اسس المشروع الصهيوني تجاه البحر الاحمر

جاسوس فوق البحر الأحمر

 

 

 

د. انيس الاصبحي

“نحن نملك أسطولاً بحرياً ضخماً يعمل في كافة موانئ العالم، وسيرتفع عدده في عام ولهذا فعلينا أن نعد العدة لمستقبل تستطيع فيه أساطيلنا البحرية والحربية أن تحطم الحصار المفروض علينا، وأن نفرض الحصار بدورنا على بعض الدول العربية بشكل أقوى مما فرضوه علينا؛ أي: باختصار مطلوب منا أن تكون لدينا خطة نستطيع عن طريقها أن نحول البحر الأحمر إلى بحيرة يهودية بالتدرج” بهذه العبارة التي قالها كانستلون (قائد البحرية الصهيونية السابق) في الخمسينيات من القرن الماضي حيث تظهر الأهداف الصهيونية في البحر الأحمر وما يبدو للعيان من محاولة للسيطرة عليه ما هو إلا ترجمة للهدفين السابقين، ألا وهما: فك الحصار عن الصهاينة، ووضع العرب والمسلمين عموماً تحت السيطرة الغربية والصهيونية.

*باروخ زكي مزراحي* (1926-2005م)، ضابط مخابرات إسرائيلي (من أصل مصري) ألقت السلطات اليمنية القبض عليه فى صيف ١٩٧٢م أثناء تصويره ميناء الحديدة والموانئ على طول الشريط الساحلي اليمني والبوابة الجنوبية للبحر الأحمر ومضيقه الاستراتيجي باب المندب والجزر الاستراتيجية المتحكمة بالمدخل . وقد سلمته اليمن لمصر، التي قايضت به في تبادل الأسرى بعد حرب أكتوبر.

وفشلت كل محاولات الكيان الصهيوني الوصول إلى باروخ إما بتحريره أو قتله وذلك عندما ارسلت مجموعة من الفرق الخاصة من أصول  يهود اليمن عبر اثيوبيا ولكن تمكنت الاجهزة الامنية اليمنية من القبض على أحدهم الذي أرشد عن مخبأ سبعة من زملائه وصدر بيان فيما بعد صباح السبت ٢٩من يوليو ١٩٧٢م بأن ثمانية من اليمنيين قد أعدموا.

وقال الرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي وكان رئيس هيئة الاركان العامة: انه في غنى عن مناقشة دوافع المصريين للحصول على باروخ ولكنه يمنح تأييده بلا حدود حتى لا تتمكن إسرائيل  من إحباط الخطط المصرية لنقله لمصر والاستفادة منه بالمواجهة الحربية بين الكيان ومصر وصافح ضابط المخابرات المصرية الحمدي فقال: لاحظت في عينيه نظرات الاكبار ومشاعر الحب مرتسمة على وجهة وعلى نجاح المهمة وتم الاشراف المباشر من القائد الحمدي على مجريات النقل والسرية التامة. ومن ثم كانت للشهيد الحمدي وسالمين استراتيجية موحدة لمواجهة الاخطار الصهيونية على البوابة الجنوبية والجزر اليمنية واستغلال ثروات البحر الاحمر وبدء اول مؤتمر للدول المتشاطئة للبحر الاحمر وعقد في  تعز ٢٣مارس١٩٧٧م ولم تحضره كل من الاردن ومصر والسعودية لأهميته الاستراتيجية ومواجهة التحديات الامريكية والاسرائيلية لتدويل البحر الاحمر وجزره ومضائقه الاستراتيجية ولذلك كان مشروع الحمدي يمثل خطرا على الكيان الصهيوني الامريكي  وحلفائه وتم التخلص من الحمدي وسالمين..

