الرقابة الذاتية للموظف ومبدأ المحاسبة.. أهم قواعد العمل العام التي أرساها الشرع

إن نظرة الإسلام إلى الرقابة الذاتية في الإدارة نظرة عامة وشمولية تنطلق من كون الأخلاقيات الإسلامية تأخذ مفهوما واسعا فبقدر ما يتدخل الإسلام ويوجه في الشؤون العامة يتدخل في الشئون الخاصة لذا أوجب الإسلام قبل كل شيء أن يراعي الفرد الرقابة الذاتية التي ينبغي على الموظف الإداري والعامل المهني أن يراعيها قبل الرقابة الإدارية ولأنها أحد أهم المتطلبات الأخلاقية يجب على الفرد المسلم تنمية الشعور بالمسئولية حيث تعتبر إحدى الخصائص الأساسية المطلوبة في الموظف الإداري ..
ضرورة تنمية الرقابة
الإسلام يدعو إلى تفعيل السلوك الإداري قبل التوظيف وبعده وتنمية الإحساس لديه بأهمية الالتزام بالشعائر الدينية التي تسهم في تهذيب السلوك وتزكيته وكذا ضرورة إيقاظ الضمير الديني الذي يوجه الخطوات ويسدد التصرفات وإذا كان هناك عدد من الصفات الأخلاقية التي ينبغي على الفرد المسلم التحلي بها في التعامل مع الآخرين فإن الالتزام بهذه الصفات في مجال العمل يكون أوجب وأهم ذلك لأن المهنة أو الوظيفة هي محور علاقة مباشرة بين الفرد ومن حوله ممن يتعاملون معه من الزملاء والرؤساء والمرؤوسين وتؤدي القيم الفاضلة التي يعتنقها الفرد المسلم المستمدة من عقيدة التوحيد ومبادئ الشريعة دورا أساسيا في التأثير على سلوكه ونشاطاته وممارساته اليومية .
ماذا تعني الرقابة الذاتية ¿
الرقابة الذاتية بمفهومها العام إحساس العنصر البشري العامل بأنه مكلف بأداء العمل ومؤتمن عليه من غير حاجة إلى مسؤل يذكره بمسؤوليته ولعل الرقابة الذاتية أهم عامل النجاح العمل لأنها تغني عن كثير من النظم والتوجيهات والمحاسبة والتدقيق والمتابعة ولو أن كل موظف في مكتبه وعامل في مهنته وصانع في مصنعه راقب الله تعالى فيما هو مؤتمن عليه لكان له الأثر الفعال على الأداء وتحقيق الأهداف وتلاشي المشكلات الوظيفية وقد نسمع الكثيرين يتحدثون عن أهمية الرقابة عن الموظف ولكن المهم هو وسيلة الحصول على هذه الرقابة بحيث يشعر الموظف أنه محاسب على عمله لا من قبل الناس وإنما من قبل رب الناس وليس في الدنيا بل في الآخرة قال سبحانه «إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم»
لذا فإن الموظف المؤمن هو أقدر الناس على القيام بالعمل لأنه أكثرهم مراقبة لله فلا يقصر في عمله ويتعدى ذلك أنه لا يقتصر اهتمامه على نظافة أدائه وإتقانه فحسب بل يجتهد في نظافة أداء المؤسسة كلها والتي يعمل فيها.
الرقابة اندفاع من الداخل
يقول محمد الزيكم -مدير المعهد المهني بالخبت- أن الرقابة الذاتية عند الموظف شعور داخلي وذوق رفيع واندفاع من الداخل والرقابة الحقة لا تجلب من الخارج وإنما هي شعاع وضاء يولد ويكبر في الصغر ويضيء جوانب الحياة كلها ولن يكون بإمكان أفضل القوانين أو النظم الاجتماعية ولا في إمكان أقسى العقوبات الصارمة أن تقوم الاعوجاج ولا أن تملأ الفراغ الناشئ عن ذبول النفس وانحطاط القيم فالعقوبات الصارمة لا تنشئ مجتمعا لكنها تحميه والنظم مهما كانت محكمة ومتقنة لن تحول دون تجاوز الإنسان لها وأضاف الأستاذ محمد قائلا : أعتقد أن تجربتي مع زملائي في العمل جديرة بالاهتمام والاقتداء حيث إني أسلم الثقة الكاملة إلى الموظف وأشعره بأنه الموظف والمدير في نفس الوقت ولا أشعره يوما ما بأني مسئول عليه وأضفي على العمل مع بقية العاملين الود والاحترام والتفاهم وأحاول بقدر الإمكان أن أغرس في نفوسهم الرقابة الذاتية مع الأخذ بالاعتبار وهو الأهم مبدأ الرقابة الإدارية لكي يستقيم العمل وتمضي عجلة الدوام بشكل مستدام لا فرق بين مدير وموظف أدى ذلك إلى تفاني العاملين وإخلاصهم وأثر كذلك على انتظام العمل في المعهد على مدار الساعة .
