الصندوق الاجتماعي..للتنمية أم للشلة؟
إبراهيم السراجي
منذ إنشائه في عام 1997م استطاع الصندوق الاجتماعي للتنمية أن يحدث نقلة نوعية نسبية في البنية التحتية التعليمية والصحية والطرق وخصوصا في المناطق النائية والأكثر فقرا، مستفيدا من الاستقلالية النسبية عن الحكومة التي أتاحت له العمل في بيئة مناسبة، غير أن هذه الاستقلالية وكما كان لها فائدة فقد كان لها أضرار أيضا أهمها غياب العدالة في ما يتعلق بموارد الصندوق البشرية.
والحقيقة أن الانجازات التي حققها الصندوق كانت وما تزال تستر عورات الحكومات المتعاقبة حتى في ظل الانقسام الحالي في البلاد يشارك المسؤولون في حكومة الإنقاذ وحكومة العدوان في افتتاح مشاريع الصندوق لاستغلالها إعلاميا بنسب تلك الانجازات للحكومة المسيطرة على المنطقة التي يجري فيها افتتاح مشروع ما، وهذا ما جعل إدارة الصندوق بعيدة عن المساءلة والمحاسبة الحقيقية من قبل أي جهة حكومية، وبالتالي خلق هذا جوا من الطمأنينة سمحت بتفشي الظلم الواقع على بعض الموظفين وفي الوقت ذاته تفشي المحاباة ليصبح الكادر البشري مرهوناً بمزاج الرؤساء والمدراء..الخ.
إن الاعتراف بما حققه ويحققه الصندوق الاجتماعي للتنمية من إنجازات لا يعني بالضرورة القبول بما يحدث من ظلم ومن مخالفات. وفي ظل ثورتين عاشتهما البلاد ونحتفل اليوم بالذكرى الثامنة لإحداهما، نتساءل هل ما يزال علينا في هذا البلد أن نقبل برئيس لأنه أفضل من غيره وأن نسكت عن مخالفات في مؤسسة ما لأنها تحقق إنجازات أفضل من غيرها؟ هل ما يزال علينا أن نقبل بثقافة جرى الترويج لها خلال العقود الماضية لنقبل بالواقع بحسناته وسيئاته خوفا من المجهول؟
في نهاية 2015م أي في نهاية العام الذي تعرض فيه اليمن للعدوان قررت إدارة الصندوق إقصاء عشرات الموظفين بتقدير ذاتي وفي إجراء أشبه بالتقشف نظرا لعدم وضوح الرؤية لدى الإدارة بسبب الحرب، غير أن الإقصاء طال الموظفين ذوي المرتبات المتدنية وبقيت الوظائف العليا وأصحابها في مأمن من ذلك الإجراء بالإضافة لكل من لديه علاقة بأصحاب القرار.
والغريب أن هذه الخطوة تمت بدون موافقة البنك الدولي الممول الرئيس للصندوق والذي تفاجأ لاحقا بما حدث وطالب إدارة الصندوق بوقفه وإعادة ما تم خصمه من مرتبات الموظفين. وهنا بدأت جولة جديدة من المخالفات فأعيد موظفون لأعمالهم ورفضت الإدارة إعادة آخرين لوظائفهم التي حرموا منها في ظرف صعب تمر به البلاد، بل جرت إعادة موظفين قدموا استقالاتهم بمحض إرادتهم وحين عادوا وجدوا وظائفهم تنتظرهم لأنهم مسنودون ومقربون من أصحاب القرار.
ولكي تظل مسألة التوظيف والترقيات مرهونة برغبات شخصية ومرتبطة بالقرب والبعد من أصحاب القرار، فقد قاومت إدارة الصندوق كل المحاولات التي قام بها بعض الموظفين لتشكيل نقابة او رابطة تعنى بحقوق الموظفين ومنع التعسف بحقهم. واحدة من هذه المحاولات جرت في 2014 تقريبا تمت مواجهتها بضراوة حتى نجحت الإدارة في إجهاض الفكرة ليبقى الموظفون رهن مزاج المدراء.
اليوم مطلوب من الحكومة وخصوصا وزارة الشؤون الاجتماعية ورئاسة الوزراء نظرا لتبعية الصندوق لهاتين الجهتين، أن تقوما بدورهما في إبقاء الصندوق المؤسسة القادرة على تحقيق الإنجازات كما هو، وتنهي التلاعب القائم والتعسف والمحاباة المرتبطة بآلية التوظيف بكل الطرق المتاحة والفعالة، لكي لا يتحول الصندوق الاجتماعي للتنمية إلى صندوق لتنمية الشللية والمحسوبية.