المسجد وإحياء دوره في التنمية

ارتبط التدين بالمسجد وانتشر الإسلام حاثاٍ على بناء المساجد وحيث كان الإسلام كان المسجد لينشر بدوره الإسلام وهكذا يدخل الإسلام فيوجد مسجداٍ ويقوم المسجد لينشر الإسلام ويعمقه ويعلمه.
وقد أولى اليمنيون المساجد اهتماما كبيراٍ منذ فجر الإسلام باعتبارها من أفضل القربات إلى الله وقام الصالحون من المؤمنين ببناء المساجد والجوامع وملحقاتها في مختلف مناطق اليمن ووجدت منهم عناية فاقت كثيراٍ عنايتهم ببيوتهم بناءٍ وزخرفة ونقشاٍ وتجميلاٍ وتجهيزها بكل ما يحتاج إليه العابدون من مياه جارية للوضوء والاغتسال والتطهر وتوفير ما تحتاجه من أثاث وفراش ومصاحف وكتب وغيرها ويعين لها الأئمة والخطباء والوعاظ والمؤذنون والخدم إضافة إلى إيقاف غرر الأموال لإقامتها وصيانتها ومواجهة المكافآت والتخصيصات المالية والرواتب التي تدفع للعلماء والفقهاء والقراء وطلاب العلم وغيرهم ممن يقومون بملازمة المساجد والاهتمام بها وخدمتها.
ولم تكن المساجد مراكز للعبادة ومدارس للدعوة فحسب بل قامت بالكثير من الوظائف وحققت ما يطلق عليه اليوم بتنمية المجتمع الذي يعتبر من أكثر الموضوعات التي تهتم بها العلوم الإجتماعية في العصر الحديث (1).
ويمكن استعراض أهم وأبرز وظائف المسجد بإيجاز فيما يلي:
1- كانت المساجد في اليمن – ولا تزال – تتولى تعليم المواطنين مبادئ القراءة والكتابة وتحفيظ القرآن الكريم لطلابها كما كانت تفقههم وتثقفهم بثقافة إسلامية واسعة في علوم القرآن والحديث وأصول الفقه والتوحيد والسيرة والتفسير كما كانت تدرِس مواد أخرى كعلوم اللغة والفلك والحساب والمنطقْ وغيرها. وكانت تتكفل بإسكان عدد من الطلاب ورعايتهم مجاناٍ أثناء سنوات الدراسة وكانت تولي عناية خاصة لتعليم نسبة من الأيتام.
وكان الكثير من العلماء يتطوعون للتدريس بدون مقابل كما وفرت الأوقاف مصدراٍ طيباٍ لإعاشة المحتاجين من العلماء نظير تفرغهم للتدريس.
ولم تكن مجالس العلم خاصة بعامة الناس والعلماء فقط وإنما كان يحضرها أحياناٍ الأمراء والأعيان والرؤساء (2).
ولم تقتصر مجالس العلم على الرجال فقط وإنما شاركت فيها النساء سواءٍ بغرض الدراسة أو التدريس.
ومن أهم المساجد التي كانت تقام فيها حلقات التعليم والتدريس في صنعاء الجامع الكبير جامع الروضة مسجد الفليحي مسجد خضير مسجد غزل الباش مسجد الزمر مسجد العلمي ومسجد الوشلي (3).
وبانتشار المساجد ظهرت هجر العلم في كثير من مناطق اليمن وفي مساجد هجر العلم تلك وقف للقراءة والإقراء جماعات من الفضلاء الأخيار والعلماء المْبِرزين الأحبار (4).
ومن أشهر هجر العلم في اليمن هجرة سناع (جنوب غرب صنعاء) هجرة القفلة (محافظة حجة) وهجرة الأبناء وهجرة بيت السيد شرق صنعاء (بني حشيش) إضافة إلى هجر العلم المتعددة في الأهنوم وشهارة وفي نواحي صعدة وفي محافظة المحويت وتهامة وأبين ولحج وحضرموت وغيرها من مناطق اليمن (5).
