العودة إلى المدرسة

محمد أحمد المؤيد
من أجمل ما في الحياة أن يشاهد الشخص منا أفواج وجموع فلدات أكبادنا تتماوج ذاهبةً وآيبة كسيول جارفة تمضي نحو دروب العلم ومنابعه ومساقيه الوارفة التي تشع بالمعرفة والمعلومة النيرة , فتسوق نور الله إلى القلب قبل العقل وتلهمه البصيرة ,إذ تعتبر المدرسة هي ذلك الصرح البديع الذي أنشئ وأعد لحمل هذه الرسالة الإنسانية النبيلة والعظيمة في مقاصدها وأهدافها الراقية والرامية إلى كل ما ينير دروب حياتنا بتسهيل وتسخير كل ما جادت به الأرض في خدمة الإنسان وجعلها في متناول اليد وقيد الاستخدام , حيث يعتبر العلم هو (المارد) الذي يحدث المعجزات ببديع صنعه وتمكنه من صهر الأشياء وقولبتها في قالب المنفعة واليسر لبني الإنسان.
يفرحنا كثيراً ان نرى أبناءنا وبناتنا يعودون اليوم إلى المدرسة بعد محطة توقفوا فيها عن تلقي الدروس المدرسية لأيام قليلة أعقبت اختبارات نصف السنة الدراسية , وهي عطلة لا تتعدى كونها محطة (ترانزيت) , يأخذ فيها الطالب قصداً من الراحة كي يعاود الكرّة ونفسه مليئة بالرغبة والاندفاع والقابلية لما بقي من دروس في المواد العلمية والأدبية , والتي بموجبها يتطلع طلابنا وطالباتنا إلى اجتياز المراحل والصفوف الدراسية المتوزعة بين اثني عشر فصلاً دراسياً بغية الالتحاق بالدراسة الجامعية والمتخصصة , والتي بموجبها يحدد الطالب مسار حياته وطموحه , فينفع نفسه وبلده وكل من حوله بما سيتخصص فيه ويتعلمه , وهي ثمرة جهد حثيث وتعب تلك السنوات التي تقلب بين أفراحها وأتراحها وصعابها ومراحلها , التي تكون فيها الأسرة والمجتمع وطاقم المدرسة في ورشة عمل دائمة منذ دخول الطالب أو الطالبة دروب العلم بدءاً بالصفوف الدراسية المدرسية وانتهاءً بالشهادة الجامعية والمتخصصة بدرجاتها الثلاث “بكالوريوس , ماجستير , دكتوراه ” وكلها – أي هذه المراحل – تتطلب جهداً ومالاً ووقتاً من كل من ذكرنا ومسؤولياتهم – مما يجعل الطالب أو الطالبة في موقع التقدير والعرفان والجدية المطلقة لتلقي العلم والحث عليه , وهو تثمينً لكل هذه الجهود التي سخرت من أجله وفي مصلحته , التي لن يكون جميلها وطريقة رده إلا بالتفوق وتحقيق النجاح الذي به يضمن إنجاز الأهداف التي عول عليها الجميع حتى تخرجه , وهو الأمر الذي لا يثني دور الأسرة أولا ًوطاقم المدرسة ثانيا ًوالمجتمع ثالثاً عن تثمين وتقدير إخلاصهم وجهودهم، وحث الطلاب والطالبات على المضي نحو العلم بتسخير وتذليل كل الصعاب أمامهم كي يبقوا – وهم فلدات أكبادنا- في (ديناميكية) مستمرة نحو التطلع إلى الأفضل , حتى تثمر جهود الكل إلى ما يحصل به المنفعة والفائدة لنا جميعاً , فظهور دكتور جراح راق ومتمكن يخفف علينا السفر إلى الخارج لتلقي العلاج ويوفر لنا عناء السفر وعبء العملة الصعبة واستنزافها وإنهاك الاقتصاد الوطني , وظهور مخترع أجهزة طبية ومهندس معدات طبية لإعادة تأهيل ما تلف ، وظهور ممرض وصيدلاني ومدير أعمال ومهندس نبني مستشفى يغنينا عن غيرنا ويجعلنا بوطننا وعزتنا في اكتفاء ذاتي، وهكذا في كل المجالات والتخصصات والأقسام , بدلاً من التسكع والبهذلة وما يكون الجهل سبباً رئيساً لتتابعها علينا جيلاً بعد جيل فنجلس حينها نندب حظنا التعيس .. وهذا ما لا نريده.
بالأمس أعلنت إيران – طبعاً لمن يريد أن يؤوِّل المسألة أكثر – أنها أطلقت بنجاح ولأول مرة مكوكاً فضائياً يدعى ” بيام ” مصنوعاً محلياً إيرانياً 100% , وهو الأمر الذي جعلها ضمن العشر الدول التي تمتلك هذه التقنية , وبذا تصبح هي الدولة الحادية عشرة في هذا المجال والتقنية الراقية على مستوى العالم , وتلك الخطوة نعتبرها قفزة نوعية لعالم إيران الخاص وعالمنا الإسلامي العام , بعيداً عن السياسة ومماحقاتها وتأويلاتها التي قد ترضي البعض وتغضب البعض , لكن الطفرة الإيرانية في كل المجالات لاشك تحفزنا نحن العرب والمسلمين أن نحذو حذوها في دروب العلم والتقدم , الذي به ننهض بأمتنا وبلداننا إلى أرقى المراتب والقمم , فلولا العلم والمعرفة وتتويجهما بالعمل والإخلاص ما وصلت إيران وغيرها من الدول إلى ما وصلت إليه ووصل العالم إلى دروب التقدم والرخاء الذي نحلم به جميعا ً, وذلك ليس مستحيلاً خاصة لو تعقل المتعقلون وفهم المتبلدون من بعض العرب الذين يصبون جام غضبهم ومقتهم على بلد الإيمان والحكمة ولو وجهوا اهتمامهم بتنمية وتطوير قدراتهم وأبنائهم في شتى المجالات لكان خيراً لهم , بدلاً من الركون إلى ثروة النفط وتوجيهها في دمار الدول الشقيقة والجارة وسفك الدماء , فكفى غباء ً أيها الأغبياء.. أيها الملوك المتهالكة وراء الوهم والشك ووساوس الشيطان.. أنتم يا قرن الشيطان .. قبحتم وقبحت صنيعتكم وقبح نهجكم.. وحسبنا الله فيكم.
ولله عاقبة الأمور..
~ في أسبوع الشهيد .. لا نملك إلا أن نقول لهم : ” اللهم تقبل شهادتهم واجعلنا من أولئك الذين اقتدوا واقتفوا أثرهم وقدّروا تضحياتهم التي مهما فسرناها وحللناها فلن نجد مثل تضحية الشهيد، ويا لها من تضحية!! إن كتبت عنهم وعن تضحياتهم بماء الذهب , فلن أفيهم ويعجز قلمي عن الوفاء بحقهم ورسالتهم التي ضحوا من أجلها وأجلنا ومستقبل ديننا ووطننا وأبنائنا وبناتنا.. فهنيئا ً لهم الشهادة ..وحسبنا الله ونعم الوكيل.

قد يعجبك ايضا