فباروخ زكي مزراحي – يهودي مصري، ولد بـمحافظة القاهرة عام 1926م العمل بالموساد، وذات يوم، استدعاه رئيسه، وقال له في لهجة آمرة حازمة إنه قد رشحه لعمل مهم، وطلب منه أن يذهب في اليوم التالي إلى مكتب المخابرات، ويقابل رئيسه حايم أيدولوفيتش.. ومن هنا كانت البداية.. لقد التقى في صباح اليوم التالي مدير مكتب المخابرات المحلي البولندي الأصل الذي تفحصه بنظرات سريعة، ثم أبلغه بأنه تم تعيينه في جهاز المخابرات الإسرائيلي، ثم استدعاه المدير ذات مرة، وأخبره بأنهم سيرسلونه في مهمة إلي هولندا حيث افتتحوا مكتباً تجارياً هناك، كغطاء لأعمال التجسس… وفهم باروخ ما يعنيه الأمر، وسافر إلى هولندا، وهناك أقام علاقات جيدة مع المصريين المقيمين في العاصمة الهولندية، ونشطت علاقته بهم، وجمع قدراً كبيراً من المعلومات، جعله يؤكّد أن مستوى الوعي الأمني عند العرب منخفض للغاية، فما أن يبدأ الحديث مع أحدهم، حول موضوع ما، حتى ينطلق مثرثراً، ويروي كل ما لديه عنه، مهما بلغت سرية الأمر وبعد النجاح الساحق لمهمته في هولندا عاد باروخ إلي تل أبيب، ولم تمض فترة قصيرة حتى استدعاه مديره مرة أخرى، وقال في لهجة تشف عن أهمية الأمر وخطورته: إن الفلسطينين قد ضربوا إحدى السفن الإسرائيلية، أمام باب المندب، وهذا ما دفعهم إلي أن يسندوا إليه مهمة بالغة الخطورة، يعلقون آمالاً كبيرة على نجاحه فيها، وأن رئيسة الوزراء شخصياً، شديدة الاهتمام بما سيحققه فيها؛ إذ سيسافر أولاً إلى عدن ثم الى تعز والحديدة  وبعدها إلى دولة الإمارات.. ويريدونه أن يجمع أكبر قدر من المعلومات عن اليمن ومؤانئه وجزره ومتابعة نشاط منظمة التحرير الفلسطينية فيها، ويريدون أن يعرفوا بالتحديد، هل يتدرب الفدائيون هناك على ضرب ناقلات البترول الإسرائيلية في البحر الأحمر أم لا؟ اضافة الى اهمية الجزر الإستراتيجية وعمل مسح بالتعاون مع سلطات اثيوبيا .

رحلته لليمن

شعر باروخ بأهمية المهمة وخطورتها، وهو يبدأ رحلته، بجواز سفر مغربي، يحمل اسم أحمد الصباغ ولي كتفه، كأي سائح عادي، آلة تصوير جيدة وتقنية عالية تساعده على التقاط صور الأهداف الحيوية، وقبل أن يستقل طائرته بأقل من ساعة، جال بخاطره أمر مقلق.. وماذا لو انكشف أمره؟ وعندما صارح رئيسه موردخاي بهذا، انفجرت عاصفة من الضحك في مقر مخابرات الكيان الصهيوني،  أخبروه في ثقة بأن الخطة التي يضعها عباقرة الموساد يستحيل أن يكشفها اليمنيون  لأنهم متخلفون ولديهم جهل وعدم دراية بأعمال المخابرات  كما وصفهم رؤساؤه في تل ابيب وانهم قوم غلاظ قساة القلوب لا تأخذهم الرحمة فكان حزينا عندما تسرع بعرض رشوة ضخمة على الجنود الذين قبضوا عليه مما شكك بنفسه وتم اقتياده الى الامن الوطني والتحقيق معه.

وهكذا غادرهم باروخ، و هو يشعر بالزهو والغرور، لأنه يعمل في جهاز خطير ودقيق، مثل المخابرات الإسرائيلية، وسافر إلى عدن، وأنهى مهمته فيها بنجاح، ثم إلى الحديدة حيث أقام في فندق الأخوة  وبدأ هناك عمله في ثقة وبساطة، فراح يتجوَّل في الأسواق، وبالقرب من الميناء، حاملاً آلة التصوير المعلقة بكتفه، والتي يلتقط بها عشرات الصور للميناء، والسفن الراسية فيه، وإجراءات الأمن من حوله، ثم يعود إلى حجرته في الفندق باسم الثغر، شديد الزهو والهدوء… ولكن فجأة، وفي نفس اليوم الذي استعد فيه للسفر إلى أديس أبابا، فوجئ بشابين من رجال الأمن اليمنيين في حجرته، يسألانه في لهجة مهذبة تفتيش حجرته، فحاول الاعتراض، وثار ثورة مصطنعة، وهدد بالإتصال بسفارة المغرب، ولكن أحداً لم يعره انتباهاً، وعثر الشابان على الأفلام، فصاح مؤكداً أنها مجرد صور تذكارية للرحلة، و لكن أحدهما دسّ يده في جيب باروخ، وأخرج الرسوم الكروكية للميناء والمواقع العسكرية اليمنية، وهو يتساءل: أهذه رسوم تذكارية أيضاً ؟!..