مبدأ المحاسبة
إن الرقابة الذاتية التي تنطلق من الذات ويكون مصدرها الضمير لا تلغي مبدأ المحاسبة التي أقرتها الشريعة السمحاء يقول الأستاذ عبدالرحمن الشاحذي – خطيب ومرشد- إن الإسلام حارب الفساد وأكد على محاربة المفسدين قال تعالى « ولا تعثوا في الأرض مفسدين» ولا بد أن يستشعر الحاكم أو من يتولى رعية أو منصباٍ من المناصب هذا المبدأ هو مبدأ المحاسبة وحماية الرعية من الفساد والمفسدين ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم “إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع” فلا بد أن يكون هناك مبدأ للمحاسبة في كل الدوائر الحكومية وإعمال مبدأ” من أين لك هذا¿ ويبدأ الراعي والمسئول بتطبيقه على نفسه قبل غيره فقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحاسب الولاة حسابا شديدا فيحصي ثروة الوالي قبل العمل وإثناء العمل وبعد العمل فإذا ظهرت زيادة غير مبررة أخذها منه وردها إلى بيت المال وفي نفس الوقت لا بد للوالي أن يحسن اختيار مساعديه على أساس الكفاءة وليس المجاملة والمحاباة فهذا الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري رضي الله عنه وهو من المقربين إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: يا رسول الله ألا تستعملني¿ قال فضربني بيده على منكبي قم قال: يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها”.
سلاح في مواجهة الفساد
يقول يحيى عبدالله محمد صالح نائب مدير شعبة التوجيه المحويت – أن هناك سلاح إسلامي فعال في موجهة الفساد بكل إشكاله بما فيه الفساد المالي والاقتصادي ولا يتعمد على القوانين الصارمة بل إنه يعتمد على ما هو أهم وهي الرقابة الداخلية والذاتية لدى الفرد المسلم وذلك في الامتناع عن المحرمات والبعد عن المغريات لأنه يستشعر رقابة الله له في السر والعلن والمتمثلة فيما نطلق عليه الضمير الحي المرتبط بالله القائل جل شأنه “أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون”.
وقوله تعالى “واسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور” وأنهى كلامه بالتأكيد على أن الرقابة الذاتية تجعل المسلم يمتنع من تلقاء نفسه عن الفساد وهذا من أهم الإجراءات الوقائية لمكافحة الفساد في الإسلام وغير موجود في أي نظام أو قانون وضعي لمكافحة الفساد في العالم ولهذا فإنه لا بد من غرس الوازع الديني لدى الأفراد ابتداء من التنشئة الإسلامية في الأسرة وكذلك من خلال المنهج الدراسي في المدارس العامة والجامعات ويبقى دور وسائل الإعلام المرئية والمقروءة وهي الأهم في ذلك كله في توضيح دور الرقابة الذاتية في بناء الإنسان والأمم واستضافة العلماء المتخصصين في علوم الشريعة لتوضيح هكذا مسائل .
الإحساس بالانتماء
ونظرا لزيادة الثقة بين الفرد والإدارة وتغير نظرة الإدارة نحو موردها البشري تلك النظرة المبينة على القدرة والكفاءة والانتماء الأمر الذي أدى إلى زيادة حماس الأفراد نحو تحسين وتطوير الأداء بالإضافة إلى العمل الجماعي والمشاركة الأمر الذي قلل من أهمية الرقابة الإدارية وتراجعها وزيادة دور الرقابة الذاتية النابعة من قيم الفرد ومدى إحساسه بالانتماء وارتباط المصالح الشخصية مع المصالح العامة وتتجه الدول الحديثة لتقوية الرقابة الذاتية حيث إن كثيرا من تلك الدول ليس لها معايير أخلاقية سماوية فقد اتجهت إلى إنشاء ميثاق لأخلاق العمل .
خيانة الأمانة
يقول الأخ أمين مفتاح إن من الأمانات المهمة في كل عمل إداري هي الأمانة المالية وما يسمى الآن أمين الصندوق وكل من يعمل في الشؤون المالية والرقابة عليها من أصعب أنواع المراقبة إذا لم يتواجد لدى ذلك الموظف حس وطني ورقابة ذاتية وقبل ذلك كله وهو الأهم الخوف من الرقابة الإلهية والرقابة هنا هي على الاختلاسات المالية اليسيرة والتعدي على الممتلكات العامة وهذا كله محرم في القوانين السماوية وحتى الوضعية وهو كذلك من خيانة الأمانة قال تعالى “يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون “ونجد أن الشريعة السمحة قد جعلت للوازع الداخلي للموظف بل وكل مسلم أهمية جليلة في التمييز بين الحسن والقبيح وهو ما يعرف بالضمير فقد روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس”.

قد يعجبك ايضا