قراءة في جولة بومبيو من حيث الشكل والمضمون
إيهاب شوقي
تبدو جولة وزير الخارجية الأمريكي مايكل بومبيو في المنطقة وكأنها قنبلة دخان لتغطية الانسحاب الامريكي من جبهة، ايقنت امريكا ان هزيمة مخزية تنتظرها بها، لتعلن بشكل مهين عن تحول استراتيجي دولي مفاده تعدد الاقطاب، وتحول اقليمي مفاده توازن الرعب.
ولأن التاجر الامريكي لا يرغب بخسارة جميع أوراقه، فقد حاول انقاذ ما يمكن انقاذه من عملائه والاحتفاظ بموطئ قدم بالسوق، دون الدخول في صفقات كبرى خاسرة تقود الى اعلان افلاسه.
تبدو هذه المحصلة غير مرضية للكثير من اتباع التاجر الامريكي، كما تبدو غير مقنعة لأعدائه، فهناك تنبؤات وتحليلات وتكهنات، بأن خطوات امريكا تعكس مناورات أو انها مقدمات لخدعة كبيرة أو تصعيد غادر!
وبالرغم من أن الاحتياط وتوقع اسوأ السيناريوهات هو واجب استراتيجي وامني، إلا أن المبالغات قد تلهي عن اتخاذ العمل اللازم واللائق بالتحولات الاستراتيجية، وتعد المبالغة ايضا نوعا من انواع عدم الثقة بالانجاز الذي حققته المقاومة وصمودها ودورها الكبير في تحقيق التحولات الاستراتيجية الكبرى.
كما ان الاغراق في ترقب المناورات وما وراء الخطوة الامريكية، وما وراء التصريحات وقنابل الدخان، قد يلهي عن التموضع الصحيح، ويساعد العدو في شغل فراغات الانسحاب وترتيب اوضاع لا تليق بالانجاز.
وباختصار، فإن الاستعداد لأسوأ السيناريوهات، لا يلهي محور المقاومة عن الاحتفال بإنجازه وتكريم شهدائه وتكريس صحة خيار المقاومة ونجاحه وحتميته في نفوس انصاره وجمهوره بعيدا عن الحرب النفسية التي تهدف للتقليل من انجاز المقاومة من جهة، وحفظ ماء وجه معسكر العدوان وذيوله من جهة أخرى.
ايضا يعي معسكر المقاومة، ان المعركة ممتدة ووجودية، وان الجولة الحالية، هي مجرد جولة، وان الجولات بمثابة حجة على الجمهور والنخب وانها بمثابة اختبارات للخيارات، وفي كل جولة، تثبت المقاومة ان نتائجها هي الصحيحة، وان نتائج الاستسلام والتبعية لا تقود الا للفشل ومزيد من الهزائم والانكسارات والخذلان.
وتعكس جولة بومبيو وفقا لتحليلها شكلا وموضوعا ما يلي:
أولا: من حيث الشكل:
1- هي عبارة عن جولة لدى الحلفاء التقليديين والاشد احتياجا لأمريكا والاكثر التصاقا بها، ولا تعكس فتحا نوعيا لأمريكا باستقطاب دول جديدة يمكن ان تغير من المعادلات.
2- اختيار الجامعة الامريكية بالقاهرة لالقاء خطاب مشابه لخطاب اوباما وللرد عليه يعكس تكريسا لتحول استراتيجي، فبعد ان اختار اوباما جامعة القاهرة، لتدشين استراتيجية “ربيع عربي” عبر وجوه (اسلامية) حليفة لأمريكا، يأتي ممثل ادارة ترامب والذي يعلن ان “امريكا اولا”، ليختار الجامعة الامريكية، لتدشين استراتيجية حرب باردة تخاطب من عرشها تابعيها وتلملمهم في معسكرها.
ثانيا: من حيث الموضوع:
1ـ لا جديد سوى اعادة اعلان انسحاب ترامب وبقائه في العراق، وهو امر متوقع، لأن جبهة سوريا ليست جبهة باردة، وانما جبهة العراق مرتكز يحتفظ بسياسات اعلاها تصعيدا هو حافة الهاوية، وهي من سياسات الحرب الباردة.
2ـ طمأنة حلفاء امريكا بانها ماضية في عدوانها ولم تغير تحالفاتها ولكن هناك سياسات أخرى، وعلى الجميع اتباعها، وكانت عناوين السياسات هي، باختصار، العداء لايران والمقاومة، وتشجيع التحالف والتطبيع مع العدو الصهيوني.
يمكننا استنتاج ان امريكا خائفة من انفضاض حلفائها عنها، وان الجولة تهدف لغلق باب الحظيرة، منعا لتسلل أي داجن خارجها بفعل الخوف والتغيرات الحاصلة.
اما بخصوص تعاطي امريكا مع ايران والمقاومة، فلا جديد سوى إبقاء الحصار ومحاولة تعميقه، رهانا على انفجار الوضع الداخلي بمحور المقاومة.
وكذلك المشاغلة الصهيونية للمحور عبر اعتداءات محدودة، للتقليل من شأن الانتصار، وللاستنزاف والمشاغلة لقطع الطريق على ملء فراغات الانسحاب، ولتكريس سخونة الجبهة في حرب ممتدة للارادات.
الوضع الراهن يتطلب الوعي بالمرحلة وعدم الانسياق للعناوين الامريكية والصهيونية، وتأمل المضامين وإعداد الخطط الملائمة لهذه المضامين، بعيدا عن العناوين الصاخبة وقنابل الدخان الانسحابية.
ينبغي إذاً التركيز على ما يلي:
1 ـ التواصل السوري العراقي وعدم السماح بالايقاع بين العراق ومحور المقاومة عبر دعايات مشبوهة سواء على مواقع التواصل، أو عبر زيارات مشبوهة للعدو الصهيوني من طرف وفود مشبوهة، أعدت خصيصا لقطع تواصل المقاومة وتمدد محورها للعراق.
2 ـ البحث عن معادلة جديدة لقواعد الاشتباك تنهي تطاول الصهاينة على الاجواء اللبنانية واستخدامها في العدوان على سوريا لمشاغلتها وقطع الطريق على الجيش العربي السوري لملء فراغات الانسحاب واستئناف تحرير باقي الاراضي.
3 ـ الحفاظ على ثبات الجبهة الداخلية وتوعيتها بالانجازات وبطرق العدو المشبوهة ومؤامراته وأساليبه في تفتيت الجبهة والايقاع بين الحلفاء.
وكالعادة، فالمقاومة في حالة جهوزية ووعي وهي اعمق مما يتصور أي ساذج انه يمكن مشاغلتها.
كاتب عربي