وسقط باروخ، واستسلم لهما وهما يقودانه إلى مبنى التحقيقات، ولكنه ظلّ مصراً على أنه مغربي الجنسية، إلا أن اليمن كانت قد أبلغت المخابرات المصرية بسقوط الجاسوس.

أرسلت مصر ضابط المخابرات المصري الأسمر، الذي واجهه، وكشفه أمام نفسه، ثم حمله معه إلى القاهرة.. لم تكن رحلة الضابط المصري مع الإسرائيلي باروخ زكي مزراحي، من اليمن إلى القاهرة سهلة أو هينة، بل كانت مغامرة عنيفة، تستحق مجلداً ضخماً لسردها، خاصة مع محاولات الموساد المستميتة لاستعادة ضابطهم، ولكنهما في النهاية وصلا إلى القاهرة، وتسلمت السلطات باروخ وقبل أن يبدأ إسماعيل مكي، نائب المدعي العسكري العام، تحقيقاته معه، مال نحوه، وأخبره بابتسامة هادئة، “إن زوجتك مارجريت رزقت بمولودة أمس، وهي في حالة جيدة”.. وهنا انفجر باروخ باكياً، واعترف بكل شيء.

بعد نهاية حرب أكتوبر 1973م طالبت إسرائيل مصر بمبادلته بمجموعة من الجنود الأسرى ولكن الجانب المصري رفض المبادلة بحجة أن مزراحي ليس جندياً أسيراً بل جاسوس. هذا الأمر جعل رئيس الموساد آنذاك زڤي زامير يسافر إلى واشنطن من أجل التوسط لصالح مزراحي. في منتصف المحادثات طلبت رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مئير عن طريق وزير دفاعها موشي ديان الانسحاب من المفاوضات والخضوع للرأي العام وتجاهل قضية إطلاق سراح مزراحي والتركيز على استرداد الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى الجانب المصري. نتيجة لذلك قرر زامير تقديم استقالته من رئاسة الموساد.

في سنة 1974م تم الإفراج عنه مقابل الإفراج عن الجاسوس المصري عبدالرحيم قرمان.توفي مزراحي في سنة 2005م بهدوء بدون أن يصدر من الحكومة الإسرائيلية أي بيان رسمي يذكر فيه العرفان والامتنان إزاء ما قدمه طوال خدمته العسكرية كما هي العادة.

فلذا الحرب العدوانية على اليمن ماهي إلا ترجمة واستمرارية لتلك الاطماع الصهيوامريكية على جغرافيا  واستراتيجية  اليمن، لكن الشعب اليمني يعي جيدا ما يخطط له الكيان الصهيوني وان خطة احتلال الحديدة والساحل الغربي والموانئ والجزر ماهي إلا محاولة للسيطرة على البحر الاحمر، فهناك في ليمن رجال لا يهابون إلا الله ولا يقبلون الضيم ولا المذلة وسيفشلون هذه الخطة البائسة ويسحقون منفذيها في كل متر من الارض اليمنية والبحار اليمنية بإذن الله وسيغسل الغزاة بدمائهم شواطئ البحر الاحمر اليمني والعربي ويدرك الشعب اليمن جيدا ان المشاريع الاستعمارية تحت تسمية مشروع الشرق أوسط الجديد ومشروع السلام والتطبيع وعبر الشراكة الاقتصادية تنطلق من نقطة البحر الأحمر بمشاريع نيوم وريفراء البحر الأحمر  التي يريد الكيان الصهيوني وامريكا تحقيقها في البحر الاحمر والعربي.. واليمن عبر بوابة العدوان تحت ذريعة محاربة النفوذ الايراني ومكافحة تهريب الأسلحة الايرانية الى اليمن والتي ماهي إلا اكاذيب خبيثة وخسيسة وان هذه المشاريع والمخططات الاستعمارية لن تكون ولن يكون لها واقع وسيواجه وسيقاتل السيد القائد والجيش واللجان والشعب اليمني كل الاعداء ومخططاتهم ومشاريعهم وسيهزمونهم شر هزيمة، هذا وعد الله وعد به عباده الاحرار الاطهار المجاهدين.

قد يعجبك ايضا