، وبضعة رسول ربّ العالمين، وحبيبة حبيب ربّ العالمين، وأم سبطي رسول ربّ العالمين، وزوج باب مدينة ربّ العالمين،
أفلا نعشق هذه الزّهراء قيمة ونهجا وأسوة وقدوة لنا_ نحن _ النساء لنصل إلى مراتب الكمال البشري كما وصلت أو حتى نصل إلى ربع ما وصلت إليه من درجات الكمال البشري، ولنحن الأحوج إلى التّاسّي بها كنساء عامّة والاقتداء بها كيمنيّات خاصّة في ظرفنا هذا؛ فالزّهراء مدرسة الجهاد والقوة والمرابطة والمصابرة.
والسّلام على الزّهراء وأبيها وبعلها وبنيها ما تعاقب الليل والنّهار.