فكان لهجر العلم أثرَ ظاهرَ في استمرار ازدهار العلوم والآداب والمعارف الإسلامية بعامة لذلك لم تِعúرف اليمن في حياتها العلمية قط فترة ركود أو جمود أو ضحالة في إنتاجها الفكري بل ظلت متميزة بالغزارة والإبداع في شتى ميادين المعارف فأمدِت المكتبة العربية بثروة عظيمة من ذخائر المؤلفات النفيسة (6).
2- كان المسجد وسيلة إعلام سياسي فقد أتاح فرصة الخطاب السياسي الجماهيري المباشر كما تولت منابر المساجد رسالة التصدي لقول الحق ورفض الظلم والدعوة إلى الإصلاح.
وكان الجامع المكان الذي عادة ما كان يلجأ إليه الحكام لإلقاء بيانهم السياسي الأول ولمخاطبة المواطنين كلما اقتضى الأمر ومن أشهر تلك الجوامع الجامع الكبير بصنعاء وجامع زبيد وجامع الهادي بصعدة وجوامع تعز وغيرها.
3- بما أن بناء الإنسان وتهذيب أخلاقه وإعداده إعداداٍ تربوياٍ فاضلاٍ هو من أهم متطلبات وأولويات التنمية باعتباره مادة النمو في هذا العالم فقد قام المسجد برفد الحياة اليومية للمسلمين بالأخلاق والقيم التي تعمل على تحقيق مؤشرات وأولويات التنمية في الأمة وذلك من خلال النقاط التالية:
أ – الدعوة إلى إتقان العمل وتحسين الإنتاج وعدم التدليس والتغرير فيه.
ب- البعد عن أساليب الغش والخداع والمراوغة.
ج- العمل على تقليص الجريمة في المجتمع إن لم يكن منعها بالكامل من خلال التوجيهات التي تحث المسلم عن الابتعاد عن مواطن الشر والشبهات والآثام.
د- الحث على التزام المسلم بواجباته المالية نحو الفقراء والمحتاجين تحقيقاٍ للتكافل الإجتماعي.
هـ-العمل على توسيع التوعية وزيادة التثقيف الديني لدى المسلم مما يبني في سلوكه المعاملة الحسنى والابتعاد عن الفحش والبذاءة في الحياة اليومية داخل المجتمع.
و- تهذيب الخلق وتقويم السلوك والتربية والنصح الأمر الذي يؤدي بالنتيجة إلى أن تنعم الأمة بالخوف من الله تعالى والبعد عن مزالق المعصية.
ز- الحث على التقوى والأخلاق الفاضلة ونبذ العادات السيئة والأخلاق القبيحة لينشأ المجتمع الإسلامي على قواعد الفضيلة والطهر والإحسان.
وهكذا تكفلت المساجد بإعداد الطلائع الأولى من المسلمين في جميع المجالات مِدِدْهْم الإيمان الكامل وزادهم العلم والمعرفة وشعارهم الصدق في المعاملة (7).
هوامش:
(1) يمكن تعريف تنمية المجتمع بأنها العملية التي يمكن بها توحيد جهود المواطنين مع جهود السلطات لتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات المحلية والمساهمة الكاملة في تقدم الأمة.
انظر: الوقف ودوره في التنمية للدكتور عبدالستار الهيتي: ص 114.
(2) نشر العرف لأحمد زبارة: 1 / 259.
(3) الأوقاف والإرشاد في موكب الثورة: ص 84.
(4) هجر العلم في اليمن للقاضي إسماعيل بن علي الأكوع: 1 / 22.
(5) وقد قام العلامة إسماعيل بن علي الأكوع بحصر أشهر هجر العلم في اليمن في كتابه النفيس هجر العلم ومعاقله في اليمن في أربعة أجزاء تضمن التعريف بالهجرة وموقعها وأشهر من درس ومن تولى التدريس فيها من العلماء الأجلاء.
(6) هجر العلم ومعاقله في اليمن للقاضي إسماعيل الأكوع: 1 / 8 .
(7) الوقف ودوره في التنمية للدكتور الهيتي مصدر سابق: ص 113 .

قد يعجبك ايضا